بكين - المغرب اليوم
كشفت دراسة حديثة إن تفشي وباء "كوفيد-19" المستجد في أواخر 2019 في الصين، ومن ثم انتقاله إلى باقي أنحاء العالم خلال الأشهر التالية، ساهم في لجوء العديد من الدول إلى الاعتماد على قواتها المسلحة لمواجهة التهديد البيولوجي الجديد. وكشفت تصريحات رؤساء الدول الغربية أن هذا التهديد لا يقل في خطورته عن التهديدات التي تفرضها الحروب.الدراسة الصادرة عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة خلصت إلى أن تردد الدول في وضع الأوبئة في مقدمة تهديدات أمنها القومي ارتبط بعاملين أساسين؛ وهما الطابع الإقليمي الضيق لمناطق انتشار الأوبئة السابقة، مثل إيبولا، والتداعيات البسيطة نسبياً للأمراض الوبائية التي ظهرت في السابق وانتشرت على نطاق واسع، مثل أنفلونزا الطيور والخنازير؛ فضلا عن وجود عقاقير وأدوية نجحت في الحد من نسبة الوفيات جراء الإصابة بهذين المرضين، مشيرة إلى أنه في المقابل فإن جائحة "كوفيد – 19" أصابت أغلب الدول في قارات العالم الست، كما أن نسب الإصابات والوفيات جراء الفيروس فاقت نسب الإصابة والوفيات بالنسخ السابقة منه، وتحديداً سارس ومرس، الأمر الذي قد يدفع دول العالم إلى إعادة النظر في إدراج الأمراض الوبائية في مقدمة تهديدات الأمن القومي.
وتوضح الدراسة أن توسع الدول في اعتمادها على قواتها المسلحة في مواجهة وباء "كوفيد 19" جاء للانتشار السريع للفيروس، وارتفاع عدد الوفيات الناتجة عنه، بالإضافة إلى الشلل الذي أصاب الحكومات والمستشفيات المدنية في العديد من الدول، فضلا عن حاجة بعضها إلى اتخاذ تدابير وإجراءات استثنائية، تم التعويل خلالها على القوات المسلحة، بسبب ما تتمتع به من انضباط وكفاءة، وكذلك قدرة على إدارة عمليات لوجيستية ضخمة، وقدرة على التنفيذ بالتزامن مع التخطيط.
الدراسة التي تسعى إلى تحليل التأثرات الأمنية للأمراض الوبائية، وتطور النظر إليها باعتبارها مهدداً أمنياً للأمن القومي للدول، فضلا عن إلقاء الضوء على الأدوار المتعددة التي لعبتها الجيوش التابعة للدول المختلفة في مثل هذه الأزمة، وبيان تأثير الأمراض الوبائية على سير المعارك والصراعات المسلحة في ضوء التجارب التاريخية والواقع المعاصر، خلصت إلى عدد من الاستنتاجات منها ما سمي التهديد "المعروف المجهول".
وأوضحت الدراسة أنه في اجتماع عقده خبراء بمنظمة الصحة العالمية في مارس 2018 تحدثوا عن إمكانية ظهور عدوى قاتلة وغامضة، لا نمتلك أي معلومات عنها، سوى أنها ستكون الجائحة القادمة، وقد أطلقوا عليه اسم "المرض إكس"..ونظر الخبراء إليه باعتباره التهديد "المعروف المجهول"، لأنهم يدركون جيداً أن الوباء سوف يظهر، غير أنهم لا يعرفون أي تفاصيل عنه، سواء تمثل ذلك في طبيعة الفيروس، أو ميعاد ظهوره، ناهيك عن كيفية علاجه، أو حتى تحجيم انتشاره بن البشر.
وسجلت الدراسة كذلك تهديد الأوبئة للأمن القومي للدول، إذ "تعد إحدى المهددات الرئيسية للأمن القومي، إذ إن تهديداتها لا تقتصر على الجيوش وحسب، وهي من المؤسسات الرئيسية المنوط بها الدفاع عن الأمن القومي للدولة، بل تهدد كيان الدولة بأكملها؛ فانتشار الأمراض والأوبئة يهدد النسيج المجتمعي لأي أمة ممثلا في الأفراد والعائلات والمجتمعات والمؤسسات الاقتصادية والسياسية والجيش وقوات الشرطة.. ومع ذلك فإن هذه العلاقة المباشرة بين الأمن والصحة كانت ضعيفة على مدار عقود عدة.ويوضح المصدر ذاته أدوار الجيوش في مواجهة الأوبئة، إذ تلجأ الدول إلى توظيفها في أوقات الأزمات والطوارئ. ولا تعد أزمة كورونا استثناء من القاعدة، فقد اعتمدت العديد من الدول على قواتها المسلحة في إدارة هذه الأزمة، نظراً لما تمتلكه من خبرات واسعة في مواجهة الأمراض والأوبئة.
وقالت الوثيقة إن هناك تداعيات غير منظورة على الصراعات، قائلة: "لعل من الأمور غير المعروفة أن الأوبئة تركت تداعيات غير منظورة على ساحات القتال. وكما شكلت الأمراض الوبائية التاريخ الإنساني، بوجه عام، فإنها أثرت كذلك على الصراعات العسكرية بصورة خاصة".وحسب الدراسة "عادة ما تكون معدلات الإصابة بالأوبئة بين أفراد الجيوش أكثر بكثير من المدنيين، إذ توصلت العديد من الدراسات إلى النتائج نفسها تقريباً؛ وهي أن معدلات إصابة الجنود أعلى بكثير من الفئات العمرية المعادلة في السكان المدنيين العاديين".
وتخلص الدراسة إلى أن الأوبئة مثلت عبر التاريخ الإنساني تهديداً كبيرا لملايين البشر، فقد تسببت الأمراض الوبائية التاريخية، مثل الأنفلونزا الإسبانية والكوليرا والطاعون، في القضاء على ملايين البشر خلال فترة زمنية محدودة نسبياً، وفشلت الأنظمة الصحية التي كانت سائدة حينها في إيقاف أعداد المصابين والمتوفين جراء هذه الأمراض.
"ومازالت هذه التهديدات تفرض تحدياً كبيراً على الأمن القومي للدول، فرغم تطور قطاع الرعاية الصحية في العديد من الدول المتقدمة والنامية، على حد سواء، فإن بعض الأمراض الوبائية المستحدثة، مثل "سارس" و"مرس"، لم يتم اكتشاف لقاح أو علاج لها، ولعل هذا ما دفع العديد من الأشخاص، على اختلاف خلفياتهم السياسية، أو الأمنية، أو الطبية، إلى التنبؤ بتهديد قادم أشد فتكاً من نظرائه السابقين"، تؤكد الوثيقة؛ إلا أنها تخلص إلى أنه "مع ذلك لم تتمكن أي دولة من الدول من تطوير إجراءات أو تدابير مضادة لمواجهة الأمراض الوبائية التي تندرج ضمن طائفة التهديدات المعروفة المجهولة، أو الحد من تداعياتها، الأمر الذي دفع العديد منها للجوء إلى الجيوش الوطنية لمواجهة التهديد المفاجئ، والذي مازالت الدول، حتى الآن، تسعى إلى معرفة أبعاده وتداعياته؛ ناهيك عن معرفة طرق علاجه"
قد يهمك ايضا :
جهة فاس مكناس تعلن تسجيل 36 إصابة جديدة بفيروس "كورونا"
الصين تؤيد تحقيق منظمة الصحة العالمية في أصل كورونا
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر