الرباط - رشيدة لملاحي
أقرّ عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة المكلف، بصعوبة تبني النموذج الإسباني والمتمثل في اعتماد حكومة مكونة من 15 وزيرًا فقط، هذا القرار هو الحل الذي توصل إليه حزب العدالة والتنمية في مواجهة عسر مفاوضات تشكيل الحكومة التي سيرأسها، لاسيما في ظل مطالبة الأحزاب التي قبلت مبدئيًا المشاركة في قطاعات وازنة.
ويقتضي هذا القرار اعتماد مبدأ تقسيم كل الوزارات الإستراتيجية إلى وزارات صغرى أو وزارات منتدبة لإرضاء الأحزاب والتي تطالب بوزن سياسي في الحكومة المقبلة، ثم لتفتيت الوزارات التي شكلت وزنًا مضادًا لرئاسة الحكومة خلال الولاية المنتهية، خاصة قطاعات الاقتصاد والمالية، والفلاحة والصيد البحري والداخلية، وهي قطاعات لم يكن وزراؤها على علاقة جيدة مع رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، آخرها التوتر الكبير بين وزير الداخلية محمد حصاد والحزب الذي يقود الحكومة عقب الانتخابات الأخيرة، والتي وصلت حد تبادل الاتهامات علانية، ومنها اتهام حصاد بمساندة حزب الأصالة والمعاصرة.
واتخذ هذا القرار على أعلى مستوى في حزب العدالة والتنمية سيمكنه من تحقيق هدفين، حسب المتتبعين للشأن السياسي، فمن جهة سيتمكن من إيجاد العدد الكافي من الوزارات لتغطية طلب الأحزاب المتهافتة على المشاركة، ومن جهة أخرى تقسيم القطاعات الاستراتيجية التي يطالب فيها الحلفاء المرتقبون خاصة حزبي الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار من جهة ثانية.
وهي الخطة نفسها التي لجأ إليها الحزب في تشكيل الحكومة السابقة، سواء في نسختها الأولى أو الثانية، حيث تم تفتيت رئاسة الحكومة نفسها إلى وزارتين منتدبتين، ووزارات الداخلية والخارجية والاقتصاد والمالية والصناعة والتجارة والنقل و التجهيز والطاقة والمعادن، وهي كلها قطاعات حيوية، مكنت رئيس الحكومة من استوزار 12 وزيرًا أغلبهم ينتمون للأحزاب المشاركة، بمعنى أنها مناصب تم خلقها لإرضاء الأحزاب فقط، مما رفع عدد الوزراء من 28 كما جرت به العادة في الحكومات السابقة إلى 40 وزيرا، وهو الرقم الذي أثار الكثير من النقاش السياسي حول الجدوى منه.
ولم يخف قياديون في حزب العدالة والتنمية، نوايا هذه الخطة، ومن هؤلاء وزير النقل والتجهيز في الحكومة السابقة، وعمدة مدينة القنيطرة عزيز الرباح، والذي أكد أنه يرفض مقارنة المغرب بإسبانيا من حيث عدد الوزراء، لكون إسبانيا تعتمد أنظمة فيدرالية تسمح بوجود حكومات محلية بصلاحيات واسعة، تعمل جنبا إلى جنب مع الحكومة المركزية، مع وجود كتاب دولة بالعشرات.
ولا يزال مصير بعض القطاعات غامضًا، خصوصًا القطاعات التي تُسمى في المغرب بـ"وزارات السيادة"، ومنها وزارات الداخلية والخارجية والتعليم، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وهي قطاعات شغلها مايسمى بـ"تقنوقراط"، أي غير المنتمين، بين مطالبين بتسييس كل الحقائب السياسية مستندين إلى الدستور، والذي لا يعترف إطلاقا بوزارات السيادة، إذ كل الوزراء يشتغلون تحت إمرة رئيس الحكومة، ويتحملون المسؤولية السياسة على أعمالهم، وآخرون يطالبون بالإبقاء على هذه القطاعات الحيوية بعيدة عن التجاذبات الحزبية، ومنها قطاع الخارجية بسبب المرحلة الحساسة التي تمر منها ملف الصحراء، والتعليم بسبب البدء في تطبيق مشروع إصلاحي جديد تبناه الملك العاهل المغربي الملك محمد السادس شخصيا.
يُشار إلى أن رئيس الحكومة المعين عقب انتخابات الأخيرة، قد أكد في آخر تصريحاته بخصوص تأخر تشكيل الحكومة، بأنه قد يلجأ للملك محمد السادس إذا لم ينجح في تشكيل تحالف حكومي بعد مشاوراته مع الأحزاب السياسية.
يُذكر أن عملية تشكيل الحكومة المقبلة، تعرف صعوبات كبيرة بسبب عدم وضوح مواقف بعض الأحزاب، بشكل يهدد بإعادة تنظيم الانتخابات مرة أخرى، في حالة عدم تدخل العاهل المغربي الملك محمد السادس.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر