تأتي من عل، كمعجزة من السماء، تهوي فوق نيران تحاول التهام الأخضر واليابس، تأكل الحي والميت، طائرات لا تملكها جل البلدان اقتناها المغرب قبل عشر سنوات بمبادرة ملكية.
هي طائرات “كنادير”، اقتناها المغرب عام 2011، وطور خبرات في استعمالها وصيانتها فباتت تشارك في إخماد نيران الغابات، سواء المغربية، أو ببلدان مجاورة في إطار تعاون دولي وثيق.
يدخل المغرب ضمن قائمة 20 دولة عبر العالم فقط تملك النسخة الحديثة من طائرات “كنادير”، من طراز “CL415″، وأعطى الملك تعليمات لإبرام صفقة جديدة لشراء ثلاث طائرات أخرى، تم دفع ثمنها والتسليم سيبدأ انطلاقا من العام المقبل.
مميزات “كنادير”
منذ انطلاق موسم الحرائق، أصبح اسم “كنادير” أشهر من نار على علم، بات يعرفها الكبير والصغير، شاركت مؤخرا في إخماد حرائق شفشاون، لكن قليلين يعرفون مميزات هذه الآلة الضخمة، وميزتها الأولى أن نصفها العلوي عبارة عن طائرة فيما النصف السفلي هو بمثابة باخرة.
تحدث القبطان نوفل جندي، مساعد طيار على طائرة “كنادير”، ، عن مميزاتها، قائلا إنها “طائرة تتميز بمحركها القوي الذي يسهل لها التحليق على علو منخفض، ويسمح لها بالمناورة بالقرب من المناطق المتضررة التي في غالب الأحيان تكون تضاريسها صعبة ويصعب على الفرق الأرضية الوصول إليها”.
ومن مميزات الطائرة أيضا، خزاناتها التي تتجاوز سعتها ستة آلاف لتر تشحن في أقل من 12 ثانية عن طريق النزول فوق سطح الماء، لتنتقل بسرعة كبيرة إلى مكان الحريق وتدفق الماء دفعة واحدة تسمح بإخماد النيران حتى في أكثر الأماكن صعوبة من حيث التضاريس التي لا تستطيع الفرق البرية الوصول إليها.
استراتيجية لإخماد حرائق الغابات
استراتيجية خاصة تنهجها المملكة لإخماد حرائق الغابات، تتدخل فيها قطاعات عدة، القوات الملكية الجوية جزء منها، تحدد بكل دقة دور كل متدخل وتحركاته على الأرض والإجراءات التي يجب اتخاذها.
الكولونيل رشيد الغنيوي، قائد سرب مكافحة الحرائق بالقوات المسلحة الملكية، تحدث لهسبريس عن طريقة عمل فريقه المتجانس والمتناغم، بدءا من اجتماع يتم خلاله تلقي التوجيهات الضرورية، ثم رسم خطة التدخل ومناقشة كل ما يجب الانتباه إليه قبل الطيران صوب المكان الذي اشتد لهيبه، إلى العودة إلى نقطة الانطلاق بعد إتمام المهمة بنجاح.
وقال الغنيوي: “تشارك القوات المسلحة الملكية في العديد من المهمات ذات المنفعة والمصلحة العامة، ومن بين المهمات التي نشارك فيها هناك مكافحة حرائق الغابات، حفاظا على الثروة الغابوية، وذلك امتثالا للأوامر السامية لصاحب الجلالة”.
الغنيوي أوضح أن تدخل طائرات “الكنادير” قاذفات المياه، التابعة للقوات الملكية الجوية، يتم وفقا للخطة الوطنية الرئيسية لحماية ومكافحة حرائق الغابات، وهي الخطة التي تضم قطاعات عديدة، من بينها الدرك الملكي والوقاية المدنية والمياه والغابات والسلطات المحلية التابعة لوزارة الداخلية والمكتب الوطني للمطارات والأرصاد الجوية، وغيرها.
وفقا لخطة العمل، يتم تقسيم الحرائق إلى أربعة مستويات حسب خطورتها، وتدخل طائرات “كنادير” يتم ابتداء من المستوى الثاني.
وأوضح الغنيوي أن فريقه يهتم بثلاث ركائز، “هي سرعة التنفيذ، والتنسيق بين جميع المتدخلين، وكفاءة أطقم الطيارين”.
وتحدث الكولونيل عن أهمية انتشار السدود في ربوع المملكة، وخاصة بالقرب من الغابات، قائلا: “هي خاصية أخرى نمتاز بها بالمملكة المغربية تمكننا من القيام بتدخلات سريعة وترددات كثيرة لمكافحة الحرائق”.
وأردف: “أولويتنا دائما هي حماية المواطنين وممتلكاتهم والمتدخلين الذين يكون عددهم كبيرا، خاصة في الحرائق الكبرى، وهو ما نحققه بفضل الخبرة العالية والدراية التقنية التي اكتسبتها الأطقم طيلة عشر سنوات من التدخل في مناطق عديدة في المغرب وخارجه”
مهام تقنية
منذ عشر سنوات، كونت البلاد طاقما تقنيا يسهر على صيانة وإصلاح طائرات “كنادير”، فرغم أن صنعها يتم خارج البلاد إلا أن الإصلاح تتكلف به طاقات مغربية.
وللجانب التقني دور رئيسي في نجاعة عمل طائرات “كنادير”، خاصة أنها تحلق على علو منخفض وسط دخان الحرائق، في توافق تام مع معايير وقوانين سلامة الطيران المعمول بها وطنيا ودوليا.
التقت بعض أفراد هذا الطاقم التقني وعاينت جزءا من مهام الصيانة. نبيل الضاوي، رئيس قسم صيانة “كنادير” بالقاعدة الجوية الثالثة، أكد أن وراء مجهودات إخماد الحرائق، “فريق تقني مرافق طيلة الفترة التي تستغرقها العملية”.
وأفاد الضاوي بأن هذا الفريق يتكون من أطر تقنية من القوات الملكية الجوية، يتمثل دورها في ضمان جاهزية فورية ومستمرة للطائرات، وذلك عبر مجموعة من التدخلات، كفحص أنظمة وأجهزة الطائرات قبل وبعد كل تدخل سريع لتقييم ثم إصلاح الأعطاب الواردة، وإعادة تأهيل الأعطاب بعد كل يوم من العمل عبر مراقبة الأجهزة الحيوية كالمحركات وأنظمة الملاحة.وقال بدر قزيح، أحد التقنيين الذين التقتهم هسبريس، إن مهمتهم الأساسية “تتجلى في الحرص على الصيانة واختبار المعدات والأجهزة، كنظام ملء وإفراغ المياه، حفاظا على سلامة الطائرة، وكذلك التدخل الفوري في حالة عطب أو خلل مفاجئ”.
أما عن حصيلة تدخلات طائرات “كنادير”، فقد أوضح اليوتنان كولونيل عبد السلام الجوطي، ربان مدرب على طائرة “كنادير”، أنها شاركت خلال الموسم الحالي في مكافحة 15 حريقا في مختلف جهات المملكة، بما يفوق 100 طلعة جوية و600 عملية إسقاط.
وتبلغ قيمة الطائرة الواحدة من طراز “كنادير” حوالي 25 مليون يورو، أي ما يعادل 265 مليون درهم مغربي. وإلى جانب المغرب، تتوفر على هذا الطراز من الطائرات كل من كندا وفرنسا وكوريا الجنوبية وإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية والبرتغال وكولومبيا والهند والمكسيك.
قد يهمك ايضًا:
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر