إسطنبول - جلال فواز
إعتقلت الحكومة التركية الآلاف من أفراد الجيش يوم السبت، والذين يقال بأنهم شاركوا في محاولة الإنقلاب الفاشلة على السلطة، وذلك في تحرك سريع لإستعادة السيطرة على البلاد، في أعقاب الليلة التي شهدت فوضى عارمة ومؤامرات أسفرت عن سقوط مئات القتلى.
وكانت هناك بعض العلامات قبل حلول المساء على أن هؤلاء الذين شاركوا في عملية الإنقلاب لا يزالون قادرين على تحدي الحكومة، في الوقت الذي أعلن فيه الكثيرون فشل الانقلاب، فيما وصف رئيس الوزراء بينالي يلديريم التمرد بـ" وصمة العار" في تاريخ الديمقراطية.
وأوضح يلديريم خلال مؤتمر صحفي عُقد يوم السبت في العاصمة أنقرة بأن حصيلة ضحايا الإشتباكات التي وقعت قد إرتفعت إلى 265 شخصًا، فضلاً عن إصابة 1440 آخرين، مع إعتقال 2839 عسكريًا.
وبدأ العصيان يوم الجمعة بالسيطرة على إثنين من الجسور في إسطنبول بواسطة القوات المسلحة، في حين لم يظهر الرئيس رجب طيب أردوغان لعدة ساعات، قبل أن يخاطب الأمة أخيراً من مكان غير معلوم عبر تطبيق "فيس تايم" FaceTime في مشهد درامي بدا وكأن الرجل على وشك فقدانه لذمام الأمور.
ولكن الرئيس التركي وصل في الساعات الأولي من صباح يوم السبت إلى إسطنبول، في إشارة قوية على إحباط محاولة الإنقلاب على السلطة. وألقى السيد أردوغان باللوم على مؤامرات أنصار رجل الدين المسلم فتح الله غولن الذي يقيم في ولاية بنسلفانيـا Pennsylvania الأميركية، وكان حليفاً للرئيس قبل ثلاث سنوات. ومن المعروف بأن أنصار السيد غولن لهم حضور قوي في الشرطة التركية و القضاء، ولكن الحضور أقل في الجيش.
وقال أردوغان صباح يوم السبت بأنه يريد إيصال رسالة إلى بنسلفانيـا، في إشارة إلى غولن، أكد خلالها على أن رجل الدين المسلم قد تمادي كثيراً وشارك في الخيانة ضد الأمة. مطالباً إياه بالعودة إلى بلاده إذا كانت لديه الشجاعة الكافية للقيام بذلك.
وأدان غولن في تصريح علي الموقع الإلكتروني لجماعته " التحالف من أجل القيم المشتركة " الإنقلاب على السلطة في تركيـا، نافياً بشكلٍ قاطع وجود أي صلة بينه وبين ما حدث، ومؤكداً على دعمه للعملية الديمقراطية في البلاد.
كما تطرق أردوغان أيضاً إلى قصف المقاتلات التركية للدبابات المتواجدة في شوارع مدينة أنقرة، وإسقاط المروحية العسكرية التي إستُخدمت من جانب الإنقلابيين. فيما كانت هناك معركة أيضاً في وقت مبكر من يوم السبت عند المقر الرئيسي للمخابرات التركية في أنقرة، والذي إستطاعت القوات الحكومية تأمينه في وقتٍ لاحق. ليخرج مسؤول تركي بعدها ويقول بأن رئيس المخابرات هاكان فيدان قد جرى نقله إلى مكانٍ آمن.
وذكر قائد الجيش التركي الجنرال أوميت دوندار، القائم بأعمال رئيس هيئة الأركان العامة خلال مؤتمر صحافي يوم السبت بأن " القيادة العسكرية رفضت على الفور تلك المحاولة للإنقلاب على السلطة ". مضيفاً بأن المواطنين خرجوا إلى الشوارع للتعبير عن دعمهم للديمقراطية.
ومع إستعادة الحكومة المنتخبة للسيطرة على الوضع، إلا أنه يبقى هناك العديد من التساؤلات التي لم تجد إجابة، بما فيها من يقف بالتحديد وراء هذه المؤامرة، والتداعيات على المدى الطويل لما حدث للنظام السياسي في تركيـا العضو في حلف شمال الأطلسي والحليف المهم للولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم "داعش."
وأوقفت السلطات التركية يوم السبت بشكل مؤقت إنطلاق المقاتلات المشاركة في الغارات الجوية على تنظيم "داعش" بقيادة الولايات المتحدة من قاعدة أنجريلك Incirlik الجوية. وهي الآثار الكبيرة الأولى للإنقلاب على السلطة. وذكر مسؤول أميركي بأن الولايات المتحدة تسعى إلى الحصول على تفسير لهذا القرار وغيرها من التفاصيل، بينما قد تعكس هذه الخطوة رغبة تركيا في السيطرة على مجالها الجوي لفترة، في ظل معارضتها لإحداث أي تغيير في سياستها تجاه تنظيم داعش.
وحدثت الكثير من أعمال العنف المرتبطة بمحاولة الإنقلاب على السلطة في أنقرة، وقاتلت قوات الأمن بعضها البعض للسيطرة على المباني الحكومية، بما في ذلك مبنى البرلمان، الذي شهد وقوع العديد من الإنفجارات. إلا أنه وفي صباح يوم السبت، إستسلم الجنود على الجسر الذي يقطع مضيق البوسفور، وهو أحد الجسور التي أغلقها الجيش في محاولة الانقلاب التي بدأت مساء الجمعة.
وأظهرت بعض اللقطات تخلي أفراد الجيش عن الملابس العسكرية والخوذات على طول الجسر، كما تحركت الحكومة إلى مدرسة عسكرية في اسطنبول وقامت بإعتقال العشرات. كما إمتدت الإجراءات التأديبية إلى النظام القضائي يوم السبت كهيئة الرقابة، والمجلس الأعلى للقضاة والمدعين العامين، مع الإعلان عن فصل 2745 قاضيًا حسب ما ذكرت وكالة الأناضول.
وتتمتع تركيا بتاريخ حافل من التدخل العسكري في السياسة – حيث كانت هناك ثلاثة انقلابات منذ عام 1960 – وتساءل الكثيرون بعد الخلافات العميقة في السنوات الأخيرة بين أنصار الحكومة الاسلامية للسيد أردوغان والموالين للتقاليد العلمانية في تركيا، عما إذا كان الجيش سوف يتدخل.
ولكن بمجرد حدوث محاولة الإنقلاب، فإن المواطنين في تركيـا وحتى هؤلاء المعارضين بشدة لسياسة أردوغان من العلمانيين الأتراك والقوميين والأكراد لم يكن لديهم الرغبة في العودة إلى الحكم العسكري.
وأعلنت الولايات المتحدة الأميركية من خلال وزير خارجيتها جون كيري عن الوقوف إلى جانب الحكومة التركية، بينما لم يبدِ السيد كيري دهشته من عدم علم الولايات المتحدة وحلفاء تركيـا الآخرين في حلف شمال الأطلسي بالإنقلاب على السلطة قبل وقوعه.
وأعربت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، ووزير خارجيتها، فرانك فالتر شتاينماير، عن قلق بالغ إزاء التطورات في تركيا، داعين للعودة الى سيادة القانون، في ظل حكومة منتخبة ديمقراطياً في البلاد. وقالت السيدة ميركل بأن التغيير السياسي يجب أن لا يتم إلا من خلال الإجراءات الديمقراطية، مضيفةً بأن إنتشار الآليات العسكرية في الشوارع وشن غارات جوية على المواطنين الأتراك يعد مخالفاً للقانون.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر