أعربت جهات رسمية فلسطينية، عن رفضها لما أعلنته سلطات الاحتلال الإسرائيلية بشأن عزمها فرض ضرائب على الكنائس في مدينة القدس المحتلة، مطالبة بـ"تدخل عاجل" لمنع تطبيق تلك الخطوة. وقالت الحكومة الفلسطينية، إن فرض الاحتلال الضرائب على دور العبادة "عدوان جديد يستهدف القدس وجميع أبناء الشعب العربي الفلسطيني ويمس مقدساته".
وأضافت الحكومة، أن تلك الخطوة "تنذر بعواقب خطيرة قد تقود إلى الاستيلاء على الأراضي التابعة للكنائس". وطالب المتحدث الرسمي باسم الحكومة، يوسف المحمود، بتدخل دولي عاجل لوقف تلك الممارسات الإسرائيلية. ووجه المحمود نداءً خاصًا، إلى العالمين المسيحي والإسلامي، بضرورة التحرك على كافة الأصعدة والمستويات، من أجل وقف تلك الخطوات".
وقال "لم نشهد إغلاق كنيسة القيامة أو اَي مكان عبادة في فلسطين طوال الحقب والمراحل التاريخية، إلا خلال الاحتلال (في إشارة لإسرائيل)." وأضاف المحمود: "إغلاق الكنيسة يمس مشاعر كافة أبناء شعبنا وأمتنا العربية، وهو أمر مرفوض ومستنكر". وكان بطاركة ورؤساء كنائس القدس أعلنوا، الاثنين، إغلاق كنيسة القيامة بالقدس، اعتراضًا على نية "بلدية القدس" الإسرائيلية فرض ضرائب على كنائس المدينة.
وأوضح أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صائب عريقات، أن "الواقع المأساوي في القدس، لا سيما كنائسنا، ينبغي أن يذكّر بضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي". وأضاف عبر "تويتر"، تعقيبا على إغلاق الكنيسة: "حان الوقت لكي يدرك الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته، عواقب تشجيعهم سياسات الاحتلال والتفرد بالقدس".
وفي السياق ذاته، قالت اللجنة الرئاسية العليا لشؤون الكنائس في فلسطين إن فرض الضرائب على دور العبادة "عدوان خطير". وأضافت، في بيان صحافي، أنه "يجري العمل على عرض مشروع قرار على الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) يقضي بمصادرة أراضي الكنائس". واعتبرت أن ذلك "سيشكل حلقة عدوانية جديدة من استهداف الوجود المسيحي في الاراضي المقدسة". ودعت اللجنة إلى "أوسع تضامن ودعم شعبي، في وجه بلدية القدس الإسرائيلية".
وكشف الأنبا أنطونيوس مطران الكرسي الأورشليمي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أن الكنيسة عندما كانت تراجع الحكومة الإسرائيلية بشأن موضوع الضرائب على الكنائس، فكان رد الحكومة الإسرائيلية على رؤساء الكنائس "اركنوها ومش مطلوب تدفعوا".
ولفت مطران الكرسي الأورشليمي إلى أن الحكومة الإسرائيلية الآن تطالب بالمبالغ القديمة والتي تصل للملايين، ولذا عقدت الكنائس اجتماعًا وأصدرت بيانًا منذ ١٥ يومًا ولم تستجب الحكومة الإسرائيلية، لذا تم إغلاق كنيسة القيامة.
وأدان الأزهر الشريف، وإمامه الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، بشدّة الإجراءات التعسفية التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق أماكن العبادة في مدينة القدس المحتلة، والتي كان آخرها فرض ضرائب باهظة على الكنائس والمباني التابعة لها، بما يفوق ١٩٠ مليون دولار.
وشدّد الأزهر الشريف على أن تلك القرارات الجائرة، وما يصاحبها من اقتحامات وتضييق على المصلين في المسجد الأقصى المبارك، تستهدف تفريغ المدينة المقدسة من سكانها الفلسطينيين، مسلمين ومسيحيين، واستكمال تهويد القدس وضواحيها، خاصة في ظل القرار الأميركي الجائر باعتبار القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، وهو ما يشكل غطاء لإجراءات الاحتلال المنافية لكل الشرائع والمواثيق الدولية.
وأكّد الأزهر الشريف دعمه لصمود ودفاع أبناء الشعب الفلسطيني، خاصةً المقدسيين، عن أراضيهم ومقدساتهم، داعيًا المجتمع الدولي ومنظماته إلى إجبار سلطات الاحتلال على وقف تلك الإجراءات المجحفة، والتي تتنافى تمامًا مع مبدأ حرية العبادة الذي تكفله الأديان السماوية والمواثيق الدولية.
وأكّد السفير عيسى قسيسية، سفير دولة فلسطين لدى الفاتيكان، وجود تصعيد من قِبل الحكومة الإسرائيلية اليمينية لتقويض وإنهاء الوجود الكنسي المسيحي في القدس، من خلال سياساتها التي تهدف للسيطرة على عقارات ومباني الكنائس وبأذرع الحركات الاستيطانية، أو من خلال بلدية القدس الإسرائيلية، وذلك بفرض الضرائب على عقارات وأملاك الكنائس، خرقًا للوضع القائم التاريخي والقانوني "Status Quo"، وتجاوزها الخطوط الحمراء بتجميد حسابات الكنائس في البنوك، وآخر هذه السياسات تمرير مشروع قانون أراضي الكنائس في الكنيست الإسرائيلي، والذي يسمح للحكومة الإسرائيلية بمصادرة أراضي وأملاك وأوقاف الكنيسة والتصرف بها.
واعتبر قسيسية، أن الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة والتي تستهدف الوجود الكنسي المسيحي في الأرض المقدسة، خرقًا فاضحًا للستاتسكو والذي ينظم العلاقات بين السلطات المدنية والكنيسة منذ عام 1757، وهذا ما أكدته معاهدة باريس لسنة 1856، ومعاهدة برلين لسنة 1878، وأيضا جاءت لجنة تقصي الحقائق لفلسطين سنة 1949، لتعاود تأكيد خصوصية وضع الأماكن المقدسة، كما جاء أيضا في قرار التقسيم لسنة 1947 بعدم المس بالوضع القائم "Status Quo" للأماكن المقدسة.
وفي هذا السياق، ذكّر قسيسية أن مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة سلّم رسالة يعبر فيها عن التزام حكومته بالحفاظ على الوضع القائم للأماكن المقدسة وعدم المساس بها. وتضمنت الاتفاقية الأساسية الثنائية بين الكرسي الرسولي ودولة إسرائيل سنة 1993، تأكيد الالتزام باحترام الوضع القائم التاريخي والقانوني للأماكن المقدسة.
وذكّر قسيسية بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة والمتعلقة بالقدس ومنها قرارات مجلس الأمن أرقام: 476، 478، 1515، 2334، وغيرها من قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تؤكد جميعها على بطلان قرارات وإجراءات إسرائيل، القوة القائمة بالاحتلال بخصوص القدس.
وطالب السفير الفلسطيني دول العالم وعلى رأسها حاضرة الفاتيكان والدول التي تعتبر نفسها حامية للأماكن المقدسة منذ العهد العثماني وغيرها من كنائس العالم للجم السياسات الأحادية وغير القانونية لحكومة إسرائيل، والتي هدفها إنهاء ما تبقّى من الحضور الكنسي المسيحي الممتد منذ ألفي سنة، في أرض ميلاد وقيامة السيد المسيح.
ويأتي هذا التصعيد الخطير بعد إعلان الرئيس الأميركي ترامب في 6 ديسمبر/كانون الأول 2017 بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ضاربا بعرض الحائط التزامات الإدارات الأميركية السابقة والشرعية الدولية. وتعدّ كنيسة القيامة أكثر دور العبادة قداسة لدى المسيحيين في العالم، وتشرف على إدارتها طوائف "الروم واللاتين والأرمن".
وكانت البلدية الإسرائيلية في القدس أعلنت عزمها الشروع بجباية أموال من الكنائس المسيحية كضرائب على عقارات وأراض تملكها في أرجاء المدينة. وقالت البلدية في إعلان أصدرته إنها ستجبي الضرائب على 882 عقارا وملكا لهذه الجهات. ويصل عدد المسيحيين في القدس حاليا لنحو 10-12 ألف نسمة، من إجمالي عدد السكان البالغ 300 ألف فلسطيني. وقال رؤساء الكنائس المسيحية في القدس، إن إسرائيل تسعى إلى إضعاف الحضور المسيحي في المدينة.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر