بعدما أعلن جون كيربي، منسّق الاتصالات في مجلس الأمن القومي منذ أكثر من أسبوعين أن الرئيس الأميركي جو بايدن طلب من الوزارات وضع خيارات لمنع إيران من الوصول إلى سلاح نووي، مع تراجع الآمال بإعادة إحياء الاتفاق النووي .
وقد أكدت المصادر لـ "العربية والحدث " بشبه إجماع أن لدى بايدن الكثير من الخيارات للتعامل مع طهران، وهي مرتّبة على الشكل التالي: أولاً متابعة العملية الدبلوماسية والتفاوض، ثانياً اللجوء إلى فرض عقوبات قاسية تدفع طهران للخضوع والالتزام بالعودة المتبادلة إلى الاتفاق النووي، ثالثاً تصعيد العمل الاستخباراتي الأميركي والعمل المشترك مع الحلفاء مثل البريطانيين والإسرائيليين، ورابعاً وضع خطط عسكرية لقصف المنشآت الإيرانية، علما أن احتمال استعمال القوة العسكرية يأتي في ذيل الخيارات ومشروط بكثير من القيود.
إلى ذلك، اعتبرت المصادر أن الرئيس الأميركي يواجه الكثير من التحديات السياسية والأمنية، أولها وأهمها هو الحرب في أوكرانيا وضرورة الحفاظ على وحدة الصف الخارجي والداخلي لمنع روسيا من تحقيق أي انتصار. كما يواجه تحديات الصين والانتخابات النصفية وتداعيات إعصار "إيان" الذي ضرب فلوريدا، وعندما ينظر إلى "المشكلة الإيرانية" لا يرى حاليا أنها مشكلة داهمة، ولا يبدي أي مؤشر على ضرورة معالجتها الآن، وهو على أي حال لا يريد توتراً أو حرباً إضافية في الشرق الأوسط.
فيما أشار أحد المتحدثين غير الرسميين، لكن مطلع على تفكير الإدارة والحزب الديمقراطي لـ العربية إلى أن على الولايات المتحدة الأميركية النظر بجدّية إلى "التعايش مع التخصيب الإيراني". وذكّر بأن طهران وواشنطن تعايشتا مع هذه الحالة منذ سنوات، وربما تستطيع التعايش معها لسنوات أخرى ومع كميات يورانيوم أكبر، خصوصاً أن الأميركيين يشعرون بنوع من الثقة بكشف تحوّل إيران إلى التصنيع النووي العسكري، أي إلى 90 في المئة، كما أن تصنيع القنبلة ثم وضعها على رأس صاروخ مسألة غير سهلة ومن الممكن التصرف في حينه.
فيما قال متحدث آخر بسخرية "ما دام روبرت مالي موفد خاص للملف الإيراني فسترى مفاوضات ولا شيء إلا المفاوضات"، وهذا يعني متابعة طهران للتخصيب ومحاولة واشنطن إعادتها إلى الالتزام بالاتفاق النووي من دون اللجوء إلى أي إجراء دراماتيكي.
في المقابل، أكد متحدث باسم مجلس الأمن القومي أن الإدارة الأميركية "مصرة على منع إيران من الحصول على سلاح نووي والدبلوماسية هي الطريق إلى ذلك". كما أضاف "أن طريق الدبلوماسية ما زال مفتوحاً". ربما يكون ممكناً القول إن الكلام الرسمي هذا يتوافق مع الكلام من خارج الإدارة الأميركية، فإدارة الرئيس الحالي لا تريد إعطاء الانطباع أنها مستعدة لترك العملية الدبلوماسية. لكن للإدارة الأميركية خيارات أخرى أيضا، ولو اتخذ بايدن قراراً بـ"التعاطي الفوري" مع الملف النووي، سيلجأ إلى فرض عقوبات قاسية على طهران تدفعها للخضوع والالتزام بالعودة إلى الاتفاق النووي.
في السياق، قال المتحدث باسم مجلس الأمن لو تابعت إيران اتخاذ مواقف تعرف أننا لا نستطيع القبول بها ولا تستطيع مجموعة الدول الأوروبية الثلاثة القبول بها، فإننا سنتابع مسارنا الحالي، أي تطبيق العقوبات الحالية وزيادة عزلتها دولياً.
فيما رأى دايفيد شانكر، المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي "أن إيران اتخذت بالفعل خطوات لتخصيب اليورانيوم وأثبتت أنها تتقدم باتجاه السلاح النووي لجهة نسبة التخصيب، وهذا سبب كافٍ لفرض عقوبات دولية". كما أضاف أنه يجب فرض "عقوبات مماثلة للعقوبات التي تمّ فرضها قبل التوصل إلى الاتفاق النووي".
والمقصود هنا فرض عقوبات ضخمة كما فعلت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما منذ العام 2011 إلى العام 2015 شاملة قطاعات كبيرة في إيران، ما تسبب بتقليص الاقتصاد بنسبة 50 في المئة. أما بالنسبة لخيارات الهجمات الاستخبارتية، فلا بد من الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تخصص إمكانيات بشرية وتقنية ومالية ضخمة للتجسس على العالم، وخصوصاً الدول التي تشكل تهديداً للاستقرار والأمن، ولا شك أن إيران واحدة منها.
وفي السياق، ذكر أحد المتحدثين أن واشنطن كانت شريكاً كاملاً في هجوم "ستاكس نت" الذي ضرب أجهزة الطرد الإيرانية عام 2010.وقد تكررت الهجمات الاستخباراتية الإسرائيلية والأميركية منذ ذلك الحين، وتسببت بتعطيل منشآت نووية عدة في إيران.
أما شنّ هجمات على منشآت غير نووية، فهو خيار آخر أيضا لدى الأميركيين يستطيعون من خلاله تعطيل الحياة الإيرانية أو النشاطات حول المنشآت النووية والعسكرية.وقد أكد شانكر الذي عمل في إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب أن "لدى الولايات المتحدة قدرات استخباراتية ضخمة وتستحق ميزانيتها، رغم الفجوات".
كما أضاف قائلا "من حسن الحظ أن لدينا علاقات جيدة مع الأصدقاء والحلفاء حول العالم، وهم يساعدونا على فهم بعض الفجوات ولكن علينا أن نفهم أكثر". ولعل القلق الرئيسي هنا ناجم عن أن لا أحد يكشف كل النشاطات النووية الإيرانية، كما أن أحدا لا يمكنه أن يضمن نجاح الهجمات السيبرانية والاغتيالات لتعطيل البرنامج لذلك يقوم الخيار الرابع لدى الأميركيين على العمل العسكري.
أحد المتحدثين قال نضع خططاً لكل شيء". لعل هذا التصريح يبدو معلّباً، لكنه يعني الكثير. فالمتحدث يقول مثل آخرين إن القوات المسلحة الأميركية لديها بالفعل خطط عسكرية لضرب المنشآت النووية الإيرانية، وهي قادرة على ذلك، من الجو من خلال الطائرات الاستراتيجية من نوع ب – 52 وب – 21 وإف 35 بالإضافة إلى استعمال الصواريخ من الغواصات والسفن الأميركية.
كما أنه يوضح أن الأميركيين قادرون على متابعة القصف لأيام عديدة وتوفير حماية لأراضي الدول الجارة وللمنشآت الحيوية في هذه الدول ضد هجمات الصواريخ والمسيرات الإيرانية. إلا أن هذا الخيار الذي قد يبدو أنه يتبادر إلى الذهن وإنه الخيار الأول، لكنه ليس كذلك على الإطلاق. فإدارة بايدن لا تعتبر أن الخيار العسكري في رأس القائمة بل في أسفلها، ويخضع لشروط كثيرة بل مستحيلة. كما أن مجمل القيادات في الحزب الديمقراطي تعتبر أن الضربة العسكرية تستطيع أن تؤخّر النشاط النووي الإيراني لكنها لا تستطيع القضاء عليه.
قد يهمك أيضاً :
المفاوضات النووية على صفيح ساخن وبايدن مصمم على إبقاء الحرس الثوري على قائمة الإرهاب
بايدن يصف بوتين ب "المتهوّر" ويقول إن تهديداته لن تخيفنا
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر