تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم الخميس الماضي، قرارًا غير ملزم يدين الولايات المتحدة الأميركية لنقل سفارتها إلى القدس وبلغ عدد الأصوات المؤيدة 128 صوتًا مقابل 9 أصوات معارضة وامتناع 35 عضوًا عن التصويت. وضغطت الولايات المتحدة بقوة وعلنا على الحكومات. وكتبت سفير الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هالي في رسالة مفتوحة إلى سفراء آخرين أن الولايات المتحدة ستكتب أسماء الدول التي صوتت ضدها.
وضاعف الرئيس ترامب هذا التهديد، في وقت لاحق، قائلاً: "إن هذه الدول تحصل على مئات الملايين من الدولارات وحتى مليارات الدولارات ثم يصوتون ضدنا. حسنا، نحن نراقب تلك الأصوات. دعهم يصوتون ضدنا. سنوفر الكثير. نحن لا نهتم."
وأوضحت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أنه سرعان ما أدان السياسيون ووسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم، إدارة ترامب لمحاولتها التسلط على الدول لدعم الولايات المتحدة الأميركية، ومع ذلك، فإن إدارة ترامب يجب أن تعرف أن التهديدات العامة قد تؤدي إلى نتائج عكسية في الدبلوماسية المتعددة الأطراف على إسرائيل. وأشارت الصحيفة إلى تفسير آخر للأمر، على أن إدارة ترامب تريد أن تظهر معزولة في الأمم المتحدة؛ إذ يمكن لتلك التهديدات العامة أن تعطي الدول أسبابا للقيام بما يخالف رغبة الولايات المتحدة.
ولفتت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة لديها تاريخ طويل وأقل نجاحا على الأقل فى شراء أصوات الأمم المتحدة بالمساعدات الخارجية. وعادة ما تربط الولايات المتحدة توجيه المساعدات والدعم بالقطاع الخاص. ولكن شراء الأصوات يتعرض لمخاطر، مشيرة إلى أنه حتى في الأمم المتحدة، فان توجيه التهديدات العامة قد يجعل من الصعب على بعض الحكومات التصويت مع الولايات المتحدة.
ويحاول الاتحاد الأوروبى ومجموعة ال 77 والاتحاد الأفريقى ومنظمات أخرى التوصل إلى مواقف مشتركة حول قرارات الأمم المتحدة المثيرة للجدل. وعندما تواجه هذه الجماعات ضغطا عاما، قد تضاعف جهودها لتشكيل كتلة متماسكة.
وقالت الصحيفة إن ما هو أكثر من ذلك، فإن السياسة الداخلية لكل بلد تؤثر على موقفها بشكل كبير؛ ففي معظم البلدان، ترامب وإسرائيل لا يحظيان بشعبية. ومن ثم فإن اختيار الجانب الإسرائيلي صعب بالنسبة للعديد من الحكومات في الأوقات العادية. ويصبح الأمر أكثر صعوبة عندما يقترن ذلك بتهديد عام من قبل رئيس أمريكي لا يحظى بشعبية.
وتشير بعض الأدلة القصصية إلى أن التهديدات قد تكون لها آثار ضارة من هذا القبيل. فعلى سبيل المثال، يبدو أن الحكومة الكندية غيرت تصويتها من "لا" إلى "امتناع" خوفا من أن ينظر إليها على أنها "دمية للولايات المتحدة".
وقال السفير البوليفي للأمم المتحدة إن بوليفيا تفتخر بأن يكون اسمها الأول الذي يجب أن تدونه هالي في قائمتها. وقد جعل التهديد العام من المستحيل على دول أوروبا الغربية الامتناع عن اتخاذ القرار. وفقط امتنعت عن التصويت دول أوروبا الشرقية التي تقودها الحكومات اليمينية. كما أن استراتيجية الإدارة الأمريكية الصارمة لها مبررات سياسية محلية أيضا. ويبقى الوقوف لصالح إسرائيل شائعا بين الأمريكيين - وخاصة مؤيدي ترامب. ولا تحظى الأمم المتحدة بشعبية في الولايات المتحدة وخاصة بين الجمهوريين، ففي 2017، وافق 16% فقط من الجمهوريين على أن الأمم المتحدة تقوم بعمل جيد لحل المشكلات، كما أن المساعدات الخارجية أقل شعبية بين الجمهوريين مقارنة بنظرائهم من الديمقراطيين. وعلى الرغم من أن هذا الموقف يرتبط بالسياسة الداخلية الأمريكية، إلا أن هذا لا يعني أنه لن تكون هناك عواقب تتعلق بالسياسة الخارجية. وقد يوفر التصويت للإدارة ذريعة لقطع التمويل للأمم المتحدة ووكالاتها. وقد تكون هناك أيضا عواقب على المساعدات الخارجية لبعض الحكومات، إذ توجّه الولايات المتحدة معظم معوناتها لأسباب استراتيجية، حيث أن إسرائيل ومصر وأفغانستان وباكستان والعراق يعتبروا أكبر المستفيدين من المساعدات.
ونوهت الصحيفة بأن الولايات المتحدة تتفهم أن الدول الأربعة الأخيرة لا يمكنها التصويت لصالح إسرائيل لأسباب سياسية محلية، ومن غير المحتمل أن تقاطع هذه البلدان التصوي، و قد يكون متلقو المساعدات الأقل أهمية من الناحية الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة معرضين للخطر، إلا أن الواقع أن السياسة الداخلية الأميركية المواتية تجعل تهديد ترامب أكثر مصداقية بالنسبة لهذه البلدان. وتشير نتائج التصويت إلى أن التهديدات الأميركية ربما تكون قد نقلت بعض الدول الأصغر إلى الامتناع عن التصويت أو التصويت بـ"لا". وقد صوتت دول مثل توغو وغواتيمالا والعديد من جزر المحيط الهادئ مع الولايات المتحدة. ورفضت بعض الدول الكبيرة- مثل أوكرانيا- ببساطة المشاركة في التصويت، ربما خشية التعرض لتوتر في العلاقات مع أي من الجانبين. وردا على سؤال عما إذا كان التهديد يؤثر على التصويت بشكل أكثر تعقيدا، قال محرر الواشنطن بوست: "عندما أجريت تحليلا بسيطا للتراجع، وجدت أن البلدان التي تلقت نسبة كبيرة (على الأقل 0 إلى 5٪ من الناتج المحلي الإجمالي) كانت المساعدات العسكرية أو الاقتصادية من الولايات المتحدة أكثر احتمالا للتصويت ضدها أو الامتناع عنها أو التغيب عنها مع عدم النظر لمقدار المعونة ولا الاعتماد عليها. ومع ذلك، صوتت البلدان في معظمها على نفس النهج الذي تصوت به دائما على القرارات المتعلقة بإسرائيل.
وتابع: "لقد بحثت 16 قرارا حول القضية الفلسطينية صوتت عليها الأمم المتحدة هذا العام. صوتت إسرائيل ضدهم جميعا. وامتنعت الولايات المتحدة عن التصويت مرتين. ثم حسبت درجة من الاتفاق مع إسرائيل (امتناع عن التصويت كما هو 5 مرات). وامتنعت معظم الدول التي صوتت بانتظام مع إسرائيل عن التصويت أو رفضت التصويت. وهناك بعض الاستثناءات الملحوظة (مثل غانا). وهناك أيضا بعض البلدان التي (تقريبا) لم تصوت أبدا مع إسرائيل والتي امتنعت عن التصويت في القدس، مثل الفلبين والجمهورية الدومينيكية وغينيا الاستوائية وجامايكا وفيجي. وهذه هي البلدان التي يرجح أن تكون قد تأثرت بالتهديد. ويشير ذلك إلى أن التهديد ربما يكون قد عمل بشكل خاص بالنسبة لمتلقي المساعدات حيث لا تكون إسرائيل قضية محلية رئيسية أو حيث تتصرف الحكومات بشكل أفضل تجاه ترامب.
وأوردت هيئة الإذاعة البريطانية (bbc) قائمة بالدول التي تتلقى المساعدات سنويا من الولايات المتحدة، إذ تحتل إسرائيل الصدارة فيما يخص مساعدات الخارجية الأميركية من الميزانية الإجمالية، وتليها مصر ثم الأردن وأفغانستان وكينيا وتنزانيا وأوغندا وزاميا، بينما فيما يتعلق بمساعدات الاستثمار في البشر، تتصدر كينيا القائمة ويليها على الترتيب تنزانيا وأوغندا ونيجيريا وزامبيا وجنوب أفريقياوموزمبيق وأثيوبيا وأفغانستان والأردن. وفيما يتعلق بمساعدات النمو الاقتصادي، تحتل الأردن المركز الأول، يليها على الترتيب أفغانستان وباكستان وبنجلاديش والضفة الغربية وغزة ثم أوكرانيا وغواتيمالا وأثيوبيا وكينيا ومصر وهندوراس. وعن مساعدات السلام والأمن، تأتي إسرائيل أولا تليها مصر والأردن والعراق وكولومبيا وباكستان والصومال وسوريا وأفغانستان، بينما تتصدر أفغانستان قائمة المساعدات فيما يخص الحكم العادل والديمقراطية، تليها سوريا وأوكرانيا والعراق وكولومبيا وباكستان و"الضفة الغربية وغزة".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر