القدس - ناصر الأسعد
توصف وحدة التنصت 8200 في الجيش الإسرائيلي بأنها "وحدة الإنذار القومي". ولهذه الوحدة قاعدة عسكرية كبيرة قرب كيبوتس "أوريم" في النقب الغربي، وفي موقع قريب من قطاع غزة، تُسمى "يَرْكون"، ويتم التنصت منها على جهات كثيرة في العالم، لكن الجنود فيها يركزون على التنصت على الفلسطينيين ومحاولة كشف خطط لاستهداف إسرائيل وجيشها، وفق تقرير نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أمس.
وأشارت الصحيفة إلى أن قاعدة "يركون"، رغم "قدراتها الهائلة ونجاحاتها الكبيرة"، لم تتمكن من اكتشاف خطة حماس لتنفيذ هجوم واسع ومفاجئ في "غلاف غزة" وبلدات في جنوب إسرائيل، في السابع من تشرين الأول الجاري. فقد دخل مقاتلو "حماس" إلى هذه القاعدة "السرية" وقتلوا من وُجد فيها، وأخذوا منها مواد استخباراتية وأجهزة بالغة الحساسية.
وجاء التقرير بعنوان "سلسلة الإخفاق التي يستحيل استيعابها وأدت إلى مفاجأة 7 أكتوبر". ونقلت الصحيفة عن قائد سابق لقيادة المنطقة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي قوله: إنه "كانت هناك سيناريوهات حول تجاوز الجدار والدخول، من تحت الأرض أو من فوقها، من أجل الخطف والقتل. لكن أؤكد أنه لا أحد فكّر بأي شيء مشابه لهذا الهجوم، وبالطبع ليس هجوماً يستخرج معلومات عميقة عنّا".
وشارك في هجوم "حماس" من قطاع غزة عشرات الفرق من قوات النخبة، وبحوزتهم معلومات استخباراتية شاملة، خرائط، مركبات، أجهزة اتصال، ذخيرة ووسائل أخرى، وتفرقوا إلى مواقع مختلفة.
ووفقاً للصحيفة، فإن الفريق 17 من قوات النخبة، وتألف من عشرة مقاتلين، دخلوا راكبين على خمس دراجات نارية وتوغلوا نحو عمق جنوب إسرائيل، وبعيداً عن السياج الأمني المحيط بالقطاع، وصولاً إلى قاعدة "يركون" واقتحموها. ووثق هذا الاقتحام شريط مصور من كاميرا على جسد أحد المقاتلين.
وأضافت الصحيفة: إنه لدى وصول المقاتلين إلى منطقة القاعدة العسكرية السرية، اتضح مدى عمق المعلومات التي جمعوها. فقد علموا بشكل دقيق موقع هذه القاعدة من بين قواعد عسكرية عدة في هذا الموقع، وتجاوزوا حرشاً ليصلوا إلى بوابة قاعدة "يركون" مباشرة، والتي لم يتواجد أحد عندها، وفجروها، ودخلوها وهم يطلقون نيراناً كثيفة نحو الجنود.
بعد ذلك، بحث المقاتلون عن خندق القاعدة، "وبدوا كمن يفكرون قليلاً"، ثم استل أحدهم صورة للقاعدة التقِطت من الجو، وعليها إشارات، ثم توجهوا إلى الخندق. بعد ذلك بدؤوا يحاولون استخراج معلومات استخباراتية من الحواسيب والأجهزة، فيما بحوزتهم وسائل تكنولوجية متنوعة، لكن عندما حاولوا ربط هذه الوسائل، سُمع صوت إطلاق نار في الخارج. وعندما خرجوا اصطدموا بقوات خاصة إسرائيلية. وحسب الصحيفة، فإن قوة النخبة هذه لم تنجح بنقل المعلومات التي حصلوا عليها إلى غزة، إذ استشهدوا في الاشتباك المسلح.
وأضافت الصحيفة: إن مقاتلي فرقة أخرى من قوات النخبة كانوا يعلمون كيف يصلون إلى مكتب قائد أحد الألوية في مقر فرقة غزة العسكرية الإسرائيلية، "وأطلقوا النار على بابه بشكل يوحي أنهم يعرفون بنية الغرفة وأين يجلس الضابط. وعندما دخلوا كانوا يعلمون إلى أين يطلقون النار على باب جانبي يفضي إلى غرفة نوم الضابط"، الذي لم يتواجد في المكان.
وعثرت قوات إسرائيلية بالقرب من بلدة "مِفْلاسيم" على كراسة لقوات النخبة، بعنوان "سري للغاية"، وتحتوي على وصف مفصل جداً لخطة الهجوم. وحسب الصحيفة، فإنه كان ينقص الكراسة تفصيل واحد فقط، هو تاريخ تنفيذ هجوم "حماس" والذي بقي مكانه فارغاً.
واحتوت الكراسة على تفاصيل وتعليمات دقيقة للمقاتلين في تنفيذ هجوم في "مفلاسيم"، وكذلك الدفاع أمام قوات إسرائيلية لدى قدومها إلى المكان. وتضمنت الكراسة أيضاً شكل انتشار القوات الإسرائيلية في هذه المنطقة والمناطق المجاورة لها.
ولفتت الصحيفة إلى أن "هجوم حماس المفاجئ كان نتيجة سلسلة طويلة من الإخفاقات الإسرائيلية: عَمى استخباراتي مطلق، منظومة دفاعية مخترقة، وعجرفة غذّت المؤسسة كلها. وهذا كان أيضاً نتيجة إدمان إسرائيلي على شعور بالتفوق العسكري، الاستخباراتي والتكنولوجي، وتحليل خاطئ من الأساس لنوايا العدو".
وأضافت الصحيفة: إن "قسماً من الإخفاقات الإسرائيلية لا يزال موجوداً". وأشارت إلى أن "مفهوم الدفاع مقابل حماس استند بعد انسحاب إسرائيل من القطاع إلى ثلاث دعامات: القبة الحديدية، تفوق استخباراتي، وتحصين خط الحدود الذي يشمل وسائل مراقبة تكنولوجية. والدعامتان الأخيرتان انهارتا في 7 تشرين الأول مثل برج من ورق".
وحسب الصحيفة، فإن بين أسباب "العمى الاستخباراتي" الذي أصاب "الشاباك" وشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، هو ضرب قدرة هذين الجهازين على التنصت في قطاع غزة. وتم ضرب هذه القدرة، في العام 2018، في أعقاب اكتشاف "حماس" قوة كوماندوز إسرائيلية من "سرية هيئة الأركان العامة"، التي توغلت في منطقة خان يونس بهدف زرع جهاز تنصت يتغلب على شبكة "حماس" للمحادثات المشفرة بين قادتها السياسيين والعسكريين، وقُتل حينها قائد القوة الإسرائيلية، محمود خير الدين.
ومن أجل إجراء المحادثات المشفرة، اشترت "حماس" جهاز اتصالات مشفرة من شركة تايوانية، في العام 2008، وبعد ذلك منعت إسرائيل دخول قطع إلكترونية إلى غزة، كانت غايتها إقامة وصيانة شبكة اتصالات آمنة لـ"حماس".
وأضافت الصحيفة: إن "ثمة من يعتقد في إسرائيل أن فشل العملية العسكرية، في العام 2018، منح حماس نظرة أغلى من الذهب إلى شكل محاولات إسرائيل للتغلغل إلى شبكة الاتصالات الداخلية للحركة. فقد اضطرت القوة الإسرائيلية أن تبقي خلفها عتاداً سرياً جداً، وطواقم من حماس وإيران قامت بتحليلها، وعلموا منها كيفية نجاح إسرائيل في الحصول على معلومات من داخل صفوف حماس
قد يهمك أيضا
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر