أصبحت الصين محلّ تقدير بشأن تجربتها المميّزة في احتواء الوباء؛ لكنها أيضاً موضع جدل كبير في المنظومة الدولية بسبب اتهامها بإخفاء انتشار فيروس "كوفيد-19"، فضلا عن كونها كذلك مركز نقاش يخصّ تجارة الحيوانات البرية.
ومن أجل معرفة الموقف الصيني الداخلي من النقاشات المُثارة، حاوَرنا نادِر رُونغ هوان، صحافي صيني مُقيم في بكين، حيث نفى الاتهامات الموجهة إلى الصين، مقابل تأكيده على أن التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الوباء مؤقتة، مشيرا إلى حزمة التدابير التي أجرأتها الحكومة الصينية في الأشهر المنصرمة.
إليكم تفاصيل الحوار كاملاً:
بداية، كيف عاش الصينيون مرحلة تفشي فيروس "كورونا" المستجد خلال الأشهر المنصرمة؟
التزم الصينيون بدعوة الحكومة إلى لزوم المنازل طوال فترة تفشي فيروس "كورونا" المستجد، إذ اتخذوا كافة إجراءات الوقاية اللازمة منذ مطلع عيد الربيع الصيني، وتضامنوا مع بعضهم البعض، وتبرعوا لمساعدة مقاطعة "هوبي" ومدينة "ووهان" بؤرة الوباء؛ حيث ذهب أكثر من 42 ألف عامل طبي إلى مقاطعة "ووهان" لإنقاذ الأرواح وعلاج المصابين هناك.
لقد توقفت المواصلات العامة وأُغلقت مدينة "ووهان" لقطع طرق انتشار الفيروس، واستَأنَف الصينيون العمل الإنتاجي لمواد مكافحة الوباء عندما شهد الوضع الداخلي تحسنا مستمرا، ثم بادروا إلى مساعدة دول العالم المتضررة جراء الوباء.
أُخْلِيت مستشفيات الصين من جلّ مرضى "كورونا"، بعد تعافيهم نهائيا من الفيروس. هل عادت الحياة الطبيعية إلى "ووهان" حالياً؟
نعم، عادت الحياة الطبيعية إلى مدينة "ووهان" مع سيران إجراءات الوقاية اللازمة، حيث فُتحت الأسواق والحدائق واستُأنفت جميع الأعمال الإنتاجية، بعدما رُفع حظر السفر في مدينة "ووهان" في الثامن من أبريل، وتعافت جميع حالات الإصابة المؤكدة بفيروس "كورونا" المستجد في مستشفيات "ووهان" ومقاطعة "هوبي" في 27 أبريل، إذ لم تُسجّل مقاطعة "هوبي" ومدينة "ووهان" أي حالة إصابة مؤكدة بالفيروس منذ الرابع من أبريل الماضي.
خففت الحكومة الصينية من شدة الإجراءات والتدابير الرامية إلى احتواء تفشي فيروس "كورونا" خلال الأيام المنصرمة. كيف يبدو الوضع هناك؟
الوضع مستقر؛ ذلك أن حالات الإصابة المؤكدة الجديدة تبقى في مستوى منخفض كل يوم، ومعظمها عبارة عن حالات إصابة وافدة من الخارج، فمثلا في أنحاء البلاد سُجّلت 12 حالة إصابة مؤكدة جديدة خلال 30 أبريل، وأربع حالات إصابة جديدة في الـ29 منه، و22 إصابة جديدة في 28 أبريل، و6 حالات إصابة مؤكدة جديدة في الـ27 من الشهر المنصرم، و3 حالات إصابة مؤكدة في 26 أبريل.
يسود مشهد ضبابي بخصوص الاقتصاد الصيني، الذي يحاول الانتعاش من الضرر الذي أصابه جراء الوباء. كيف تخطط الصين لتنشيط اقتصادها الذي يعتمد على التصدير للأسواق الخارجية التي تعاني حاليا تحت وطأة انتشار الفيروس؟
إنّ تداعيات الوباء على الاقتصاد الصيني مؤقتة، حيث لم تتغير الأساسيات الإيجابية للاقتصاد الصيني على المدى البعيد، إذ اتخذت الحكومة الصينية سلسلة من الإجراءات الفعالة للحفاظ على النمو الاقتصادي والتصدير للأسواق الخارجية، مثل الإعفاء أو تخفيض الرسوم الضريبية تجاه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
كما خصصت الحكومة الصينية الاستثمارات الجديدة للبنية التحتية، ثم حفّزت الاستهلاك والطلب الداخلي، وحوّلت الشركات إلى إنتاج مواد مكافحة الوباء وتصديرها إلى الخارج، فضلا عن تطوير الاقتصاد الرقمي، بحيث أظهرت إحصاءات الجمارك الصينية أنّ النمو الملحوظ طرأ على التصدير الخارجي في مارس بعد أن شهد انخفاضا كبيرا في يناير وفبراير الماضيين.
ومن المتوقع أن يصل النمو إلى المستوى نفسه في الأشهر المقبلة مقارنة مع العام الماضي؛ ذلك أن الأرقام الواقعية للتجارة الخارجية الصينية أحسن من توقعات المحللين، وقد تكون هناك قفزة كبيرة للنمو الاقتصادي في الصين بعد الوباء بصفتها ثاني أكبر كيان اقتصادي في العالم.
لعبت الوسائل التكنولوجية دورا كبيرا في احتواء الصين لفيروس "كوفيد-19"، حيث جعلتها الجبهة الأولى في مواجهة الوباء. كيف استخدمت الصين الرقمنة في عملية التصدي للوباء؟
نعم، هناك استخدام واسع للوسائل التكنولوجية في الصين لتشخيص المصابين بفيروس "كورونا" المستجد وعلاج حالات الإصابة؛ فهناك أجهزة التنفس المتقدمة الموزعة على المستشفيات، وأجهزة مراقبة وتتبع حالة وظائف جسم المرضى، فضلا عن استخدام "الروبوتات" لأخذ العينات من فم المصابين المشتبهين للقيام بالفحص، من خلال كواشف الحمض النووي للفيروس لتجنب خطورة الإصابة لدى الأطر الطبية.
ويوجد أيضا جهاز جديد خاص لتصوير رئتي المصابين المشتبهين للتأكد من إصابتهم بسرعة فائقة، بالموازاة مع إجراءات الوقاية العامة لدى المواطنين، حيث وُضع جهاز لقياس درجة الحرارة عن بعد في محطات "المترو" والقطارات والحافلات ومداخل الأماكن العامة؛ من قبيل المكاتب والمطاعم، إذ تمرّ العملية بسهولة دون أي صعوبات أو إزعاج للعامة، ودون أي توقف للركاب والعابرين.
كما نستخدم "الروبوتات" لتوزيع الحاجات اليومية على الأشخاص الخاضعين للحجر الصحي قصد تقليل خطورة إصابة العاملين، إلى جانب إنجاز بنك للبيانات بغية معرفة وضعية الوباء في منطقة معينة، حيث يتوفر كل شخص على رمز صحي خاص بحالته حسب رقم هاتفه، ما يُمكّن من معرفة الأمكنة التي ذهب إليها خلال الـ14 يوم المنصرمة؛ ومن ثمة معرفة وضعية الوباء في الحي الذي يوجد به أو سيذهب إليه.
لوحظ أن بعض الحاملين للجنسيات الآسيوية والصينية على وجه الخصوص عانوا من التفرقة والتنمر عبر مواقع التواصل الاجتماعي ببعض الدول التي يعيشون فيها، امتدت حتى إلى النمط الغذائي الذي يُربط بالفيروس. هل ترى أن هذه الموجة من العنصرية عابرة أم ستترسخ بعد "كورونا"؟
أرى أنّ هذه الموجة ستتوقف بعد الوباء، لأنّ نتائج الصين لمكافحة الوباء واضحة؛ بل أصبحت نموذجا يحتذى به في معظم دول العالم. وانطلاقا من تجربتي الشخصية، لم أَرَ في الحياة الواقعية تلك العادات السيئة أو النمط الغذائي الذي يُربط بالفيروس.
وتدعو الصين أيضا راهناً إلى الالتزام بآداب الأكل، عبر استخدام أدوات خاصة لأخذ الطعام من الأطباق في مائدة واحدة، ويشمل القرار حتى أهل العائلة، علاوة على التشريع بشأن حظر أكل الحيوانات البرية بشكل شامل؛ ومن ثمة أرى أنه ستزول موجة العنصرية الموجودة في بعض الدول بعد كل هذه الإجراءات والجهود.
وُجّهت إلى الصين مجموعة من الانتقادات الدولية بخصوص طريقة تعاطيها مع "أزمة كورونا"، حيث طالبت بعض القوى العالمية بفتح تحقيق حول كيفية تحول الفيروس الذي ظهر في "ووهان" إلى وباء عالمي. ما رأيك في المواقف الدولية التي تفيد بأن الصين لم تكشف عن معلومات الفيروس في الوقت المناسب؟
أولا، يجب تصحيح العبارة لأنّ العلماء يؤكدون أنّ مصدر الفيروس ومكان ظهوره ما زالا مجهولين، وهي قضية علمية تحتاج إلى البحث من قبل العلماء والباحثين بطريقة علمية، بينما لا تقوم هذه المزاعم على الوقائع والحقائق، في وقت بادرت فيه الصين إلى إبلاغ منظمة الصحة العالمية عن الوباء خلال أوائل يناير.
وقد قامت الصين بتحليل واستكشاف الخريطة الجينية والتسلسل الجيني للفيروس في بداية يناير، ثم شاطرت هذه المعلومات مع دول العالم، ودعت أيضا خبراء منظمة الصحة العالمية إلى القيام بزيارة ميدانية داخل مختلف مناطق الصين في الشهر نفسه.
تبعا لذلك، فإن إخفاء المعلومة لا يفيد أي طرف، لأن شفافية المعلومات كانت من أهم أسلحة نجاح الصين في السيطرة على الوباء، ما يستوجب التعاون لمكافحة تفشي الوباء، لأنّ الفيروس لا يميز بين الحدود المكانية والزمانية، فهو العدو المشترك لجميع الدول.
إنّ تبادل الاتهامات لا يصب في صالح أي طرف، بل سيخرب الجهود الدولية المشتركة لمكافحة الوباء؛ فاليوم رغم اختلاف الجنسيات والأعراق، فإنّنا مجتمع المصير المشترك للبشرية، ومن ثمة يجب علينا أن نتضامن حتى نتغلب على هذه الصعوبات التي جلبتها جائحة "كورونا".
قد يهمك ايضا
مدير مستشفى مدينة ووهان توفي بفيروس كورونا
شاهد: الاستخبارات الأميركية تحقق بجدية في نشأة فيروس "كورونا"
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر