ذكّر الملك محمد السادس بما أفصح عنه المغاربة من قيم تضامنية خلال كارثة “زلزال الحوز”، قائلا: “ورغم هول الفاجعة، فإن ما يخفف من مشاعر الألم ويبعث على الاعتزاز ما أبانت عنه فعاليات المجتمع المدني وعموم المغاربة، داخل الوطن وخارجه، من مظاهر التكافل الصادق والتضامن التلقائي مع إخوانهم المنكوبين”.
وأورد العاهل المغربي: “لقد أظهرت الفاجعة انتصار القيم المغربية الأصيلة، التي مكنت بلادنا من تجاوز المحن والأزمات، والتي تجعلنا دائما أكثر قوة وعزما على مواصلة مسارنا، بكل ثقة وتفاؤل”، مضيفا: “تلك هي الروح والقيم النبيلة، التي تسري في عروقنا جميعا، والتي نعتبرها الركيزة الأساسية لوحدة وتماسك المجتمع المغربي”.
وأضاف الملك، في خطابه الذي ألقاه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية الحادية عشرة، الجمعة: “هي قيم وطنية جامعة، كرسها دستور المملكة، وتشمل كل مكونات الهوية المغربية الأصيلة، في انفتاح وانسجام مع القيم الكونية”؛ وهي القيم الدينية والروحية والقيم الوطنية التي أسست للأمة المغربية والقائمة على الملكية، إضافة إلى قيم التضامن والتماسك الاجتماعي، داعيا في الوقت ذاته إلى “مواصلة التشبث بهذه القيم، اعتبارا لدورها في ترسيخ الوحدة الوطنية وتحصين الكرامة الإنسانية وتعزيز العدالة الاجتماعية”.
تأكيد ملكي ونموذج مغربي
عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، قال إن “المغرب واجه العديد من الأزمات، واستطاع أن يخرج منها سالما عكس مجموعة من الدول التي لم تستطع أن تتخطى عددا من الأزمات بنفس السرعة التي تخطتها بها المملكة، بفضل قيمها ونموذجها الديني والمجتمعي السمحين”، مسجلا أن “المغاربة واجهوا أزمة الزلزال وقبلها أزمة كوفيد19 وأزمات تاريخية كبرى بقيمهم التضامنية المتجذرة في ثقافتهم وتاريخهم”.
وأضاف الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج أن “المغاربة يتآزرون ويتعاونون دائما ويقفون وقفة رجل واحد كلما داهمتهم الأخطار أو حلت بهم الأزمات؛ وهو ما خلق نقطة قوة بالنسبة للمغرب لمواجهة كل التحديات”، مشيرا إلى أن “مغاربة العالم كذلك عبروا عن حس تضامني منقطع النظير مع إخوانهم المتضررين، وساهموا عينيا وماديا، وانخرطوا في الهبة التضامنية مع ضحايا الزلزال”.
ولفت المتحدث عينه، في تصريح لهسبريس، إلى أن “العالم بأسره وقف احتراما وإجلالا لهذا الفعل التضامني والتآزر الذي عبر عنهم المغاربة”، مشددا في الوقت ذاته على أن “المغرب وبهذه القيم المجتمعية المترسخة بإمكانه وتحت قيادته الرشيدة أن يبني مستقبلا زاهرا؛ بل يمكنه كذلك أن يعمل على تصدير هذه القيم التي تخدم الإنسانية جمعاء، خاصة ظل ما يعرف العالم من الاهتزازات القيمية والتي تجهل من القيم المغربية نموذجا فريدا في هذا الإطار”.
وأوضح بوصوف أن “الملك محمدا السادس أشار إلى أن النموذج المغربي مبني على العيش المشترك؛ وهو ما يمكن أن يشكل كذلك نموذجا لتقديمه وتسويقه إلى العالم على اعتبار أن المجتمعات الغربية على سبيل المثال تعاني من العديد من الأمراض المجتمعية التي نتجت عن غياب عنصر التضامن وافتقارها إلى نموذج تضامني بين أبناء الوطن الواحد”.
وسجل المتحدث ذاته أن “ما دعا إليه الملك محمد السادس هو رسالة إلى الشعب المغربي للتمسك بهذه القيم المتجذرة ومشروع مجتمعي لبناء مغرب الغد؛ ذلك أن ما يضمن وحدة المجتمع المغربي وصلابته ويقوي مناعته في مواجهة كل التحديات هي القيم المغربية التي أشار جلالته إلى بعضها والتي تجد لها جذورا في التاريخ، فبفضل التضامن بين المغاربة استطاعوا أن يواجهوا الأطماع الاستعمارية التاريخية في بلادهم ويوحدوا جهودهم للتصدي لها وصولا إلى حصولهم على الاستقلال”.
لحمة مغربية متجذرة ورسالة قوية
من جهته، قال محسن بن زاكور، الأستاذ المتخصص في علم النفس الاجتماعي، إن “تأكيد الملك محمد السادس على موضوع الهبة التضامنية، التي كانت نتاجا بحتاً للقيم المغربية على هامش زلزال الحوز، أوضح كيف أن “تمغرابيت” بحر ممتلئ وممتد في تأصيلنا وتكويننا الثقافي وتربيتنا اليومية”.
وأوضح بن زاكور، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “رسالة الملك واضحة وقوية بعثها إلى شعبه ليؤكد أن كل التشكيك الذي كلناه للقيم المغربية بعد الرقمية كان مجرد تصورات محدودة”، مسجلا في الصدد ذاته أن “المؤسسة الملكية كانت دائما تقوم بوظيفتها في صيانة القيم المغربية، وتعبر عن ذلك كل الخطب الملكية والبروتوكولات التي تصاحبها”.
وسجل المتحدث ذاته أن “الخطاب الملكي لم يكن متوجها إلى الأفراد، بل أيضاً إلى المؤسّسات حتى تحافظ على منظومة القيم التي نتمتع بها، والتي كانت دائما آلية للتعايش جنّبت المغرب النعرات العنصرية والطائفية”، لافتا إلى أن “قوة هذه الرسالة نابعة من المكانة الاعتبارية التي يحتلها الملك في وجدان كل مغربي؛ وبالتالي هي رسالة مشتركة لتحصين القيام، موجهة إلى المدرسة والأسرة والفن والإعلام، لكي تقوم كل جهة بوظيفتها والاشتغال من زاويتها بما يخدم القيم التضامنية المغربية”.
وأكد المتحدث أن “حقيقة الإنسان وعقيدته ومعدنه الحقيقي لا يظهر بجلاء إلا خلال الأزمات، وهذه حقيقة معروفة في تاريخ الإنسانية، وهذا ما أبداه المغاربة للعالم وعاد الملك للتأكيد عليه، لضمان استدامة هذه الأعراف التي حافظ عليها أجدادنا ووصلتنا بأمانة لننقلها بحرص إلى أبنائنا”، مبينا أن الملك يخبرنا أن خلاصنا في التلاحم والإخاء والتعاون، وأن مصلحة الفرد من مصلحة الجماعة؛ ذلك أيضا ما أخبرتنا به القيم المغربية الأمازيغية كـ”التويزة”، على سبيل المثال.
وتمنى المتخصص في علم النفس الاجتماعي، في ختام تصريحه لهسبريس، أن “تلتقط الفعاليات بكل تلاوينها هذا الخطاب الملكي بما يخدم القيم المغربية ويساهم في انتعاشها، لأنها تراث لامادي حقيقي نستطيع أن نفتخر به أمام العالم”، مسجلا أن “العالم كله عبر عن تقديره للمغاربة بعد التضامن، ولم تتوقف حتى الآن الإشادات القادمة من هنا وهناك؛ لكن الإشادة الملكية لها طعم خاص، فهي تفصح عن التكامل بين العرش والشّعب وعن التكافل بين المغاربة، وعن معنى أن تكون مغربيا في عالم ملتبس”.
قد يهمك أيضا
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر