لم يكن حادث مسجدي نيوزيلندا المتطرف وليد اللحظة أو مدعومًا من "مختل عقليًا" جاءته الرغبة الجامحة في قتل السود، إنه ضمن سلسلة راسخة من العمليات المتطرفة العنصرية التي بدأت منذ قرون وتستمر حتى الآن بين جمهورها العريض رغم خفائه، إذ كشف الحادث منصات متطرفة وأشخاص عنصريين مازالوا يعتقدون بأن السود لا حياة لهم وسط البيض.
كشف برينتون تارانت الذي أطلق النار على مسجد كرايستشيرش أنه مجرد شخص واحد من بين ملايين يحملون المعتقدات التي ألهمته الهجوم على نحو49 مسلمًا، وأن أندريس بريفيك الذي نفذ هجوم دامي قتل 77 مسلمًا عام 2011، هو من مجموعة نايتس تمبلر وكان على علم بخطته، موضحا أنه "تبرع للعديد من الجماعات القومية وتفاعل مع العديد من الجماعات الأخرى".
ويبدو أن هجوم تارانت قد أثار الفتنة في عالم الإنترنت وكذلك العالم غيرا لمتصل بالإنترنت، حيث أعرف ترانت عن أمله في أن يشعل هذا الانقسام حروبًا أهلية.
وزعم تارانت أنه قرر تنفيذ الهجوم قبل عامين عندما كان في عطلته في غرب أوروبا في أوائل عام 2017، فيما أوضحت مصادر أمنية أن تارانت ربما التقى منظمات يمينية متطرفة في عطلته، بالتزامن مع التوترات المتزايدة نتيجة الهجمات الإرهابية المستوحاة من داعش والانتخابات الرئاسية الفرنسية،
ونشر تارانت رسالته على لوحة رسائل 8chan مع نداء للمستخدمين المجهولين بنشر رسالته في جميع أنحاء العالم، إلا أن الكلمات الموجوده في رسالة تارانت المكونة من 16 ألف كلمة لم تحتوي على شئ جديد، لكنها نفسا لأفكار والأيديولوجيات التي نشرت منذ فترة طويلة من قبل جماعات وشخصيات يمينية متطرفة في جميع أنحاء الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا وأوروبا.
وكان مبرر تارانت الرئيسي لهجومه المتطرف ونظرية مؤامرة البيض للإبادة الجماعية والتي تنص على أن يستبدل البيض بغير البيض في الدول الغربية، مستخدمًا 14 كلمة أساسية في البيان الذي نشره بجانب عدد أسلحته وبعض الأسماء والشعارات التي أوضحت دوافعه الملتوية،.
واستخدم تارانت عبارة "يجب أن نؤمن وجود شعبنا ومستقبل الأطفال البيض"، والتي استخدمها من قبل إرهابيين يمينيين متطرفين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك مجموعة النازيين الجدد للعمل الوطني في المملكة المتحدة.
وكان من بين المؤيدين لنظرية البيض للإبادة الجماعية الصحفية السابقة كاتي هوبكينز وأليكس جونز من InfoWars، ومؤسسي براود بويز جافين ماكينز، والمدون الكندي عبر يوتيوب لورين ساذرون
اقرأ أيضاً : ضجة على مواقع التواصل بسبب التشابه بين هجوم مسجدي نيوزيلندا و"ببجي"
ولفت دونالد الترامب الانتباه إلى هذه النظرية عام 201 عندما أعاد نشر تغريدة من قبل حساب عنصري ومعاد للسامية باسم “WhiteGenocideTM”، ونشرت مجموعة "هوية الجيل" القومية الإثنية اسم بديل لنفس النظرية بعنوان "الاستبدال العظيم"، وهو الاسم الذي استخدم تارانت كعنوان لرسالته.
وبدأت مجموعة "هوية الجيل" عملها في المملكة المتحدة عام 2017، وكانت ترسل أعضائها إلى المعسكرات الحزبية في فرنسا، وتقوم بدعاية مثيرة في الجامعات والاحتجاجات. وتحظى الجماعة بعضوية واقعية صغيرة في الحياة البريطانية إلا أنها تنتشر عبر الإنترنت من قبل نشطاء مناهضين للإسلام مثل تومي روبنسون.
وشوهد أعضاء الجماعة ملوحين بلافتات في الاحتجاج الأخير المؤيد لروبنسون في مانشستر، كما وزعوا منشورات بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي في الاحتجاج الذي قاده روبنسون وحزب الاستقلال البريطاني في لندن في ديسمبر/ كانون الأول.
وكانت جماعة "هوية الجيل" تنشر إحصائيات وإدعاءات لم يتم التحقق منها حول استبدال البيض في البلدان والمدن البريطانية وتراجع معدل المواليد، وذلك قبل حظر حساب الجماعة على تويتر.
واستغل اليمين المتطرف الحديث عن التغير الديموغرافي في أوروبا وكيفية دمج المهاجرين إلى زيادة دعم الأحزاب الشعبية في السنوات الأخيرة. وتستخدم العديد من الجماعات المتطرفة إحصاءيات مواليد البيض لتزعم أن البيض معرضين للتهديد في القارة، إلا أنه لم يتم تحديد المقصود بالعرق الأبيض بدقة.
وتشير البحوث إلى أن ارتفاع معدلات المواليد مرتبط بالعوامل الثقافية والاجتماعية الاقتصادية لأسر المهاجرين الجدد، فضلا عن التقارب مع السكان المحليين بمرور الوقت، ولا يوجد اي دليل على أن الأشخاص البيض في طريقهم إلى الانقراص. وكانت تلك الادعاءات ذريعة أساسية اتخذها تارانت في دعوته البيض إلى قتل "الغزاة" من غير البيض والمسلمين وإنجاب المزيد من الأطفال.
وزعم تارانات أنه كان على اتصال قليل مع بريفيك الذي ألهم بيانه المتآمرين والمهاجمين بمن فيهم ضابط خفر السواحل الأمريكي الذي تآمر وخطط لقتل بعض الديمقراطيين والصحفيين، وأوضح تارانت أنه أخبر أتباع بريفيك بهجومه المخطط زاعما أنه تلقى "مباركتهم" لخطته.
، ولم يتضح ما إن كان التواصل ممكنا بين تارانت وبريفيكن حيث أوضحت السلطات النرويجية أن جهاز الكمبيوتر الذي يسمح للقاتل الجماعي بريفيك باستخدام غير متصل بالإنترنت ولا يسمح له بالمحادثات الهاتفية إلا مع إحدى صديقاته، ويسمح له ببعض المراسل مع التتحكم في الرسائل لمنع التواصل مع يمينيين متطرفين آخرين.
وتسبب بريفيك في قتل 77 شخص في هجمات 2011 التي استهدفت الحكومة النرويجية وأعضاء حزب العمال الشباب، وكان من بين المُلهيمن الذين أشار إليهم تارانت زعيم الاتحاد البريطاني للفاشيين أوزوالد موسلي، وإرهابيين يمينيين بمن فيهم دارين أوزبورن مهاجم ينسبري بارك، وأنتون لوندين مهاجم المدرسة السويدية، والمهاجم الإيطالي المهاجر لوكا ترايني، وديلان روف مهاجم كنيسة تشارلستون
ونفى تارانت أنه نازيًا واصفًا نفسه بأنه "فاشي"، واستخدم زخارف النازيين الجدد مثل صليب أودين والشمس السوداء في الصفحة الأولى في بيانه، وتم تنسيق البيان في صيغة سؤال وجواب
وعند التحقيق معه سُئل تارانت عن معتقداته من أين طورها حصل عليها، وأجاب " من الإنترنت بالطبع، لن تجد الحقيقة في مكان آخر"، ولم يتأثر هجوم تارانت بما قرأه فقط على الإنترنت لكنه تأثر أيضا بما يتم بثه من خلالها، فبعد أن استخدام تارانت منصة 8chan المليئة بالرسائل العنصرية والجنسية العنيفة بث مشهد إطلاق النار بشكل مباشر على فيسبوك، وبدت زاوية الكاميرا في الفيديو محاكية لألعاب الفيديو الشهيرة حيث يطلق الأشخاص النار، وصاح "اشتركوا في PewDiePie قبل إطلاق المذبحة" ، وهي قناة عبر يوتيوب تحظى بعدد هائل من المشتركين.
وحذر المؤلف جيمي بارتليت أن الهجوم استخدم "الإنترنت المظلم بكل الطرق". كما حذر روبرت إيفانز من مجموعة Bellingcat الخاصة ببحوث الإنترنت من أن البيان الذي نشره تارانت ربما يستخدم فيما بعد مع أي محتوى ساخر أو خاطئ بهدف إثارة استجابة ما، مضيفا "البيان بأكمله مملوء بالنقوش ونكات الإنترنت والتي لن يحصل عليها سوى المتصلين بالانترنت بشكل دائم ومتطرف، إنها تهدف إلى جذب انتباه الجمهور الحقيقي المقصود"
وأوضح السيد إيفانز أن ذكر اسم كنداس أوينز من المجموعة الطلابية اليمينية Turning Point كمصدر إلهام لتارانت ربما يكون مجرد توجيه خاطئ، حيث حظت السيدة أوينز على ثناء الرئيس الأمريكي ترامب، وظهرت في صورة الأسبوع الماضي مع النائيبين جاكون ريس موغ وستيف بيكر أثناء زيارتهما للجامعات مع مجموعة Turning Point.
ونفت السيدة أوينز أن تكون مصدر إلهام للهجوم على مسجد كرايستشيرش
فيما استشهد النقاد بتغريدة لها في نوفمبر 2018 جاء فيها "إذا أرادت فرنسا بناء جيش للدفاع عن نفسها ضد أي شئ، فيجب أن تدافع عن نفسها ضد تراجع معدل مواليد الشعب، كل الدلائل تشير إلى أن فرنسا ستكون دولة ذات أغلبية مسلمة خلال 40 عاما فقط، إيمانويل ماكرون دافع عن ثقافتك أولا ".
من جانبهم برر المستخدمين اليمينيين هجوم تارانت على شبكة Gab التي تصف نفسها باعتبارها شبكة اجتماعية للتعبير الحر، حيث أوضح الكثير من المستخدمين اليمينيين للشبكة أنه تارنت كان "يدافع مُقاتلا" وأنه كان "يقاوم الغزو"، فيما اثنى أحد المستخدمين على 8chan على تارنت ووصفه بأنه بريفيك التالي، بينما احتفل مستخدم آخر علانية بالمذبحة، وأضاف إيفانز "قبل مرور أكثر من ساعة كانت هناك بالعفل دعوات للكثيرين ليحذو حذو تارنت الدامي".
وقد يهمك أيضاً :
"مرحبا أخي" هكذا رحب أحد ضحايا مجزرة نيوزيلندا بالسفاح عند دخوله المسجد
سعودي يرفع الأذان في مسجد نيوزيلندا قبل الهجوم الإرهابي
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر