أكّد عبد السلام الصديقي، القيادي في حزب التقدم والاشتراكية، أن "الأزمة الاقتصادية التي تشهدها بلادُنا، على إثر الأزمة الصحية العامة غير المسبوقة، تُسَائِــلُنا جميعا، وتدعونا إلى التفكير العميق والمتحرر من كل دوغمائية، وذلك لأجل التمكن من رسم البدائل وتحضير مخططات التجاوز الكفيلة بمساعدة بلدنا على تخطي المحنة والنجاح في الامتحان وإعادة تحريك عجلة الاقتصاد".وأضاف الصديقي، في مقال ، أن "كل التدابير المتخذة، إلى حدود الآن، وهي ضرورية ومُفيدة، قد نجحت في سد الثغرات ودرء أكثر المخاطر استعجالا وإلحاحاً، وتوفقت في "إطفاء الحريق" والحد من الخسائر. ويتعين، فور انتهاء الأزمة الصحية العامة، اعتمادُ إجراءاتٍ للإنعاش وإعادة البناء على المديين المتوسط والبعيد، إلا أنَّ مثل هذه الإجراءات الواجب اعتمادها لا تستحمل الارتجال، بل ينبغي أن تخضع لتفكير عميق ونقاش ديمقراطي، ما دامت أنها سوف ترهن بلادنا لوقتٍ غير قصير".
وتابع الوزير الأسبق قائلا: "يظهر أنه من الحيوي تبني مخطط للإنعاش/ الإقلاع في شكل New-Deal أو بعبارة مَجَازِيَــة: صفقة جديدة، سنستعرض أدناه معالمها الكبرى وخطوطها العريضة، مع العلم أن المغرب سيبدأ إبحاره في بحر ما بعد الجائحة بميزةٍ كبيرة تتجلى في رصيد الثقة الذي تعزز إِبَّـــانَ هذه الفترة العصيبة من الحجر الصحي".وأوضح المتحدث أن الأمر يتعلق في المَقَامِ الأول، "بإعادة طرح إشكالية النمو انطلاقا من مفاهيم جديدة، عبر ترجيح الكَــيْــف على الكَــمّ وتغليب الوجود على التَّــمَـــلـــك، وبعبارة أخرى يتعين أن تكون تلبية الاحتياجات الاجتماعية للناس هي المحرك الأساسي للنمو، وليس تحقيق الربح، وهذا يعني أنه ينبغي علينا إنتاج القيم الاستعمالية أكثر من القيم التبادلية".
ولفت الصديقي إلى أننا "في حاجة إلى اقتصاد سليم يشتغل على أساس قواعد دولة القانون، اقتصاد خال من كل أشكال الريع، فالجهد والاستحقاق، فضلا عن التضامن، هي المعايير الوحيدة التي يجب أن تحظى بالتثمين، أما الريع بجميع تمظهراته لأنه يُلحق أضرارا كبيرة ويُعيق التنمية، فإنه من اللازم القضاء عليه بشكل مطلق ونهائي".وأردف المقال المعنون بـ "ما بعد كوفيد-19: سبعة مفاتيح للإنعاش"، أنه "بناء على الاعتبارات السابقة، يتعين تقوية دور الدولة بمفهومها العام ودور القطاع العمومي بشكل خاص، من أجل إنتاج الخدمات العمومية كالصحة والتعليم والنقل والطاقة والإيكولوجيا وكل القطاعات الاستراتيجية الأخرى".
"إن الدولة القوية لا تعني أبدا دولة متصلبة أو متعسفة، بل على العكس تماما"، يورد المتحدث، مستدركا أن "الديمقراطية هي الوحيدة التي يمكن أن تُضفي على الدولة مزيدا من المشروعية والفعالية، ومن الضروري مساعدة المقاولات العمومية على تحقيق إقلاع جديد تستعيد من خلاله توازنها ووتيرة اشتغالها".وضرب الصديقي المثال بالدور الذي يلعبه قطاع النقل داخليا كما على صعيد انفتاح بلدنا على العالم، قائلا: "لا يمكن أن نتخيل مغربنا غدا بدون شركة الخطوط الملكية المغربية، كما أنه حان الوقت أيضا لإعادة تشغيل شركة لاسامير من أجل أن تساهم في تحقيق استقلالنا الطاقي".
وزاد أن "إعادة التأهيل الترابي تفرض نفسها، من خلال ضخ استثمارات عمومية للاستدراك بالمناطق والجهات ذات الخصاص من حيثُ البنية التحتية المادية كما من حيث البنية التحتية الاجتماعية، فبلدنا بذل مجهودات لا يُستهان بها في ما يتصل بالأوراش الكبرى للبنية التحتية، وقد حان الوقت لتطوير ذلك من خلال الأوراش الجماعاتية للقرب التي وإن كانت أقل حجما إلا أنها أكثر وَقْـــعًا على الساكنة وأشد نفعا بالنسبة للتنمية الترابية".أما المفتاح الخامس، وفق المقال، فيتجسد في قطاع الاتصالات والرقمنة، وهو ما عبر عنه بالقول: "هو قطاع برهانات متعددة، ما يقتضي عدم تركه بين أيدي الخواص بشكل كامل، وذلك لاعتبارات تتعلق بالعدالة الاجتماعية وبأمن المواطن، حيث يجب على الدولة أن تكون حاضرةً في قلب هذا القطاع بهدف ممارسة سلطة وحق الإشراف والمراقبة والاضطلاع بدورٍ مُباشرٍ في التقنين والضبط".
ويتجلى المفتاح السادس، تبعا للقيادي اليساري، في كون محاربة البطالة يجب أن تحظى بالعناية القصوى والاهتمام الأكبر، حيث إذا كانت فعلا الأوراش التي سيتم إطلاقها سوف تخلق مناصب شغل، فإن هذه المناصب ستظل غير كافية لاحتواء كل المواطنين الذين لا يتوفرون على عمل والذين سَيُعَــدُّون، للأسف، بالملايين.لذلك، من الضروري مواكبة ومساعدة المقاولات، وخصوصا منها الصغرى والمتوسطة، من أجل أن تنجح في استئناف نشاطها الاقتصادي وتتفادى الإفلاس"، بتعبير الصديقي، الذي دعا إلى "اعتماد "الاستثمار في الشغل" على مستوى واسع، من خلال تطوير الأنشطة ذات القدرة العالية على خلق مناصب الشغل، مثل أنشطة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، والأشغال والأوراش ذات النفع العام من قبيل غرس الأشجار المثمرة، وتحسين الثروة الغابوية، وتنظيف الشواطئ من عناصر التلوث، ودعم الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، وتكثيف وتسريع محو الأمية عبر خلق "جيش المعرفة".
ويتمثل المفتاح السابع في مسألة التمويل؛ إذ يطالب الوزير الأسبق بالاعتماد على رافعتين: الرافعة الجبائية والرافعة الميزانياتية؛ فعلى المستوى الضريبي، ينبغي على الإصلاح المُعلن أن يرى النور في أقرب الآجال، من خلال تفعيل التوصيات الصادرة عن المناظرة الوطنية حول الجبايات المنعقدة في شهر ماي من سنة 2019، ويتعلق الأمر أساسا بعقلنة النفقات الجبائية، وبتصاعدية الضريبة، وتوسيع الوعاء الضريبي، لا سيما عبر التضريب التدريجي للقطاع غير المهيكل، كما أن كل أولئك الذين استفادوا في الماضي، بغير استحقاق، من السخاء الضريبي ومن الريع، وراكموا بذلك ثروات هائلة، عليهم اليوم وغدا أن "يمروا إلى الصندوق"، بتعبيره.أما على الصعيد الميزانياتي، فقد آن الأوان، كما فعلت مؤخرا بلدان أخرى، للتخلي عن دوغما/عقيدة 3% كعجز ميزانياتي، حيث إنه دون رهن المستقبل أو التفريط في الاستقلالية، فبلادنا قادرة على أن تتحمل نقطتين إلى ثلاث نقط إضافية من العجز في الميزانية، وفق المقال، الذي خلص إلى أنه "يتعين القيام باللازم من أجل تبديد شبح التقشف المُفرط، حيث إذا كانت التضحيات ضرورية، فينبغي أن يتم توزيعها بشكل متناسب بحسب إمكانيات كل واحد، بدءًا بتقليص كلفة الإدارة وإلغاء أي نفقة غير ضرورية".
"وطالما أنه من الصعب تحسين مستوى احتياطاتنا من العملة الصعبة على المدى القريب، وحتى لا تتم مُضايقة مجهود الإنعاش والإقلاع، فمشترياتنا من الخارج يجب أن تكون محدودة جدا وأن تقتصر على الضرورات القصوى، من قبيل المنتوجات الغذائية الأساسية والوسائل الطبية والهيدوروكاربونات ومُعدات التجهيز التي لا يمكن الاستغناء عنها"، يورد المقال.كما نادى أيضا بـ "تشجيع المقاولة الوطنية والسلع ذات المَنشَأ المغربي، بجميع الطرق المُتاحة والممكنة، لأجل تقوية الاستقلال الاقتصادي، ما لا يتنافى مع الانفتاح على العالم الذي يجب أن يخضع لمقاربات جديدة من خلال إرساء علاقات شراكة قائمة على العدل والإنصاف والمصلحة المتبادلة".
ولفت المتحدث إلى أنه "في جميع الأحوال، لا يمكن لأي بلد كيفما كان أن يخرج من الوضع لوحده، كما أنه في ظل هذه الظرفية الصعبة والدقيقة يتعين على بلادنا أن تظل وفيةً لخيارها الاستراتيجي المتجلي في التضامن مع الشعوب، وفي مقدمتها الشعوب العربية والإفريقية".وختم الصديقي مقاله بالإشارة إلى أنه "في خضم هذه الدينامية الجديدة، فإن الجامعة والبحث العلمي، اللذين يجب منحهما إمكانيات إضافية، ستكون أدوارهما الأساسية مطلوبةً بشكل أكبر وأوسع، باعتبارهما مصدرا لإنتاج المعرفة ومنارة للعلم وفضاءً لابتكار وإبداع الحلول، كما أن الوضع يستدعي أكثر من أي وقت مضى الاستعانة بإسهامات خبرائنا وعلمائنا المقيمين بالخارج".
قد يهمك ايضا
اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي تستقبل وفدا عن حزب التقدم والاشتراكية
نبيل بنعبد الله يُحذِّر مِن تفشّي "أزمة الثقة" وتفاقم الغضب واليأس بين المغاربة
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر