الرباط– المغرب اليوم
دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس "أبناء القارة الأفريقية، ولا سيما الشباب منهم، إلى التعبئة الجماعية، والتحلّي بالعزم والإصرار من أجل رفع التحديات الجسام، التي تواجهها أفريقيا، والانخراط الفعلي في الدينامية الإيجابية للنمو المشترك"، مشيرًا إلى أن أفريقيا "تمر اليوم بمرحلة حاسمة، تتسم بتعدد أبعاد ما تشهده من تحولات، ترسم معالم قارة تموج بتغيرات متسارعة، وتنأى بنفسها تدريجيا عن كل التصورات النمطية والصور السلبية المغلوطة، التي ظلت لصيقة بها".
وأضاف العاهل المغربي في رسالة وجهها الجمعة لمنتدى "كرانس مونتانا"، الذي افتتح أعماله بمدينة الداخلة (أقصى جنوب المغرب)، بمشاركة مسؤولين وخبراء يمثلون 103 دول، بينها 49 دولة أفريقية، أن أفريقيا "التي تمتد على مساحة 30 مليون كيلومتر مربع، تشكل فضاءً زاخرًا بالفرص والإمكانات، وتمتلك أعلى نسبة من الشباب في العالم، كما يتوقع أن يبلغ تعداد سكانها مليارين ونصف مليار بحلول عام 2050، وسوف يكون نصفهم من الشباب دون سن الخامسة والعشرين، ويشكل هؤلاء الشباب ثروة ديموغرافية مهمة ينبغي تدبير تأهيلها بحكمة وتبصر".
وقال العاهل المغربي: إن من شأن التطور الديموغرافي الهائل الذي تعرفه أفريقيا "أن يحدث تحولًا كبيرًا سيغير مجرى الأمور، لا على صعيد أفريقيا فحسب، بل يمتد إلى كل جهات المعمور، كما يشكل هذا الرصيد البشري ركيزة أساسية للتنمية، وفرصة ثمينة يتعين على قارتنا استثمارها للحاق بركب القوى الصاعدة"، مبرزًا أنه "من أجل تقدم أفريقيا لا بد لها من حشد كل طاقاتها، وإقامة شراكات مبتكرة، تعود بالنفع على جميع الأطراف المنخرطة فيها،، وينبغي لأفريقيا أيضًا أن تسخّر كل الوسائل والآليات المتاحة لها لكي تستجيب للتطلعات المشروعة لشعوبها، ولا سيما من خلال التعاون جنوب - جنوب، الذي يعد إحدى الركائز الأساسية لانبثاق أفريقيا كقارة صاعدة".
وتحدث الملك عن التوجه الأفريقي للمغرب، الذي يحدوه طموح كبير "لتمكين أفريقيا من تولي زمام أمورها والتحكم في مصيرها"، مشيرًا إلى أنه "ليس من قبيل المصادفة أن يجعل المغرب من التعاون جنوب - جنوب رافعة لانبثاق أفريقيا جديدة واثقة من قدراتها ومتطلعة إلى المستقبل"، كما لفت إلى الأهمية التي أولاها للتعاون جنوب - جنوب منذ توليه الحكم، الذي جعله في صلب سياسته الأفريقية، مضيفًا: إن المغرب طور في هذا الإطار "نموذجًا مبتكرًا حقيقيًا للتعاون جنوب - جنوب، قوامه تقاسم المعارف والكفاءات والخبرات والموارد، مع إشراك كافة الأقاليم الفرعية للقارة والقطاعات ذات الصلة".
وأوضح الملك محمد السادس، أن المغرب أبرم على مدى خمس عشرة سنة الأخيرة ألف اتفاق تعاون مع 28 بلدًا أفريقيًا في مجالات متنوعة، تشمل التعليم والصحة، والتكوين في مجال البنيات التحتية، والفلاحة، كما أكد حرص بلاده على إقامة مشروعات استراتيجية كبرى في أفريقيا، ذكر منها على الخصوص "مشروع أنبوب الغاز الأفريقي - الأطلسي، الذي يهدف إلى إعادة هيكلة سوق الكهرباء على المستوى الإقليمي، ومشروع إحداث وحدات لإنتاج الأسمدة بشراكة مع إثيوبيا ونيجيريا، الذي يروم تحسين المردودية الفلاحية، وتعزيز الأمن الغذائي في المناطق التي ينتمي إليها هذان البلدان"، كما تحدث العاهل المغربي عن مبادراته الملموسة لصالح أفريقيا في الكثير من المجالات، كالهجرة والتغيرات المناخية، والأمن الغذائي.
وأشاد في رسالته بما وصل إليه منتدى "كرانس مونتانا" مع تعاقب دوراته: "من نضج كبير وإشعاع واسع، حيث أضحى محفلًا دوليًا رئيسيًا يحج إليه كبار صانعي القرار السياسي، وشخصيات مرموقة تمثل مجتمع الأعمال وعالم الفكر والمجتمع المدني من شتى المشارب، بالإضافة إلى نخبة من صناع الرأي من مختلف بقاع العالم"، كما أشار العاهل المغربي إلى المكانة المتميزة التي تحظى بها مدينة الداخلة في تاريخ المغرب، و"موقعها الاستراتيجي الفريد، باعتبارها صلة وصل بين المملكة المغربية وعمقها الاستراتيجي الأفريقي"، كما نوّه بوجاهة المواضيع التي يتناولها المنتدى، والمستوى المتميز للمشاركين فيه، وتنوع أطيافهم، داعيًا إياهم "إلى التعريف بمزايا نهج تعاون فاعل ومتعدد الأبعاد بين دول الجنوب، وبفوائد اعتماد مقاربات تشاركية باعتبارها رافعة لتحقيق الارتقاء الجماعي".
وتتمحور أعمال الدورة الرابعة لمنتدى "كرانس مونتانا" لهذه السنة حول موضوع أفريقيا والتعاون جنوب - جنوب، ومن أبرز موضوعاته "اقتصاد البحار ودوره في التنمية والاندماج الإقليمي"، باعتبار أن البحر وثرواته وتحدياته البيئية تفرض على الكثير من الدول الأفريقية التي تتشارك هذه الثروات على حدودها، وبخاصة الأطلسية، أن تتعاون وتتكاثف جهودها، كما سيناقش المنتدى العلاقات بين القارتين الأفريقية والآسيوية، وبخاصة على المستويات الاقتصادية والتجارية، مع التركيز على القطاعات الواعدة بالنسبة للتنمية في أفريقيا في إطار شراكتها مع آسيا، وسيخصص المنتدى حيزًا مهمًا من نقاشاته لإشكاليات وتحديات التمدن والتوسع الحضري في أفريقيا، وقضايا الشباب والمرأة، والأمن الغذائي والصحي، ومعضلات الهجرة والطاقة وتغير المناخ.
وفي اليوم الثالث من أعماله سيغادر المشاركون في المنتدى مدينة الداخلة على متن الباخرة "كرويزر" التي ستنقلهم إلى مدينة الدار البيضاء في رحلة تكتسي طابعًا رمزيًا؛ إذ تربط عاصمة المغرب الاقتصادية والتجارية الدار البيضاء في الشمال، ومدينة الداخلة الصاعدة في الجنوب بطموحاتها المشروعة لتلعب دورًا في الإشعاع الأفريقي للمغرب، وعلى مدى يومين تستغرقهما الرحلة البحرية، سيواصل المشاركون نقاشاتهم وندواتهم حول "مستقبل أفريقيا وآفاق التعاون جنوب - جنوب".
ودعا السفير جان بول كارترون، الرئيس الشرفي للمنتدى، الأفارقة إلى أخذ العبرة مما حققه المغرب في مدينة الداخلة على مدى الثلاثين عامًا الأخيرة، والتي تحولت خلالها من مجرد قطعة من الصحراء مطلة على البحر إلى حاضرة أساسية في المنطقة، تتطلع أن تلعب دورًا مركزيًا في العلاقات مع أفريقيا، وقال السفير: إن مدينة الداخلة أصبحت نموذجًا حيًا لإمكانية تحقيق التنمية في أفريقيا، مشيرًا إلى أن ما حققه المغرب في الداخلة من شأنه أن يعيد الأمل للشباب الأفريقي بإمكانية تحقيق المعجزة التنموية، كما شدد كارترون على أن خلاصة التجربة المغربية في المجال التنموي أبرزت أن الأمر لا يتعلق بالمال، بقدر ما يتعلق بالتوفر على "الرؤية والإرادة وتعبئة الموارد"، داعيًا إلى قياس ما حققه المغرب في مجال صناعة السيارات والتكنولوجيا والبنيات التحتية في زمن وجيز، وذلك بفضل توفره على رؤية واضحة لأهدافه ومخططاته التنموية، ووجود إرادة سياسية قوية من أجل بلوغها.
وأضاف كارترون أن المنتدى الأفريقي لمؤسسة "كرانس مونتانا" بمدينة الداخلة عرف منذ انطلاقه في 2015 نجاحًا منقطع النظير، مشيرًا إلى أنه على مدى ثلاث دورات متتالية استقبل 3500، مشارك يمثلون 162 دولة و43 منظمة دولية عالمية وإقليمية، وكلهم من أصحاب القرار السياسي والاقتصادي وخبراء، وحوّل مدينة الداخلة إلى مختبر للتفكير في مستقبل أفريقيا ومشاكلها.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر