أعطت ميليشيات "الحوثيين" قدرًا كبيرًا من اهتمامها لاستثمار الأموال التي نهبتها في شراء الأراضي والمباني والمزارع في محافظة الحديدة الساحلية، وفي مناطق السهل التهامي، من أجل تكريس نفوذها الاستراتيجي، وتسخير العقارات المشتراه لتخزين الأسلحة الإيرانية المهرّبة عبر البحر وتحويل بعضها إلى ثكنات طائفية. وفيما كشفت الأسابيع الأخيرة عن حجم الهلع المتصاعد لدى قادة الجماعة بسبب تحرير أول مديريتين جنوب المحافظة، من قبل القوات الشرعية والتحالف الداعم لها، جعل ذلك الميليشيات تلحّ على استنفار مجنديها وتكثف تحركاتها الميدانية تعبيرًا عن مدى الاستماتة في الدفاع عن المحافظة، على الرغم من الرفض الشعبي الطاغي لوجودها الطائفي في أوساط السكان.
وأعلن ناشطون في محافظة الحديدة، أن عناصر الميليشيا الانقلابية عملوا خلال 3 سنوات من الانقلاب على شراء مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية وغير الزراعية على امتداد مناطق الساحل التهامي، مستغلين حاجة السكان إلى السيولة النقدية وارتفاع معدلات الفقر في المحافظة. وكشفت المصادر، أن عناصر الجماعة، استولوا على مساحات واسعة من الأرض بمحاذاة شاطئ البحر، إضافة إلى مزارع جاهزة من المانجو والنخيل في مختلف أرياف الحديدة الشمالية والجنوبية، حيث تحولت هذه المزارع إلى مخازن أسلحة ومعسكرات تدريب لعناصر ميليشيا الجماعة.
وحسب ما كشفته المصادر، دفعت الجماعة بأتباعها لشراء العشرات من العمارات السكنية والمنازل والعقارات الأخرى في مدينة الحديدة، حيث باتت أماكن لسكن الميليشيات ومراكز للتعبئة الطائفية ولحشد المجندين، تحت غطاء الاستثمار التجاري، ولأن غالبية السكان في الحديدة يرفضون الوجود الحوثي المفروض بقوة السلاح والبطش، فإنهم يمتنعون عن الانخراط في صفوف الميليشيات، كما تقول المصادر، ما يجعل الجماعة تعمل على استقدام الموالين لها طائفيًا من المحافظات الأخرى، وبخاصة من حجة وصعدة وصنعاء والمحويت.
وأدت حالة الثراء الفاحش التي ظهرت على عناصر الميليشيات في المحافظة إلى زيادة حالة النقم والسخط بين السكان الذين تقول عنهم المصادر إنهم يتوقون إلى الإسراع بالحسم العسكري من قبل الحكومة الشرعية والتحالف العربي، من أجل أن يستعيدوا سجيتهم في الحياة الآمنة البعيدة عن قيود المذهبية والطائفية التي تجتهد الجماعة لفرضها عليهم.
وأكد كاتب عقود قانونية في مدينة الحديدة، أن أغلب عقود البيع التي قام بتوثيقها في السنوات الثلاث الأخيرة تعود لعناصر حوثية، قاموا بشراء العشرات من المنازل والمباني السكنية والتجارية، في ظل حالة من التلهف والإصرار لديهم على شراء أي عقار يتم التركيز عليه، مقابل أي ثمن يُطلَب منهم، على حد تعبيره. ويكشف هذا الإصرار واللهفة على شراء العقارات والأراضي والمزارع، عن حجم الأموال الضخم التي أصبحت في يد الجماعة الانقلابية جراء نهب موارد المؤسسات الحكومية والاحتياطي من العملتين المحلية والأجنبية في البنك المركزي اليمني، طبقا لما تقوله الحكومة الشرعية.
وفي السياق نفسه، أشارت مصادر محلية، إلى وجود حالة متصاعدة من الهلع والخوف في أوساط الميليشيات جراء تقدم القوات الحكومية المسنودة بالتحالف العربي إلى جنوب المحافظة وسيطرتها حتى الآن على مديرتي الخوخة وحيس، وهو الأمر الذي عبّرت عنه الجماعة بتكثيف الزيارات الميدانية لكبار قادتها إلى مناطق ومديريات الحديدة، أملاً في استقطاب الأتباع مقابل دفع الأموال والوعود برواتب شهرية لمن يلتحق بالميليشيات.
ويذكر ناشط حقوقي أن خسائر الميليشيات في الشهرين الأخيرين في أرواح عناصرها بلغت مستويات غير مسبوقة، إذ لا يكاد يمر يوم -على حد قوله- دون أن يشاهد السكان السيارات العسكرية وهي تحمل العشرات من القتلى والجرحى الذين دفعت بهم الجماعة لإمداد عناصرها في مديريات "باجل والتحيتا وزبيد والجراحي"، حيث يسقط أغلبهم في ضربات محكمة لطيران التحالف أو في مواجهات مباشرة مع القوات الحكومية في أطراف الجراحي. ويرجح مراقبون يمنيون، أن ميليشيا الحوثي تستميت للدفاع عن الحديدة، دون أن تبالي بحجم خسائرها، لعدة اعتبارات، أهمها إيرادات ميناء الحديدة الضخمة، وهو ثاني أكبر ميناء يمني، إلى جانب حرصها على بقاء وجودها البحري لتهديد الملاحة في البحر الأحمر، وكذا استغلال الشواطئ الممتدة لتهريب الأسلحة والذخيرة، ونقلها إلى مخازنها السرية ومخابئها في المزارع والعقارات التي قامت بشرائها.
وعكست الميليشيا استماتتها في الدفاع عن الحديدة، عبر آلتها الإعلامية الضخمة، التي خصصت معظم مساحاتها خلال الأسابيع الأخيرة لاستثارة الأتباع وحشد المقاتلين إلى جبهة "الساحل الغربي"، وهي المساحة الإعلامية التي لم تخصصها الجماعة للحشد إلى جبهات "صعدة" على سبيل المثال، رغم أنها المعقل الرئيس للميليشيات وزعيمها، الذي بات مطوقاً من جهاته الأربع بقوات الشرعية.
وكانت الجماعة قد رفضت مقترحاً للمبعوث الأممي السابق إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، بتسليم ميناء الحديدة إلى إدارة محايدة تقوم بتوريد عائداته المالية إلى البنك المركزي اليمني في عدن، مقابل قيام الحكومة الشرعية بدفع رواتب الموظفين في مناطق سيطرة الجماعة.
ويتوقع ناشطون في محافظة الحديدة التي توصف بأنها السلة الغذائية لليمن، لجهة نشاطها الزراعي وإيرادها المالي، أن يؤدي السخط العام الرافض للميليشيات في أوساط السكان إلى التسريع بتحريرها، إذا ما استمرت العمليات العسكرية للجيش والتحالف العربي بنفس الوتيرة التي أدت إلى تحرير أول مديريتين، وهما "الخوخة" و"حيس" جنوبي المحافظة.
وفي السياق العسكري، تصدت قوات الشرعية اليمنية بدعم من التحالف لمحاولات تسلل لميليشيات الحوثي باتجاه مديرية حيس بجبهة الساحل الغربي وكبدت الميليشيات خسائر فادحة، مضيفة أن القوات وبإسناد من التحالف بدأت بالتقدم على محاور عدة لتحرير المناطق الساحلية من قبضة الميليشيات. وكانت مصادر يمنية قد أفادت في وقت سابق بأن قوات الجيش اليمني، تستعد لإطلاق عملية عسكرية ضخمة لاستكمال تحرير محافظة الحديدة انطلاقاً من النقطة التي ترابط فيها القوات حالياً في أطراف مديرية "الجراحي" على بعد نحو 100 كيلومتر، جنوب المدينة ومينائها الاستراتيجي. وعلى نحو متصل بتطورات الأوضاع في المحافظة، واصلت أمس السلطات الحكومية الشرعية جهودها الرامية لإعادة ترتيب الجوانب الأمنية والعسكرية والإدارية في المديريتين المحررتين، وتطبيع الأوضاع فيهما.
وأفادت المصادر الرسمية بأن محافظ الحديدة الحسن طاهر، عقد اجتماعًا لمناقشة "آلية العمل العسكري والأمني لقيادة محور الحديدة، وإدارة الأمن والقوات الخاصة للمحافظة، وأهمية توفير مرتبات منتسبي الأمن والجيش من أبناء المحافظة تزامناً مع قرب تحرير ما تبقى من مديريات الحديدة خلال الفترة المقبلة". وذكرت وكالة "سبأ" الحكومية أن "الاجتماع ضم القائم بأعمال قائد محور الحديدة العقيد إبراهيم معصلي، ونائب مدير الأمن قائد القوات الخاصة المقدم صادق عطية، وعدد من مديري الإدارات العسكرية والأمنية".
وناقش الاجتماع، طبقاً للوكالة "إعادة تفعيل مؤسسات الجيش والأمن في المديريات المحررة وتوفير مقرات ومعسكرات استقبال خاصة بقيادة محور الحديدة وإدارة الأمن والقوات الخاصة، واعتماد موازنات تشغيلية وتشكيل الوحدات الأمنية والعسكرية وتعزيز وتفعيل إدارتي أمن مديريات حيس والخوخة".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر