الدار البيضاء - جميلة عمر
احتضن مجلس مدينة الدار البيضاء، مساء الثلاثاء، فعاليات الملتقى الأول للثقافة الأمازيغية بمناسبة "إيض ايناير 2967"، الذي افتتح بحضور عدد من الفاعلين الجمعويين وأعضاء في مجلس المدينة.
وشهد شارع الراشدي وبالضبط أمام مدرسة الفنون الجميلة مشهدًا رائعًا، جلب عددًا من المواطنين المغاربة والأجانب الذين قضوا ساعات، تمتعوا من خلالها بسماع أنغام أحواش ورقصاتهم الإبداعية. وحضر هذا الملتقى قدماء الروايس وشعراء الأطلس، والمنتخبين على رأسهم عبد المالك الكحيلي، نائب عمدة الدار البيضاء، كما لوحظ في هذا الملتقى عرض بعض صور والمنحوتات والرموز الخاصة ب التراث الأمازيغي، الذي يعد من بين أنشطة الملتقى.
وأكّد عبد المالك الكحيلي، في تصريح لـ"المغرب اليوم"، المكلف بقطاع الثقافة في مجلس المدينة، أنّ هذا الاحتفال، الذي ينظمه المجلس بمناسبة السنة الأمازيغية 2967، "يأتي من أجل تكريس ما جاء به الدستور الذي جعل من الأمازيغية لغة رسمية"، مشيرًا إلى أن "جماعة الدار البيضاء تكرس بهذا الاحتفال التنوع الذي تزخر به بلادنا".. مضيفًا أنّ مجلس مدينة الدار البيضاء ينظم هذا الملتقى الذي حضره مختلف الأطياف، وذلك حرصًا من المجلس على التنزيل الفعلي لدسترة الأمازيغية. كما سيعمل مجلس المدينة، في إطار برنامجه الثقافي، على برمجة ملتقيات وأنشطة أخرى لفائدة سكانها.
ويمتد الملتقى الأول للثقافة الأمازيغية المنظم من لدن مجلس مدينة الدار البيضاء، على مدى ثلاث أيام، حيث قدمت عروض فولكلورية وندوات ثقافية حول التاريخ الأمازيغي في العاصمة الاقتصادية للمملكة، ليختتم الملتقى بسهرة غنائية، يحييها الفنان دامو على مسرح محمد السادس.
ويحتفل سكان شمال أفريقيا، ومنهم المغاربة بحلول رأس السنة الأمازيغية، بحلول الثالث عشر من يناير من كل سنة، والتي تصادف هذه السنة مرور2967 سنة على بداية احتفال المغاربة بهذه الذكرى، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن التقويم الأمازيغي يعتبر من بين أقدم التقويمات التي استعملتها الإنسانية على مر العصور، حيث استعمله الأمازيغ قبل951 ق م. وبخلاف التقويمان الميلادي والهجري فإن التقويم الأمازيغي غير مرتبط بأي حدث ديني أو عقائدي، بحيث ارتبط بحسب البعض بحدث سياسي تاريخي وبحسب البعض الآخر بحدث أسطوري في الثقافة الشعبية الأمازيغية، وهكذا ففي الوقت الذي ذهب فيه أصحاب التيار الأسطوري إلى أن بداية هذا التقويم ارتبط بالمعتقدات الأمازيغية القديمة التي تحكي عن امراة عجوز استهانت بقوى الطبيعة واغترت بنفسها وأرجعت صمودها في الشتاء القاسي إلى قوتها ولم تشكر السماء فغضب يناير رمز الخصوبة والزراعة منها ومن تصرفها فطلب من فورار"شهر فبراير" أن يقرضه يومًا حتى يعاقب العجوز على جحودها فحدثت عاصفة شديدة أتت على خيرات أراضي تلك العجوز ومنه تحول ذلك اليوم في الذاكرة الجماعية رمزًا للعقاب الذي قد يحل بكل من سولت له نفسه الاستخفاف بالطبيعة، لذلك كان الأمازيغ السكان الأصليون لشمال أفريقيا يستحضرون يوم العجوز ويعتبرون يومها يوم حيطة وحذر يتجنبون الخروج فيه للرعي والأعمال الزراعية وغيرها مخافة من قوى الطبيعة ويكرسونه للاحتفال بالأرض وما يرتبط بها من الخيرات الطبيعية
ويقترن احتفال المغاربة بالسنة الأمازيغية، بالسنة الفلاحية والتي هي تعبير عن تشبثهم بالأرض وخيراتها ويتجلى ذلك في الطقوس المرتبطة بالاحتفال حيث يتم بالمناسبة إعداد العديد من المأكولات والوجبات التقليدية المتعارف عليها والتي تختلف باختلاف المناطق وبأنواع المحصولات المنتجة بها من حبوب وخضر وغيرها، ويتم إعداد"إمنسي" العشاء احتفاء بالسنة الأمازيغية والطعام الذي يقدم يجب أن يشكل رمزًا لغنى وخصوبة ووفرة المحصول والذي يتكون بحسب المناطق من الكسكس بسبع خضر والبسيس وأوركيمن, وهوعبارة عن خليط من القطاني وبركوكس وهو عبارة عن طحين يخلط ويفتل بالماء ويمزج بعد ذلك بزيت أركان والعسل وأملو وغيرها.
وتعتبر عصيدة "تاكلا" الوجبة الأشهر وذات الرمزية العميقة في الثقافة الأمازيغية والتي يتم إعدادها بمناسبة رأس السنة الأمازيغية منذ القدم، وهذه الأكلة تبرز مدى تشبت إنسان تامزغا بالأرض وجرت العادة منذ القدم أن تناول هذه الوجبة في هذه المناسبة يكون مصحوبًا بطقوس ثقافية من أهمها أنه يتم اختيار رجل أو امرأة السنة صاحب الحظ السعيد والذي يجد أثناء الأكل أغورمي وهو بدرة تمر يتم إخفاءها في الطبق المعد.
ويصادف رأس السنة الأمازيغية، شهر يناير من كل سنة وهو ما يعرف بينير، وهي عبارة أمازيغية مركبة من كلمتين وهما يان ويعني الأول، وأيور ومعناه الشهر، بمعنى أن العبارة تعني الشهر الأول . ويطلق البعض على المناسبة، تاكورت أوسكاس وتعني باب السنة، لذلك يعتبر ينير الشهر الأول في اللغة الأمازيغية أي أول الشهور في التقويم الأمازيغي. ويعتبر الاعتراف الرسمي بالسنة الأمازيغية في العمق اعتراف بالبعد الأمازيغي للمغرب كبعد أصلي وأصيل وتأكيد على أن الأمازيغية تمتد جذورها في أعماق تاريخ المغرب بحيث يمتد تاريخ المغرب بحسب التقويم الأمازيغي إلى 2967 سنة. ويؤكد الانفتاح في السنوات الأخيرة على الاحتفالات المنظمة بهذه المناسبة من قبل الإعلام العمومي السمعي والبصري أسوة بالإعلام المكتوب ويستجب لضرورة إعطاء دفعة جديدة للثقافة الأمازيغية في أبعادها الرمزية باعتبارها ثروة وطنية تشكّل مصدر فخر وإعتزاز لجميع المغاربة، ذلك أن الثقافة هي في جوهرها ولبها مجموعة من المظاهر الرمزية المعبر عنها بواسطة أنشطة وممارسات وقيم، وإقصاء ثقافة ما يبدأ بإقصاء مظاهرها الرمزية . كما أن رد الاعتبار لهذه الثقافة يبدأ برد الاعتبار لمظاهرها الرمزية.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر