على امتداد 20 سنة من الحكم، كان من اللافت حجم النقلة الاجتماعية والاقتصادية التي حققها المغرب خلال عهد الملك محمد السادس، فموازاة مع المنجزات التي بصمت حياة المغاربة، غير العاهل المغربي من تواصل وتسويق المؤسسة الملكية للمنجزات المغربية، وبصم على طابع خاص به على مستوى تعامله مع وسائل الإعلام الدولية، وكذا في تعاطيه مع خصوصيات العائلة الحاكمة.
جريدة هسبريس الإلكترونية رصدت من خلال خبراء ومحللين التغييرات التي طبعت تواصل الملك محمد السادس على مدار 20 سنة من الحكم، خصوصا في علاقتها بالخطب الملكية والعلاقات الخارجية والشخصية مع مختلف الفاعلين الذين انفتحوا على عاهل البلاد؛ فضلا عن بروز عامل جديد في آلية التواصل..يتعلق الأمر بالمواقع الاجتماعية ومدى استفادة الملك منها.
أسلوب جديد
قال مصطفى الطوسة، إعلامي ومحلل سياسي مقيم بفرنسا، إنه "بالمقارنة مع المرحوم الحسن الثاني، أحدث الملك محمد السادس قطيعة في عملية تواصل المؤسسة الملكية مع مختلف وسائل الإعلام الوطنية والدولية؛ ففي وقت كان الحسن الثاني يحبذ الحوارات الصحافية ويستلطف تقنية الندوة الصحافية المفتوحة، اختار محمد السادس أسلوبا جديدا وخاصا به في عملية تواصله مع مختلف الفاعلين الإعلاميين والسياسيين".
اقرأ أيضا
أنباء عن إسقاط مجموعة من رؤساء الجهات مباشرة بعد خطاب العرش المغربي
وأضاف الطوسة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "الميزة الأساسية التي طبعت الأسلوب الملكي الجديد طوال العشرين سنة الماضية هو التواصل عبر أفعال ومشاريع تكون بالأهمية بمكان، تتحدث عن نفسها وتضمن عملية تواصلها؛ فعوض الخوض في حوارات إعلامية تقليدية اختار الملك إستراتيجية بلورة المشاريع التنموية المهيكلة التي تحمل في طياتها الخيارات السياسية والاقتصادية التي يريد هو ومن ورائه المؤسسة الملكية إنزالها وإيصالها إلى الرأي العام المغربي والدولي".
وأوضح المتحدث ذاته أنه "طوال هذه السنوات كان الرهان التواصلي ليس على الخطاب الإعلامي المقنن، بل على إطلاق وإنعاش مشاريع اجتماعية واقتصادية تكشف النقاب عن السياسة التي يريد الملك تفعيلها"، مشددا على أن "الملك أبقى على الإستراتيجية التواصلية للخطب التي يلقيها بمناسبة الأعياد الوطنية والدينية، لكنه أضفى عليها قيمة مضافة، إذ يحول مناسبة الخطاب إلى حدث جديد ومقاربة جديدة تعطي نقلة نوعية للحياة السياسة المغربية؛ إذ يأتي دائما بجديد يتلاءم مع اهتمامات المغاربة الآنية".
وختم الخبير في الإعلام والتواصل تصريحه بالقول: "بما أن الملك محمد السادس ابن عصره كان من المستحيل أن يبقى بعيدا عن الشبكة العنكبوتية التي تنشر الصورة والمعلومة بحرية تامة وبسرعة خيالية"، مشيرا إلى أن "الملك تفاعل واستعمل شبكات التواصل الاجتماعي في عملية تواصلية في إطار سياسية القرب مع المواطنين"، وزاد: "تؤكد يوميا شبكات التواصل الاجتماعي الشعبية التي يحظى بها محمد السادس لدى الشباب المغربي المستهلك لهذه الوسائل التواصلية، ومدى حبهم وتعلقهم بشخصه وأسلوبه في إدارة المؤسسة الملكية".
تواصل "ليدرشيب"
أورد محمد عبد الوهاب العلالي، أستاذ التواصل بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، أن "من الصعب سوق تقديم شامل لكل المرحلة، لكن بعض العناصر الأولية تكشف معالم تواصل المؤسسة الملكية الداخلي والخارجي"، ملاحظا "غلبة أسلوب التواصل الميداني المباشر الذي يقوم به الملك من خلال مجمل الأنشطة المخولة له دستوريا، سواء تعلق الأمر بمستوى السلطة الدينية أو السلطة التنفيذية والسلطة القضائية والسلطة التشريعية والمجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية".
وأضاف العلالي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "هناك خطة أخرى تميز بين السياقات والمقامات، وذات أهداف محددة ومعرفة بخصوصية الواقع الذي تتعامل معه، لكن شكل تواصل الفعل المرتبط بهاجس التنمية والتحديث يبقى متأثرا بتناقضات الفجوة الاجتماعية التي تكشف عن محدودية المشاريع الكبرى في جعل ثمار التنمية تطال الشرائع الواسعة من المجتمع، وتعبر عن إحساس فعلي للمواطن العادي بثمار المشاريع الكبرى والأوراش القائمة في المكان".
وأوضح الأستاذ الجامعي أن "أسلوب الحسن الثاني ليس هو نفسه أسلوب محمد السادس، مع الاختلاف في السياقات والظروف السياسية والاجتماعية وأيضا، خصوصا على مستوى انتشار وتطور تكنولوجيا المعلومات والاتصال"، مستدركا: "لكن على اختلاف أسلوب الرجلين فإن الغايات تبقى نفسها"، ومسجلا أن "تواصل الملك محمد السادس تلخصه ثنائيات، منها التواصل البروتوكولي المعتمد على التقاليد مقابل أسلوب التعبير الإشاري والرمزي بالصورة خارج متطلبات البروتوكولات الرسمية".
وأردف العلالي، "هناك أسلوب التواصل الحضوري المباشر عبر أفعال مرتبطة ببرامج التنمية والتحديث، مقابل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، هذا إضافة إلى القطع مع التقاليد العتيقة لتواصل القصر في ما يتعلق بالحياة الخاصة للملوك العلويين، كما رأينا ذلك منذ بداية العهد الجديد"، مسجلا كون تواصل الملك على الصعيد الخارجي "يعبر عن أنه تواصل قائد (ليدرشيب) يسوق على نحو فعال لعلامة "المغرب" على نحو متميز؛ وهذا ما يلامس في أنشطته الخارجية في حضوره في المنتديات الدولية الكبرى مع كبار شخصيات أو في جولاته الكبرى والمتعددة بالقارة الإفريقية ومناطق أخرى من العالم، إضافة إلى أشكال تواصل مع فنانين ورياضيين وشخصيات عامة".
قد يهمك أيضا:
المغرب على سكّة الحداثة خلال 20 سنة من حُكم الملك محمد السادس
المغرب يتحول إلى أول قطب صناعي ومينائي بأفريقيا في عهد محمد السادس
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر