أعلن المجلس البلدي للعاصمة الليبية طرابلس، الخميس، تجميد نشاطه مؤقتًا؛ احتجاجًا على تعرض عميد البلدية عبدالرءوف حسن، بيت المال للاختطاف من منزله، مساء الأربعاء، على أيدي مسلحين مجهولين، في أحدث عملية خطف من نوعها يتعرض لها مسؤول رفيع المستوى قريب من حكومة الوفاق الوطني، المدعومة من بعثة الأمم المتحدة.
واتهم مسؤول محلي مجموعة تعمل في نطاق سلطة الدعم المركزي وتابعة لوزارة الداخلية في الحكومة، التي يترأسها فائز السراج، بمسؤوليتها عن الحادث، لافتًا إلى أن مكتب التنسيق الأمني في البلدية ترافقه مجموعة مساندة تابعة للداخلية، بدأت التحرك لفك أسر عميد البلدية من خاطفيه. كما نفى المسؤول في تصريحات له صدور أمر اعتقال أو توقيف قانوني من أي جهة عدلية بحق بيت المال.
وقال مجلس بلدية طرابلس في بيان، إنه قرر وقف العمل في ديوان البلدية حتى إشعار آخر؛ احتجاجًا على خطف بيت المال، محذرًا من أن «هذه الأفعال تهدد بشكل مباشر قيام الدولة ومدنيتها، وتجرّ العاصمة إلى ما لا تحمد عقباه"، وكان المجلس الذي أعلن اختطاف بيت المال من قِبل من وصفها بـ«جهات عبثية» بعد اقتحام بيته في العاصمة طرابلس بقوة السلاح واقتياده إلى جهة مجهولة، قد طالب المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق وجميع المسؤولين باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة والفورية للإفراج عن العميد المختطف. ووفقًا لرواية محمد الزياني، مسؤول الإعلام في بلدية طرابلس، فإن مسلحين مجهولين اقتحموا منزل العميد المختطف، وأصابوا أحد أبنائه في رأسه.
وطالب أصحاب المحال في العاصمة طرابلس عبدالسلام عاشور، وزير الداخلية في حكومة السراج، بالتدخل وتوجيه كلمة عبر وسائل الإعلام إلى سكان المدينة حول الحادث، كما حملوا الجهات المسؤولة عن الحادث مسؤولية سلامة بيت المال، وقال أعضاء في المجلس الأعلى للدولة، الذي يوجد مقره في العاصمة طرابلس، في بيان، إنهم يطالبون المجلس الرئاسي لحكومة السراج والجهات الأمنية والضبطية بتحمل مسؤولياتهم في ضمان سلامة العميد والإسراع بإطلاق سراحه. وبعدما اعتبروا أن «تكرار مثل هذه العمليات التي طالت الكثير من المواطنين وموظفي الدولة والسياسيين، يعد اعتداء على أمن العاصمة واستقرارها». أكدوا أنه «لا سبيل لوقف مثل هذه الممارسات إلا بفرض سيادة القانون وعدم الإفلات من العقاب».
بدورها، أعربت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا عن إدانتها واستنكارها الشديدين إزاء تصاعد وتيرة حوادث الاختطاف، والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، التي تقوم بها بعض المجموعات والتشكيلات المسلحة بالعاصمة طرابلس، التابعة لوزارة الداخلية والدفاع بحكومة السراج.
وأكدت اللجنة، أن وقوع الجرائم والانتهاكات اللاإنسانية في العاصمة، يدل دلالة قطعية على أن الأوضاع الأمنية بمدينة طرابلس سيئة للغاية نتيجة تصاعد مؤشرات الاختطاف والاعتقال التعسفي وغير القانوني، والإخفاء القسري، مشيرة إلى عدم جدية تحرك المجلس الرئاسي لحكومة السراج والسلطات، والأجهزة الأمنية لوقف هذه الظاهرة، التي باتت تمثل هاجسًا ومخاوف أمنية كبيرة لدى المواطنين وتهدد سلامتهم في طرابلس.
وفي أول رد فعل غربي، أعرب فرانك بيكر، سفير بريطانيا لدى ليبيا، عن قلقه بشأن اختطاف عميد بلدية طرابلس، وقال في تغريده له عبر موقع «تويتر»: «أتمنى عودته بسلامة لأهله وذويه»، قبل أن يعتبر أن الجريمة المنظمة «خطر كبير يهدد أمن وسلامة الليبيين».
من جهتها، أدانت السفارة الفرنسية لدى ليبيا بأشد العبارات كل أعمال العنف، وتحديدًا اختطاف عميد بلدية طرابلس من قبل من أسمتها بـ«مجموعة مسلحة مجهولة الهوية». وطالبت في بيان لها بالإفراج عنه، مشددة على التزام فرنسا بالحل السلمي لتجاوز الأزمة السياسية، وبدعمها وساطة الأمم المتحدة. أما بعثة الأمم المتحدة، فقد أكدت بدورها أنها تدين اختطاف بيت المال، وحذرت في بيان مقتضب لها من تزايد حالات الاختطاف في المدينة، كما دعت جميع الأطراف المعنية إلى اتخاذ موقف واضح يدين هذا التوجه المثير للقلق في طرابلس وغيرها من المدن.
في المقابل، تجاهلت حكومة السراج الحادث ولم تعلق عليه رسميًا، بينما قال مكتب السراج إنه اجتمع مع وفد من نقابتي النقل الجوي والمراقبين الجويين بالتزامن مع قيام وزير الداخلية العميد عبد السلام عاشور بجولة تفقدية لجهاز الشرطة السياحية.
وكان عميد بلدية طرابلس المختطف، أحد المشاركين في الاجتماع الثاني من نوعه، الذي نظمته بعثة الأمم المتحدة خلال الأسبوع الماضي في طرابلس لعمداء ورؤساء البلديات في ليبيا. ولم تعلن أي جهة بعد مسؤوليتها عن الحادث، كما لم يتضح على الفور سبب خطف بيت المال، الذي يمثل مؤشرًا على الصعوبات التي تواجهها حكومة السراج في فرض الأمن والقانون في طرابلس.
وجاء الحادث في حين أعلنت المجالس العسكرية لمدينتي الزنتان ومصراتة عقد اجتماع تاريخي للمصالحة بينهما الأربعاء، وذلك بعد أعوام من الحرب التي اندلعت عام 2014.
وشارك في الاجتماع المفاجئ، الذي استضافه المجلس العسكري للزنتان، التي تبعد نحو 180 كلم جنوب شرقي العاصمة طرابلس، ممثلو الكتائب المسلحة والمجالس البلدية والحكماء ونواب البرلمان وشيوخ القبائل عن المدينتين، وقال مصطفى الباروني، عميد بلدية الزنتان، إن «الزنتان ومصراتة تعلمتا الدرس جيدًا، ولن تسمحا لأحد التفريق بينهما مستقبلًا، ولا مجال للسلاح في حل أي نزاع، بل نحل خلافاتنا بالحوار السلمي».
ويعتقد على نطاق واسع أن مخاوف الميلشيات المسلحة في الزنتان ومصراتة من احتمال تقدم قوات الجيش الوطني، بقيادة المشير خليفة حفتر، باتجاه العاصمة طرابلس لتحريرها من قبضة الميلشيات المسلحة التي تهيمن عليها بقوة السلاح، كان الدافع على بروز بوادر مصالحة بين مدينتي الزنتان ومصراتة، وهذا هو الاجتماع الأول من نوعه بين المدينتين منذ تاريخ الانقسام السياسي الحاد، الذي بدأ في يوليو/ تموز 2014، إثر شن تحالف ميلشيات ما كان يعرف باسم عملية «فجر ليبيا»، المكون من قوات المجلس العسكري مصراتة، حربًا ضد قوات الزنتان التي خسرت مواقعها في جنوب طرابلس، عقب معارك طاحنة استمرت لشهر ونصف الشهر، وسقط خلالها المئات بين قتيل وجريح في صفوف الطرفين.
وتسببت الاشتباكات الدامية آنذاك بين مصراتة والزنتان، في رحيل البعثات والسفارات الأجنبية من العاصمة طرابلس، إضافة إلى بعض الشركات الأجنبية، التي كانت تنفذ مشروعات في قطاع الكهرباء.
وعسكريًا، قصفت قوات الجيش الوطني الليبي الذي يقوده المشير حفتر، متمردين تشاديين متمركزين في جنوب ليبيا في نهاية الأسبوع الماضي، وقال مسؤول في الجيش، إن «سلاح الجو نفذ نهاية الأسبوع الماضي غارات على حاجز لحركة التمرد التشادية على بعد أكثر من 400 كيلومتر جنوب شرقي سبها، وعلى مواقع أخرى للمتمردين التشاديين في واحة بمنطقة تربو على بعد نحو 400 كيلو جنوبي سبها».
وأكدت مجموعة «مجلس القيادة العسكري لإنقاذ الجمهورية» المسلحة التشادية استهدافها بطائرات قوات حفتر، بحسب ما أفاد المتحدث باسمها في المنفى كينغابي اغوزيمي دو تابول، مشيرًا إلى عدم سقوط ضحايا. واعتبر أن غارات حفتر تشير إلى أن نظام الرئيس التشادي إدريس ديبي اتفق مع المشير حفتر على القضاء على المتمردين التشاديين في ليبيا.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر