غزة - كمال اليازجي
أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة السبت مقتل 90 فلسطينياً في غارة إسرائيلية على مخيم للنازحين في منطقة المواصي في منطقة خان يونس جنوب قطاع غزة. ونددت الوزارة في بيان بـ"مجزرة بشعة"، لافتةً إلى سقوط 90 قتيلاً "نصفهم من النساء والأطفال"، إضافة إلى 300 جريح.
وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مساء السبت أن "ليس هناك تأكيد" لمقتل قائد الجناح العسكري في حماس محمد الضيف إثر استهدافه مع مسؤول آخر في الحركة في ضربة إسرائيلية بجنوب غزة.
وقال نتنياهو في مؤتمر صحافي إن "دولة إسرائيل شنت هجوماً في غزة اليوم في محاولة لتصفية محمد الضيف ومساعده رافع سلامة"، مضيفاً "ليس هناك تأكيد أنه تمت تصفيتهما". وأضاف: "في كلتا الحالتين سنصل إلى قيادات حماس بأكملها".
كما تعهد نتنياهو بمواصلة أهداف الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة حتى النهاية. وأشار إلى أن فرص التوصل إلى اتفاق لإعادة الأسرى الإسرائيليين ستتحسن من خلال زيادة الضغط العسكري على حماس.
وأضاف نتنياهو أن "تصفية قادة حماس تتيح التقدم نحو تحقيق جميع أهدافنا بنجاح. هذا الأمر يوجه رسالة ردع إلى جميع وكلاء إيران وإيران نفسها".
وتابع "منتصف ليل أمس، حين عرض علي مسؤولو الشين بيت (الأمن الداخلي) تفاصيل العملية، أردت أن أعرف ثلاثة أمور: إذا كان هناك أسرى في الأنحاء، مقدار الأضرار الجانبية ونوع الذخائر المستعملة".
وقال نتنياهو أيضاً: "في الأسابيع الأخيرة، رصدنا ثغرات واضحة داخل حماس.. وتساهم عملية اليوم في ذلك أيضاً مهما كانت نتيجتها".
واتهم نتنياهو محمد الضيف بـ"تنظيم وتنفيذ" هجوم السابع من أكتوبر "والعديد من الهجمات الأخرى".
وفيما تنتظر إسرائيل تأكيداً على مقتل الضيف، الذي إذا صح سيمنح تل أبيب «صورة نصر» انتظرتها طويلاً أثناء الحرب الحالية على قطاع غزة، نفت «حماس» الادعاءات الإسرائيلية، وقالت إن ما حدث كان مجرد مجزرة جديدة ارتكبت بحق المدنيين.
لكن بانتظار جلاء مصير الضيف، فإن نجاح هذه العملية، وهو ما يأمل به الإسرائيليون، يثير كثيراً من التساؤلات حول تداعيات ذلك على «كتائب القسام»، خصوصاً أن كثيراً من قادتها البارزين اغتيلوا منذ بداية الحرب الإسرائيلية في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، والذي بدأته «القسام» بتسلل مئات من عناصرها إلى مستوطنات غلاف غزة، ما أدى إلى مقتل وجرح وأسر المئات من الإسرائيليين.
والضيف هو القائد الثاني لـ«كتائب القسام»، وتسلّم منصبه بعد اغتيال الجيش الإسرائيلي القائد العام الأسبق لها، صلاح شحادة، في 23 يوليو (تموز) 2002. لكن الضيف يُعدّ في الواقع بنظر كثيرين مهندس قوتها العسكرية الكبيرة.
وعلى الرغم محاولات اغتياله التي لم تتوقف، وفقدانه كثيراً من مساعديه وأفراداً من عائلته، لم يتوقف الضيف مطلقاً، ومضى في تأسيس «جيش كبير»، أصبح مع السنوات، القوة الفلسطينية رقم واحد، وشكّل إلى حد ما ميزان ردع مع إسرائيل، قبل أن يفاجئها في هجوم بري وجوي وبحري في السابع من أكتوبر الماضي، في عملية قلبت المعادلات.
ومنذ السابع من أكتوبر أصبح اغتيال الضيف هاجساً إسرائيلياً، بعد 6 محاولات سابقة فاشلة.
وأدت كل هذه المحاولات ونجاة الضيف منها، وقدرته على التخفي إلى الحد الذي لم تستطع إسرائيل حتى نهاية العام الماضي في الحصول على صورة حديثة له، إلى تحوّله إلى رمز فلسطيني تجاوز دوره الوظيفي في «القسّام».
وتقول إسرائيل إن الضيف كان يقف خلف قوة «حماس» العسكرية، ويعدّ مهندس فكرة الأنفاق.
ويمكن أن يكون لغياب الضيف تأثير معنوي على «القسّام»، فلو احتفظت الكتائب بمعظم قادتها، لكانت على الأغلب ستدفع بقائد عام آخر في وقت قصير، مثلما تصرّف الضيف نفسه، عندما اغتالت إسرائيل نائبه أحمد الجعبري عام 2012، وكان يوصف بأنه «رئيس أركان (حماس)»، ويتولى قيادة «القسّام» في بعض الفترات التي كان يتغيب فيها الضيف. فقام فوراً باختيار مروان عيسى خلفاً للجعبري ضمن نظام مرن كان قد ساهم في ترسيخه في الكتائب، وهو نظام عسكري متكامل إدارياً وتنظيمياً، يقوم على 5 ألوية، يضم كل لواء منها هيئة القضاء العسكري، وركن التصنيع، وهيئة الرقابة، وركن أسلحة الدعم والقتال، وركن العمليات، وركن الاستخبارات، وركن الجبهة الداخلية، وركن القوى البشرية، وهيئة المعاهد والكليات. وفي كل لواء هناك عدة كتائب تتشكل من سرايا وفصائل وتشكيلات عسكرية وعقد.
لكن بعد السابع من أكتوبر تغيّر كل شيء، وأصبحت نجاة الضيف باعتباره الرمز، مسألة لها الأولوية، خصوصاً بعدما تعرضت قيادات بارزة، بينهم مقربون منه، لسلسلة عمليات اغتيال. ومن أبرز هؤلاء، وفق ما أعلنت إسرائيل، مروان عيسى، الذي قالت إنه اغتيل في نفق بمخيم النصيرات وسط قطاع غزة، في مارس (آذار) الماضي، وأيمن نوفل، قائد لواء الوسطى في «القسّام»، وأحمد الغندور قائد لواء الشمال في «القسّام».
وفي حال ثبت نجاح عملية اغتيال الضيف، وقائد لواء خان يونس في «القسّام»، رافع سلامة، فإن إسرائيل تكون قد قضت تقريباً معظم أعضاء المجلس العسكري، باستثناء محمد شبانة قائد «لواء رفح»، وعز الدين الحداد قائد «لواء غزة»، ورائد سعد الذي ما زال مصيره مجهولاً بعدما أعلنت إسرائيل سابقاً أنها اغتالته، ولم يتم تأكيد ذلك، ومحمد السنوار، شقيق يحيى السنوار قائد «حماس» في غزة.
ويعد الشقيقان السنوار من الأكثر قرباً للضيف، ويعتقد أنهما ما زالا حيين.
وفي ظل كل هذه الاغتيالات والعمليات التي طالت أيضاً 14 قائداً من قادة الكتائب في مختلف مناطق قطاع غزة، إضافة إلى نوابهم وقادة سرايا ووحدات قتالية، وقيادات ميدانية، وعلى فرض أن الضيف قُتل ونجا الشقيقان السنوار، فإن مصادر في «حماس» تقول لـ«الشرق الأوسط» إن محمد السنوار يُحتمل أن يكون قائد «القسّام» المقبل.
وقالت مصادر من «حماس» إن مستقبل قيادة الكتائب سيكون بيد المكتب السياسي، ووفق الوضع الميداني الذي ستحدده الظروف، ولكن مع استمرار الحرب ستبقى الأوضاع على ما هي عليه، ضمن طريقة عمل متبعة منذ الشهر الرابع للحرب، وهي أن يقود كل لواء منطقته ضمن نطاق التدرج الهرمي، من قائد اللواء في حال بقي على قيد الحياة، أو من ينوبه، وصولاً إلى قادة السرايا والوحدات والفصائل والمجموعات والعقد العسكرية المختلفة.
ورجحت المصادر أن يسيّر محمد السنوار أعمال المجلس العسكري في حال تأكد نجاح اغتيال الضيف.
وأضافت: «هناك تدرج هرمي واضح في عمل الكتائب، واغتيال الضيف أو أي قيادي آخر لن يؤثر على مسار إدارة المعركة، وهذا ما يظهر جلياً حتى بعد اغتيال قيادات بارزة سابقة».
وفقدت «حماس» لسنوات طويلة كثيراً من قياداتها السياسيين والعسكريين، من بينهم أحمد ياسين، مؤسس الحركة، وعبد العزيز الرنتيسي وإبراهيم المقادمة، وغيرهم، إلا أن ذلك لم يؤثر على قوتها في قطاع غزة.
قد يهمك أيضــــــــــــــا
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر