لم يكن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعتبار القدس عاصمة لإسرائيل معيبًا وباطلًا ومنعدمًا وفرض سلطة الأمر الواقع كما قال ترامب، بل كان في صميم نصه يعد خرقًا لمعاهدتي السلام التي وقعتها إسرائيل مع مصر والأردن، ووقعت عليهما أميركا كضامن وشريك، ونعود لنصوص اتفاقيتي السلام لنكشف كيف خرق ترامب المعاهدتين، وشرعن احتلال إسرائيل للقدس؟
وتقول الديباجة الأولى لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل: "إن حكومة جمهورية مصر العربية وحكومة دولة إسرائيل، اقتناعًا منهما بالضرورة الماسة لإقامة سلام عادل وشامل ودائم في الشرق الأوسط وفقًا لقراري مجلس الأمن 242 و338، تؤكدان من جديد التزامهما بإطار السلام في الشرق الأوسط المتفق عليه في كامب ديفيد، المؤرخ في 17 سبتمبر 1978.
وإذ تلاحظ أن الإطار المشار إليه إنما قُصد به أن يكون أساسًا للسلام، ليس بين مصر وإسرائيل فحسب، بل أيضًا بين إسرائيل وأي من جيرانها العرب، كل فيما يخصه، ممن يكون على استعداد للتفاوض من أجل السلام معها على هذا الأساس، ورغبة منهما في إنهاء حالة الحرب بينهما وإقامة سلام تستطيع فيه كل دولة في المنطقة أن تعيش في أمن.
ووقعت المعاهدة في كامب ديفيد من العام 1979، من جانب الرئيس المصري الراحل أنور السادات، ومناحم بيغن رئيس وزراء إسرائيل، والرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر.
وفي معاهدة السلام الموقعة بين الأردن وإسرائيل في وادي عربة عام 1994، جاءت الديباجة الأولى في هذه الفقرة: "إن حكومة المملكة الأردنية الهاشمية وحكومة دولة إسرائيل إذ تأخذان بعين الاعتبار إعلان واشنطن، الموقع من قبلهما في 25 يوليو 1994 والذي تتعهدان بالوفاء به. وإذ تهدفان إلى تحقيق سلام عادل ودائم وشامل في الشرق الأوسط مبني على قراري مجلس الأمن 242 و338 بكل جوانبهما".
ونصت المادة الثالثة في الاتفاقية، وهي مادة الحدود الدولية على ما يلي:
1 - تحدد الحدود الدولية بين الأردن وإسرائيل على أساس تعريف الحدود زمن الانتداب كما هو مبين في الملحق 1 "أ" والمواد الخرائطية المضافة إليه والأحداثيات المشار إليها فيه.
2 - تعتبر الحدود، كما هي محددة في الملحق 1"أ"، الحدود الدولية الدائمة والآمنة والمعترف بها بين الأردن وإسرائيل دون المساس بوضع أي أراضٍ وقعت تحت سيطرة الحكم العسكري الإسرائيلي عام 1967.
ووقع على الاتفاقية العاهل الأردني الراحل الملك حسين وإسحاق رابين رئيس وزراء إسرائيل، والرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون.
ترمب يوقع قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس
"ضرورة الالتزام بقرار مجلس الأمن 242"
إذًا معاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل من ناحية ومعاهدة السلام الموقعة بين الأردن وإسرائيل من ناحية أخرى، نصتا على ضرورة الالتزام بقرار مجلس الأمن رقم 242 لعام 1967، وهو قرار أصدره مجلس الأمن في 22 نوفمبر1967، وجاء في أعقاب حرب يونيو1967، التي أسفرت عن احتلال إسرائيل لمناطق عربية جديدة من بينها القدس الشرقية.
ونص القرار أيضًا على:
* احترام سيادة دول المنطقة على أراضيها.
* حرية الملاحة في الممرات الدولية.
* حل مشكلة اللاجئين.
* إنشاء مناطق منزوعة السلاح.
* إقرار مبادئ سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط.
وقال مجلس الأمن في نص القرار إنه إذ يُعرب عن قلقه المتواصل بشأن الوضع الخطر في الشرق الأوسط، وإذ يؤكد عدم القبول بالاستيلاء على أراض بواسطة الحرب، والحاجة إلى العمل من أجل سلام دائم وعادل تستطيع كل دولة في المنطقة أن تعيش فيه بأمن، وإذ يؤكد أيضًا أن جميع الدول الأعضاء بقبولها ميثاق الأمم المتحدة قد التزمت بالعمل وفقاً للمادة 2 من الميثاق.
مجلس الأمن
وأكد المجلس:
1 - أن تحقيق مبادئ الميثاق يتطلب إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط ويستوجب تطبيق كلا المبدأين التاليين:
أ - سحب القوات المسلحة من الأراضي التي احتلتها في النزاع.
ب - إنهاء جميع ادعاءات أو حالات الحرب واحترام واعتراف بسيادة وحدة أراضي كل دولة في المنطقة واستقلالها السياسي وحقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها وحرة من التهديد وأعمال القوة.
2 - يؤكد أيضًا الحاجة إلى:
أ- ضمان حرية الملاحة في الممرات المائية الدولية في المنطقة.
ب - تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين.
ج - ضمان المناعة الإقليمية والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة عن طريق إجراءات بينها إقامة مناطق مجردة من السلاح.
د - وقف إطلاق النار.
ووفقًا لنصوص القرار، فإنه يؤكد على عدم الاعتراف بالأراضي التي احتلتها إسرائيل عقب حرب 1967 ومن بينها القدس الشرقية.
جزء من البلدة القديمة بالقدس
قرار مجلس الأمن رقم 338 لعام 1973.
وعقب حرب 6 أكتوبر من العام 1973، أصدر مجلس الأمن القرار 338 والذي يدعو إلى وقف إطلاق النار على كافة جبهات حرب أكتوبر والدعوة إلى تنفيذ القرار رقم 242 بجميع أجزائه، ودعا القرار في فقرته الثالثة أن تبدأ فور وقف إطلاق النار وخلاله، مفاوضات بين الأطراف المعنية تحت الإشراف الملائم بهدف إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط.
ووفقًا لما يقوله الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، فإن نصوص قراري مجلس الأمن تؤكد أن القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة مناطق محتلة، وجاء قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل ليخرق أولًا بنود معاهدتي السلام بين إسرائيل مع الأردن ومصر، والتي تعتبر الولايات المتحدة شريكة وضامنة لهما ووقعت على ذلك كشريك وضامن، وشرعن واعترف باحتلال إسرائيل للقدس.
ويضيف سلامة لـ"العربية.نت" أن الإدارة الأميركية والرئيس الأميركي تنصلا من التزام تعاهدي هو الأسمى من بين كافة المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وهما معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وكذلك معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية بوداي عربة، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة لم تكن فقط الدولة المسهلة والوسيطة فقط في إبرام المعاهدة، لكنها الدولة والرئيس الشاهدين على أعلى مراتب المعاهدات الدولية السياسية وهي معاهدات السلام.
وتابع سلامة، إن قرار الرئيس الأميركي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل ليس باطلًا فقط بل منعدمًا، ولا يغير من الأمر القانوني أو الواقع لمدينة القدس شيئًا، لأن القدس مدينة محتلة من مغتصب لمركزها وماهيتها القانونية التي ما فتئت القرارات الدولية تؤكد على وضعيتها الخاصة.
وأوضح سلامة، أن المدينة ما زالت، وفقًا لقرارات مجلس الأمن رقم 181 لعام 1947 و242 لعام 1967 و334 لعام 1973، مدينة محتلة من جانب إسرائيل ولا يغير قرار ترامب من كونها دولة محتلة، لتصبح المدينة الأطول بقاء تحت احتلال عسكري في التاريخ الحديث.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر