عملت المملكة المغربية، في السنوات الأخيرة، على تقوية حضورها الاقتصادي في عدد من الدول الإفريقية منها والأمريكية، من خلال دعم الأنظمة الزراعية لهذه البلدان ومساعدتها على تحقيق أمنها الغذائي عبر تزويدها بالأسمدة التي ارتفع الطلب العالمي عليها جراء تداعيات الحرب في أوكرانيا، خاصة أن الرباط تستحوذ على حوالي 70 في المائة من احتياطات الفوسفاط على الصعيد العالمي.
في هذا الصدد، قال زكرياء الغميري، سفير المغرب لدى تنزانيا، إن “الرباط ستواصل العمل مع الحكومة التنزانية لتطوير قطاعها الزراعي وجعله منتجا بحلول عام 2030″، مشيرا إلى أن “المكتب الشريف للفوسفاط ينشط في هذه الدولة الإفريقية منذ سنة 2017″، حسب ما أفادت به صحيفة “موانانشي” التنزانية.
المصدر عينه نقل عن الدبلوماسي المغربي تأكيده على أن “الرباط ستعمل على مد تنزانيا بما يكفي من الأسمدة لزيادة محاصيل المزارعين التنزانيين وتحسين دخلهم”، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن “العام الجاري سيعرف إطلاق عمليات لاختبار التربة من خلال أربعة مختبرات متنقلة يشرف عليها المكتب الشريف للفوسفاط في مناطق مارا وتابورا وجيتا وكاجيرا، بهدف تدريب أكثر من 45 ألف مزارع تنزاني”.
الصحيفة ذاتها نقلت عن أدولف مكيندا، وزير التعليم والعلوم والتكنولوجيا في الحكومة التنزانية، قوله إن “المغرب وتنزانيا لديهما أجندات وتحديات مشتركة فيما يتعلق بقضايا المناخ والاقتصاد”، مشيرا إلى أن “الرئيسة التنزانية سامية سولو حسن والملك محمدا السادس يتقاسمان نفس الرؤى بخصوص التنمية الاقتصادية لمواطني الدولتين”، مؤكدا في الوقت ذاته “عزم بلاده على مواصلة العمل مع الرباط لخلق شراكة استراتيجية تدفع بأجندة التنمية إلى الأمام”.
في السياق نفسه، كان رالف غونسالفيس، الوزير الأول لدولة “سان فانسون وغرونادين” بمنطقة البحر الكاريبي، قد أكد بدوره، على هامش زيارته الأخيرة التي قادته إلى الرباط، أن “هذه الأخيرة ستزود مزارعي بلاده بـ500 طن من الأسمدة بشكل سنوي عوض الـ150 طنا الحالية”.
إدريس العيساوي، خبير اقتصادي، قال إن “المملكة المغربية عملت على تطوير أسس تعاون مشترك مع عدد من الدول، خاصة في القارة الإفريقية، وفي عدد من القطاعات؛ أبرزها القطاع الزراعي، حيث تعمل مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط على توريد الأسمدة إلى هذه الدول، خاصة تلك التي يعتمد اقتصادها بالأساس على الزراعة على غرار تنزانيا ومالاوي وكينيا، إضافة إلى تزويد مزارعي هذه الدول بالتقنيات اللازمة لتحسين إنتاجيتهم”.
وأضاف الخبير عينه أن “الرباط ملتزمة، في إطار سياستها الاقتصادية القائمة على تعزيز التعاون بين البلدان في إطار المصالح المشتركة، بتصدير كميات مهمة من هذه الأسمدة إلى هذه الدول، خاصة في ظل أزمة الغذاء العالمي التي تجعل من الأسمدة المغربية وسيلة ضرورية لتحقيق هذه الدول لأمنها الغذائي وبالتالي التنمية الاقتصادية والاجتماعية”.
و خلص أن “التعاون المغربي مع الدول الإفريقية والأمريكية على هذا المستوى يعزز من موقع المملكة المغربية كمورد مهم للأسمدة باعتبارها واحدة من أكبر منتجي الأسمدة الفوسفاتية في العالم، كما يعزز هذا التعاون من النفوذ الاقتصادي للرباط خاصة على مستوى القارة السمراء”.من جهته، أورد بدر زاهر الأزرق، محلل اقتصادي، أن “الموقع الدولي للمغرب على مستوى إنتاج الأسمدة بدأ يتعزز شيئا فشيا بفعل تزايد الطلب على هذه المادة، بسبب العوامل المناخية وتدهور التربة التي تعزز من الحاجة إلى هذه المادة الحيوية سواء من طرف الأنظمة الاقتصادية الكبرى أو من طرف الدول النامية”.
“المملكة المغربية واعية بهذه المعطيات وتسعى إلى تطوير هذا القطاع والاستجابة إلى حاجيات السوقين العالمي والإفريقي من الأسمدة”، أضاف الأزرق، الذي أوضح أن “المكتب الشريف للفوسفاط أعد البرنامج الاستثماري الأخضر الذي عرض على أنظار الملك محمد السادس، والذي يسعى من خلاله إلى إعادة الانتشار في العالم وفق استراتيجية استثمارية جديدة تقوم على أقلمة الإنتاج مع خصوصيات التربة والمناخ في كل منطقة”.
وحول حضور البعد السياسي في هذا الجانب، أورد المتحدث عينه أن “الرباط لا تسعى إلى التأثير على المواقف والقرارات السياسية لهذه البلدان بتوظيف ورقة الأسمدة؛ بل إن الأمر يتعلق بتوجه اقتصادي مغربي يروم تحصيل مصالح اقتصادية مشتركة مع هذه الدول وفتح قنوات للتواصل معها”، مضيفا أن “المغرب يتعامل في هذا الصدد مع دول عديدة، على الرغم من مواقفها من قضاياه الوطنية على غرار نيجيريا”.
وخلص الأزرق إلى أن “تعزيز القوة والثقل الاقتصاديين للمملكة المغربية وتمتين الشراكات مع الدول الإفريقية أو غيرها من الدول يمكن أن ينعكس إيجابا على المصالح الاستراتيجية للرباط ويعزز من مواقفها علاقة بقضاياها ذات الأولوية؛ وبالتالي فإن الاقتصاد عموما له دور في تعزيز التوجهات السياسية للمملكة، لكن هذه الأخيرة لا تستعمل هذه الأوراق الاقتصادية من أجل مساومة الدول على مواقفها في هذه الصدد”.
قد يهمك ايضاً
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر