تونس ـ كمال السليمي
خلفت إقالة عثمان الجرندي، وزير الشؤون الخارجية التونسية، جدلا واسعا داخل الأوساط السياسية، التي تساءلت عن أسبابها في هذا الظرف الدقيق الذي تعيشه البلاد، خصوصا أن الجرندي يعتبر في نظر كثيرين من الوزراء المقربين للرئيس سعيد. وعلق الجرندي، الذي أصبح رابع وزير يُقال من منصبه منذ مطلع العام، على القرار الرئاسي قائلا: «كلنا عابرون، وتبقى تونس شاهدة على من أحبها وأخلص لها»، مضيفا «اليوم انتهت مهامي كوزير
للشؤون الخارجية، بعد ثلاث سنوات وفي ظرف دقيق، كانت بوصلتي الوحيدة مصلحة تونس العليا... وسأظل حيثما كنت في خدمة هذا الوطن».
في المقابل، علقت بعض الأصوات المقربة من الرئيس سعيد على الإقالة بقولها: «أخيرا رحل عثمان الجرندي غير مأسوف عليه... الوزير النائم كما يلقّبه البعض، والذي لم يراكم غير الفشل طيلة فترته على رأس وزارة الخارجيّة في كل الملفات المهمة تقريبا». بينما قال مراقبون إن أطرافا ذات تأثير على الرئيس التونسي قد تكون هي التي دفعت نحو إقالته من منصبه. لكن بعض السياسيين أوضحوا أن هذه الإقالة جاءت بعد اتصال أجراه الجرندي مع نظيره بالنظام السوري، فيصل المقداد، رغم أن الجرندي قال في تغريدة في وقت سابق أول من أمس إنه اتصل هاتفيا بنظيره السوري، بعد أن أذن الرئيس سعيد بتوجيه مساعدات إلى سوريا وتركيا بعد الزلزال هناك. أما الرئاسة فلم تذكر من جهتها أسباب هذا القرار، الذي يطال للمرة الأولى وزارة سيادية.
وفي تعليقها على تعيين نبيل عمار، بدلا من الجرندي، أبدت جهات سياسية حماسة لتعيينه، مشيرة إلى الإجماع حول كفاءته، خصوصا أنه شغل منصب سفير تونس في بروكسل ولندن، ومدير عام لشؤون أوروبا والاتحاد الأوروبي والمتوسط، وكان مديرا للعلاقات متعدّدة الأطراف مع الدول الأفريقيّة. وتوقعت أن تستعيد تونس بهذا التعيين الجديد على رأس وزارة الخارجية أهم أذرعها في مواجهة التحديات الاقتصادية.
يذكر أن الرئيس سعيد قام بإجراء تعديل على تركيبة الحكومة، هو الرابع في فترة لا تزيد على شهر، وذلك بعد إقالة وزيرة التجارة فضيلة الرابحي، وتعيين كلثوم بن رجب خلفا لها، دون الاستجابة الواضحة لطلبات المعارضة بحل حكومة نجلاء بودن بالكامل، وإجراء تعديل عميق على تركيبتها. كما أجرى سعيد تحويرا جزئيا على الحكومة، عيّن بمقتضاه محمد علي البوغديري وزيرا للتربية خلفا لفتحي السلاوتي، وعبد المنعم بلعاتي وزيرا للفلاحة والموارد المائية خلفا لمحمود حمزة، علاوة على إقالة عثمان الجرندي أول من أمس.
في غضون ذلك، دعا الرئيس سعيد إلى التصدّي لكل «من لا يزال يسعى إلى اختلاق الأزمات وبثّ الفتن والإشاعات»، وقال إن «المسؤولية اليوم والواجب هو الاستجابة لمطالب التونسيين، ولا يمكن لأي مسؤول أن يخيب آماله». داعيا في لقاء جمعه مساء أول من أمس مع رئيسة الحكومة إلى «العمل دون انقطاع لاختصار المسافات، لأنه من غير المقبول التباطؤ ولو لحظة واحدة في تنفيذ عدد من المشاريع الحكومية، ولأن كل تأخير سيزيد الأوضاع تفاقما، وسيستغله من لا هدف لهم سوى التشكيك والتآمر على الدولة والوطن»، على حدّ تعبيره.
من ناحية أخرى، قال حاتم المزيو، رئيس عمادة المحامين التونسيين، خلال افتتاح مؤتمر صحافي أمس بالعاصمة التونسية، نظم تحت شعار (حيّا يحاصرهم... شهيدا يحاسبهم)، بمناسبة الذكرى العاشرة لاغتيال شكري بلعيد، القيادي اليساري المعارض (اغتيل في 6 فبراير (شباط) 2013)، إن قضية بلعيد «أصبحت قضية وطن وقضية أمن قومي، ولن تموت لأنها مشروع إرساء دولة ديمقراطية». منوها بالمجهودات التي بذلتها هيئة الدفاع في الكشف عن بعض المعطيات المخفية، والضغط «من أجل إبقاء الملف حيا حتى يتم محاسبة من خطط ودبر ومن نفذ، ومن حاول طمس الحقائق وإخفاء بعض أدلة الجريمة السياسية»، على حد قوله.
ومن ناحيتها، أشارت إيمان قزارة، عضوة هيئة الدفاع عن بلعيد، إلى توجيه تهم إلى قيادات عليا بوزارة الداخلية في ملف «الغرفة السوداء»، وإصدار أوامر بسجنهم. وكشفت عن إضافة اسم أحد الحراس الشخصيين لراشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة، إلى قائمة المتهمين. موضحة أن هذا الحارس انتمى سابقا إلى تنظيم «جبهة النصرة»، وكان على علاقة مباشرة مع كامل القضقاضي، منفذ عملية اغتيال شكري بلعيد، وتدرب معه على استعمال السلاح، على حد قولها.
كما وجهت قزارة اتهاماتها إلى صهر حمادي الجبالي، رئيس الحكومة الأسبق والقيادي السابق في حركة النهضة، مؤكدة أنه تلقى تمويلات مالية ضخمة من الخارج، ووجهها نحو تسفير الشباب التونسي إلى بؤر التوتر.
قد يهمك ايضا
قيس سعيد يُؤكد أن القضية الحقيقية للشعب التونسي هي القضية الاقتصادية والاجتماعية
قيس سعيد يُصرح تونس تخوض معركة تحرير وطني للحفاظ على الدولة ومؤسساتها
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر