يستقبل حجاج بيت الله الحرام ثالث أيام التشريق، حيث يواصلون رمي الجمرات، فيما بدأت نفرة المتعجلين منهم بعد أن أدوا طواف الوداع، وغادروا المشعر الحرام قبل مغيب شمس يوم الخميس، كما وصلت طلائع الحجاج إلى المدينة المنورة لزيارة المسجد النبوي الشريف.
وكان الدفاع الجوي السعودي قد وضع في حساباته الانتهاكات المستمرة التي ترتكبها الميليشيات الحوثية، فنصّب مضادات الباتريوت ولأول مرة في محيط مكة المكرمة تحسبًا لأي هجوم، وأعرب الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، عن أسفه لمنع دولة قطر حجاجها من الحضور للأراضي المقدسة وأداء مناسك الحج، على الرغم من استعداد بلاده لاستقبال الحجاج القطريين، وقال مفندًا ما تناولته بعض الوسائل الإعلامية عن منع السعودية لحجاج قطر «إن مثل هذه الأخبار لا تؤثر علينا، والمملكة أعلنت ولأكثر من مرة استعدادها لاستقبال الحجاج من أي دولة في العالم، والشقيقة قطر كانت مدعوة للسماح لمواطنيها بالحضور إلى هذا الحج، حتى إن خادم الحرمين الشريفين ساهم وأكد إذا سمحت قطر، يمكن إرسال طائرات للحجاج لهذا الغرض... لكن للأسف الشديد دولة قطر منعت حجاجها من الحضور، ورحبنا بمن استطاع الوصول إلى السعودية أجمل ترحيب، وهم الآن معنا في حج هذا العام».
وتأتي تصريحات أمير منطقة مكة المكرمة، خلال المؤتمر الصحافي الختامي الذي عقده بعد ظهر الخميس، في مقر الإمارة بمشعر منى، مجددًا ترحيب بلاده بكل حجاج بيت الله الحرام وتشرفها بخدمتهم، مشيرًا إلى أن حجاج إيران هذا العام بلغ 86 ألف حاج.
وفي المجال الصحي، أعلن رسميًا عن خلو حج هذا العام، من الأوبئة والأحداث ذات الأثر على الصحة العامة ونجاح الخطط الصحية، على لسان الدكتور توفيق الربيعة، وزير الصحة السعودي، في حين ثمّن الأمير خالد الفيصل، الجهود التي بذلتها الجهات المعنية كافة في هذا الموسم، مقدمًا شكره لخادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، والأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف، وزير الداخلية رئيس لجنة الحج العليا، على التوجيهات والخطط التي أشرفوا عليها، وما قدمته السعودية لضيوف الرحمن من خدمات كانت محل اعتزاز وفخر.
وبشأن مفهوم الاعتدال، أكد الفيصل، أن الاعتدال «رؤية إسلامية منبثقة من الإسلام ومن تعاليمه»، مبينًا أن «قائد الاعتدال في هذه البلاد هو خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وقد أعلن عن ذلك في أكثر من كلمة وجهها لأبناء المملكة وللعالم أجمع».
وفيما يتعلق بتحديد نسب عدد الحجاج، أوضح أمير المنطقة أن هذا الأمر يتم من قبل الدول الإسلامية جميعًا، وليس من المملكة وحدها، وقال «هذه النسبة مطروحة وممارسة على الدول جميعًا، وهي متقيدة بهذه النسب، وليس من صلاحيات منطقة مكة المكرمة أو لجنة الحج تحديد النسب"، مبينًا أن عدد القوى العاملة التي قدمت الخدمة لحجاج بيت الله الحرام هذا العام من عسكريين ومدنيين بلغ أكثر من 250 ألف فرد، في حين لم يتجاوز عدد المخالفين للحج هذا العام 110 آلاف شخص، بينما قدر عددهم في عام 1433هـ بمليون و400 ألف حاج.
نقل الحجاج بأساليب متطورة
وأفاد الفيصل بأن قطار المشاعر نقل هذا الموسم 360 ألف حاج، في حين تم نقل مليون و800 حاج عبر 18 ألف حافلة مجهزة، وبيّن أنه خلال الفترة من 1 ذي القعدة، إلى الخامس من ذي الحجة تم نقل 41 مليون راكب من مقار سكن الحجاج في مكة المكرمة إلى المسجد الحرام، بواسطة 2600 حافلة، مؤكدًا أن القيادة السعودية تتطلع مستقبلًا لتوظيف التقنية في جميع شؤون الحج، وقال «نحرص أن يعتمد مشروع تطوير المشاعر المقدسة الذي سيطرح قريبًا للتنفيذ كليًا على التقنية وعلى الاتصالات السريعة».
وبالنسبة لاستهداف «الرؤية السعودية» لاستضافة 30 مليون معتمر و5 ملايين حاج في المستقبل، قال الفيصل «سيتم تنفيذ الخطة على مراحل، وسيعلن عن مراحلها عن طريق الهيئة الملكية في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة في أسرع وقت»، موضحًا أن «رؤية المملكة» في الحج تسعى إلى أن يصل عدد الحجاج إلى خمسة ملايين حاج في الأعوام المقبلة.
مشاريع مستقبلية لكل المشاعر
وتطرق الفيصل لأبرز المشاريع المستقبلية في المشاعر المقدسة، موضحًا أن هناك مشروعًا لكامل المشاعر «منى، مزدلفة، عرفات»، وسُيشرع إن شاء الله في تنفيذه بأسرع وقت ممكن؛ إذ رفعت الدراسة الأولية للهيئة الملكية لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة لاعتماده، وردًا على سؤال فريق إعلامي أميركي عن مدى تناغم آلية إدارة شؤون الحج التي تباشرها أكثر من 41 جهة حكومية في المملكة، قال «التنسيق الذي وصل إلى حد التناغم في حج هذا العام وحج العام الماضي لم يسبق له مثيل» مشيرًا إلى وجود لجنة عليا للحج برئاسة وزير الداخلية يجتمع فيها كل الوزراء المعنيين، إلى جانب لجنة مركزية تنفيذية لقرارات اللجنة العليا برئاسة أمير مكة المكرمة يشترك فيها كل ممثلي الوزارات الخدمية في الحج بالإضافة إلى هيئة تطوير منطقة مكة المكرمة وهيئات أخرى معنية بالحج عبر ورش عمل ومؤتمرات تعقد لتطوير الخدمات ومشروع العمل في الحج كل عام».
ظاهرة المخالفين
وأضاف الفيصل يقول «نحن نبدأ بعد نهاية موسم الحج في كل عام لبحث وتطوير ومناقشة الملاحظات، ومراجعة تقارير التقييم"، وردًا على سؤال عن تقلص ظاهرة المخالفين لأنظمة الحج بعد تراجعهم من مليون و400 ألف قبل خمسة أعوام إلى 110 آلاف هذا العام، بقوله «سيختفي ذلك تمامًا بمشيئة الله»، موضحًا أن ذلك لا يعتمد فقط على تطبيق الأنظمة والعقوبات، وإنما على مستوى ثقافة الحاج ومدى تقيده بالتعليمات. كما تناول قصور بعض المخيمات والحملات في خدمة الحجاج بقوله «سيتم مساعدتهم على تصحيح أوضاعهم لكي ترقى للمستوى المتوقع منهم».
"الحج عبادة"
وأشار أمير منطقة مكة المكرمة، إلى مدى الاستفادة من التقنيات الحديثة خلال هذا الموسم في مختلف المجالات متطلعًا إلى تفعيل الجانب التقنية الحديث والأسلوب الذكي في إدارة شؤون الحج، لافتًا إلى أن المشروع المستقبلي لمكة المكرمة سيستخدم أفضل وأحدث الوسائل التقنية، وعن مشروع «الحج عبادة»، أكد أن المشروع حقق خطوات كبيرة جدًا، وأنه سيحقق أكبر من هذه الخطوات في السنوات المقبلة وسيتفق مع «الرؤية».
موسم خال من الأوبئة
وجاء إعلان خلو موسم هذا الحج من الأمراض والأوبئة، ضمن البيان الصحافي الختامي للدكتور توفيق الربيعة، وزير الصحة السعودي، وذلك الذي تلاه أمس بمقر مستشفى الطوارئ بمنى، حيث أكد استعداد الوزارة مبكرًا لحج هذا العام، وأنها أجرت تقييمًا للاحتياجات الصحية المطلوبة في موسم الحج لضمان سلامة الحجاج، وقال «في إطار الاستعدادات للحج، جهزت وزارة الصحة 12 مركزًا صحيًا في المنافذ الحدودية»، وأفاد بأنه بالنظر للوضع الصحي في بعض الدول فقد قامت فرق الصحة العامة برصد وتدوين معلومات جميع الحجاج القادمين من الدول التي تسري فيها الأمراض الوبائية، ومنها «الإيبولا» والكوليرا، وتتبعت وضعهم الصحي بشكل مستمر بالتنسيق مع بعثاتهم الطبية.
ولفت الربيعة إلى أن الوزارة وفّرت في مناطق الحج الرعاية الصحية للحجاج من خلال 25 مستشفى بسعة 5000 سرير و155 مركزًا للرعاية الأولية و180 سيارة إسعاف، إضافة إلى العيادات المتنقلة والمستشفى الميداني، واستعرض، الأرقام التي تبيّن حجم العمل الذي قامت به الوزارة، حيث بيّن أنه تمت معاينة أكثر من مليون و600 ألف حاج في المنافذ الصحية، وإعطاء 360 ألف جرعة من لقاح شلل الأطفال في منافذ الدخول، وإعطاء 480 ألف جرعة للقاح الإنفلونزا الموسمية ولقاح الحمى الشوكية لحجاج الداخل وسكان مكة المكرمة والمدينة المنورة، ومعاينة أكثر من 12 ألف موقع للتأكد من خلوها من البعوض، إضافة إلى تنفيذ حملات شاملة لمكافحة نواقل المرض وآفات الصحة العامة في مناطق الحج.
وبيّن الربيعة أن منشآت الوزارة في مناطق الحج هذا العام أجرت 579 قسطرة قلبية و36 عملية جراحية مفتوحة للقلب، و2056 جلسة غسيل كلى، و181 عملية تنظير للجهاز الهضمي، إلى جانب ما شهدته منشآت الوزارة في مكة المكرمة والمشاعر من 12 حالة ولادة.
وكانت غالبية حجاج بيت الله الحرام تمكنت “ثاني أيام التشريق” من رمي الجمرات الثلاث بيسر وسهولة، مبتدئين بالجمرة الصغرى فالوسطى ثم جمرة العقبة، بعدها توجه الحجاج المتعجلون إلى المسجد الحرام بمكة لأداء طواف الوداع، أما الحجاج غير المتعجلين، فيرمون اليوم قبل غروب الشمس الجمرات الثلاث، وبخروجهم من مشعر منى تنتهي شرعيًا مناسك حج هذا العام.
القوافل المتعجلة
وفي الوقت الذي بدأت فيه قوافل الحجيج المتعجلين بمغادرة مكة المكرمة، في وقت لاحق الخميس، عبر ووسائل النقل المتاحة، بدأت الاستعدادات في المدينة المنورة، لاستقبال ضيوف الرحمن من المتعجلين الذين يتلهفون لزيارة المسجد النبوي الشريف التشرف بالسلام على رسول - صلى الله عليه وسلم -، الذين بدأت طلائعهم في الوصول إلى المدينة المنورة قبل منتصف اليوم، وسط جهود مكثفة تبذُلها الجهات الحكومية والأهلية كافة المرتبطة بأعمال الحج تحت إشراف ومتابعة الأمير فيصل بن سلمان، أمير منطقة المدينة المنورة رئيس لجنة الحج والزيارة بالمنطقة.
وتأتي الاستعدادات المكثفة لاستقبال الحجاج في موسم ما بعد الحج، عشية مغادرة عدد كبير من الزوار الذين قدموا مع عوائلهم من مختلف مناطق السعودية لقضاء أيام العيد في رحاب المدينة المنورة، والصلاة في الحرم النبوي الشريف، حيث قُدّرت نسبة الإشغال في دور الإيواء وفنادق المنطقة المركزية بـ86 في المائة نتيجة إقبال زوار الداخل على طلب الوحدات السكنية، خصوصًا القريبة من الحرم النبوي.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر