الرباط ـ رضوان مبشور
يكشف "المغرب اليوم" من خلال تقرير أمني صادم، أن الإجرام تفشى بشكل كبير بين القاصرين، رغم أن معدل الجريمة في المدن المغربية عرف نوعاً من الاستقرار في الأشهر الخمسة الأولى من العام 2013، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، كما حافظت مدينة الدار البيضاء أكبر مدن المملكة على صدارتها من حيث معدل الجرائم المرتكبة بها يليها مدينة وجدة.
ويشير التقرير إلى أنه في المغرب ترتكب 28 ألف جريمة بشكل شهري، يعيش على وقعها المواطن المغربي، ولا تتسع لها صفحات الإعلام المغربي بفعل كثرتها. تطور الجريمة في العقد الأخير(العشرة أعوام الأخيرة) في المملكة بشكل مثير، وضع المجتمع برمته وأجهزة الدولة موضع مسائلة، كما يدفع المتتبع إلى طرح أسئلة عدة بشأن نجاح مجموع المقاربات الأمنية والعقابية والتربوية المعمول بها، والتي لم تستطع حتى الآن وقف النزيف، رغم الإمكانيات البشرية والمالية المرصودة لذلك.
وسجل التقرير ثباتاً في معدلات الإجرام على مختلف المناطق الحضرية في المملكة، فتبعاً للتقرير عرفت الأشهر الأولى للعام 2013 تسجيل 169412 قضيةً مقابل 169366 قضيةً خلال الفترة نفسها من العام الماضي. وباستثناء الارتفاع الذي سجلته الجرائم الاقتصادية والمالية لنسبة 8.75 في المائة، والتي بلغ عددها 23918 قضيةً، فإن باقي الجرائم عرفت تراجعاً ملحوظاً. وعالجت مختلف المصالح الأمنية حسب التقرير أكثر من 150 ألف قضية، أي بمعدل بلغ 90.41 في المائة، وقدمت أمام القضاء أكثر من 168 ألف شخص، من بينهم 16.745 امرأةً و 7359 طفل قاصر.
ويلاحظ من خلال الأرقام الواردة في التقرير، أن القاصرين أصبحوا يحتلون موقعاً رئيسياً في عالم الجريمة، فتقديم ما يزيد عن 7000 شخص من هذه الفئة أمام القضاء، يُعد رقماً مخيفاً، وبخاصة وأن التقرير نفسه يشير إلى أن عدد القاصرين المقبوض عليهم في العام الماضي بلغ حوالي 3200 شخص، وتُعد السرقة والاعتداء بالسلاح الأبيض، والسرقة الموصوفة أهم التهم الموجهة إلى هذه العينة.
واعتبر باحثون ومهتمون بظاهرة الإجرام في المغرب أن هذه الظاهرة تُعبر عن إفلاس المشروع المجتمعي، وتستوجب أكثر من وقفة تأمل لمداواة الخلل، وربطوها أساساً بالفقر والتهميش والإقصاء الذي يعاني منه جزء مهم من المجتمع المغربي، كما أشارت بعض التقارير إلى أنه لم يثبت علمياً أن الأغلبية القصوى من جانحي المغرب تمارس فعلها الإجرامي بقوة المرض فقط، وإنما أيضاً لسبب الفقر والخطأ.
كما أكدت دراسات أخرى أن هذا الفعل الإجرامي لدى الأطفال القاصرين يعكسه كذلك فشل النظام التعليمي في المغرب، والنظام الأسري أيضاً، مشيرةً إلى أن المؤسسات العاملة في مجال حماية الطفولة، تقف بدورها عاجزة عن تأهيل هذه الفئات، وأن السجن أصبح مؤسسة لتخريج المجرمين وتطوير احترافيتهم.
وبخصوص الجرائم المقرونة بالعنف، والتي تؤثر سلباً على الإحساس بالأمن لدى المواطن، فقد مكنت المجهودات الأمنية المبذولة حسب ما جاء به التقرير الأمني من تسجيل تراجع ملحوظ في مؤشرات هذا النوع من الإجرام، بلغ 2 في المائة مقارنة مع العام الماضي، بحيث تراجعت نسبة السرقات تحت التهديد بالسلاح الأبيض بــ 377 قضيةً، والسرقات بالخطف بـ 275 قضيةً، وسرقات السيارات بـ 76 قضيةً.
وذكر التقرير أن مدينة الدار البيضاء التي يبلغ عدد سكانها 10 ملايين تقريباً، تحتل المركز الأول في خريطة الإجرام في المغرب، بحسب التوزيع الجغرافي، تليها مدينة وجدة، ثم مراكش فالرباط، فاس، مكناس، طنجة.
ويبدو أن احتلال الدار البيضاء العاصمة الاقتصادية للمملكة للمركز الأول على مستوى الخريطة الجغرافية للجريمة يُعد أمراً عادياً بالنسبة إلى بعض الباحثين، لكونها تشكلت تاريخياً عبر موجات الهجرة، ولكونها أكبر قطب اقتصادي وتجمع سكاني على مستوى المملكة، وبالتالي فإن النازحين إليها وبخاصة من البوادي والمدن الصغرى، يعيشون مشكلة الاندماج ولا تكون لهم القدرة على مواكبة التوسع العمراني والحضاري للمدينة.
وقال الباحث في علم الاجتماع محمد المباركي، أن هذه الفئات المهاجرة والتي اعتادت على التضامن الاجتماعي والعائلي، تواجه صعوبة العيش والتنقل والاستقرار الاجتماعي والنفسي في مدينة عملاقة في حجم الدار البيضاء، وحين تحس بالإحباط واليأس تلجأ إلى سلوكيات اجتماعية منحرفة لتحقيق بعض الحاجات، وشيئاً فشيئاً تستسلم لإكراهات أخطبوط الدار البيضاء، وتسقط في الممنوع وفي براثن الجريمة.
وبخصوص احتلال مدينة وجدة للمركز الثاني على مستوى الإجرام في المملكة يقول محمد المباركي، إنه من الطبيعي أيضاً، نظراً لكونها مدينة حدودية لم تعرف بعد إقلاعاً اقتصادياً، وتكاد تنعدم فيها فرص العمل، باعتبارها مدينة على الحدود الجزائرية وقريبة أيضاً من إسبانيا، وذلك يعني أن نشاطها الاقتصادي بالدرجة الأولى يرتكز على التهريب، كما تُعد منفذاً رئيسياً للأقراص المهلوسة وللهجرة غير الشرعية للأفارقة، الذين بدأت الشبكات الدولية للإتجار في"الكوكايين" توظيفهم لتصريف هذه المخدرات في المغرب وأوروبا.
ويؤكد التقرير في نهايته على مُعطى مهم جداً، يتمثل بالأساس في أن الأرقام المقدمة من قِبل الأمن الوطني، لا تعكس سوى القضايا المسجلة المعالجة من قِبل مختلف المصالح الخارجية للمديرية العامة للأمن الوطني، أي أنها لا تعبر سوى عن الإجرام الذي يصطلح عليه في القاموس الأمني بـ"الإجرام الظاهر".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر