تضج مواقع التواصل الاجتماعي بفيديو جد معبر لرئيس الحكومة المغربية وهو ينصح المواطنين بضرورة تفادي الكمامات الواقية للوجه، فرغم أن رئيس الحكومة كان مرفوقا بوزير الصحة فقد بدا عليه المزيد من التحمس وكثرة الإطناب والارتجاج في الكلام السطحي والمتسرع والسابق عن أوانه، ولم يعط الكلمة للوزير المتخصص كي يقدم التفاصيل الضرورية ويتحمل مسؤوليتها.
ولا يمكننا ان نتنبأ بحال رئيس حكومتنا، وهو يتمعن في البلاغ المشترك، الصادر يوم أمس، عن عدة وزارات تدعو فيه المواطنين إلى إلزامية حمل الكمامات الواقية، تحت طائلة إنزال عقوبات قاسية على كل من خالف التعليمات، قد تصل إلى السجن. يتداول رواد شبكات التواصل الاجتماعي منذ أمس فيديو الاجتماع وزاري يظهر فيه العثماني بدون كمامة، ما يعني أن رئيس حكومتنا يرفض الكمامة ويقول :”وخا طارت معزة”.
والحالة هذه، إن رئيس أقوى دولة في العالم، دونالد ترامب، يمثل أمام الرأي العالمي يوميا، في هذه الظرفية، ليتحدث عن التدابير التنظيمية التي ستتخذها بلاده، وسرعان ما يتنحى جانبا ليمنح الكلمة للمتخصصين، كي يتحدثوا عن الجوانب التقنية والطبية التي لا دراية له بها.
نحن لا نريد هنا أن نسخر من رئيس حكومتنا، كما يفعل بعض رواد التواصل الاجتماعي، الذين من حقهم الترفيه عن أنفسهم في ظل الحجر الصحي. ولكن مسؤوليتنا الاعلامية النبيلة، تلزمنا بمطالبة رئيس للحكومة بالكثير من التريث والتمهل والتأني في إصدار الأحكام والقرارات، بخصوص الأمور التي لا يفقه فيها، أو التي لم تكتمل معطياتها.
وبالرغم من أننا وجهنا النصيحة لرئيس الحكومة أكثر من مرة، بأن لا يسبق القافلة بنعليه، وبأن يجعل للسانه عقالا، ولقوله نزالا، فإنه لا يكترث بحسن النصيحة، ولا يعبأ بموطئ الصفيحة، ولذا فقد تناسلت زلاته وعلاته وعتراته، حتى أصبح كلامه جالبا للسخرية والاستهثار، وهي أمور تتناقض مع أصول القيادة والحكم، ومع ما تتطلبه من رشد وحزم.
لقد سبق لرئيس الحكومة أن سارع الخطى بما لا يقل عن سرعة القطار فائق السرعة، فطالب أبناء جاليتنا في إيطاليا بالعودة إلى وطنهم، متى أرادوا، بالرغم من أن إيطاليا كانت حينها تتمرغ في ويلات العدوى والأوبئة. ولم يكلف العثماني نفسه لحظة قصيرة، كي يغير النصيحة بأحسن منها، فيطالبهم بالبقاء تحت الحجر الصحي لمدة أسبوعين، قبل التوجه إلى وطنهم.
وهاهو رئيس الحكومة يعود إلى عاداته وهواياته في الكلام غير النافع، في زمن الأزمة، فيستفرد بالكلمة طويلا أثناء انعقاد مجلس الحكومة، كي يتحدث عن أمور متجاوزة من جهة، وعن معطيات لاكها الإعلام طويلا، قبل أن تصل إلى مجلس الحكومة يوم أمس، علما أن الحكمة كانت تقتضي افتتاح المجلس، بما قل ودل من الخطاب، وإعطاء الكلمة لوزير الافتصاد والمالية، كي يقدم المرسوم، ثم المصادقة عليه، واطلاق سراح الوزراء، لأن الدقيقة في زمنهم الحالي، تساوي عشرات الساعات.
لن نطيل في توجيه الرشد والإرشاد إلى رئيس حكومتنا، ما دام لا يسترشد بالكلام، ولا يستنصح بحسن التوجيه، وما دام لم يختر طريق المتريثين، وفضل بديلا عنها طريق المريثين، والمريث عند العرب هو من افتقد بعد النظر.
يذكر طلبة كلية الطب بالبيضاء أن سعد الدين العثماني كان يدرس طب النفس، وأنه تسرع مرة في الجواب، فتدخل الأستاذ الدكتور الموساوي لتوجيهه، إلا أن نزيلة بالمستشفى كانت تعاني من بعض الاضطرابات، استبقت الأستاذ، ووجهت للطالب حينها، بما لم يستطع الأستاذ قوله، وبما لن يستطيع الطالب بعدها نسيانه.
وأخيرا، وكما تحفظت عن ذكر حكاية العثماني الطالب بكامل تفاصيلها، ولأنني محب لمؤسساتنا الوطنية، وأشفق كثيرا على حال رئيس حكومتنا في هذه الأيام، فلن أطيل بدوري الكلام، وأترنح جانبا لأترك له حرية البحث، في ظل حجره الصحي، عن أسباب قول هذه الأبيات:
لَعَلّي إِن دَعَوتُكَ مِن قَريبٍ
إِلى خَيرٍ لِتَأتيهِ تَريثُ
فَتَقْنَعُ بالقليلِ تَرَاهُ غُنْمًا
وَتَكْفِيكَ المُثَلَّثَةُ الرَّغُوثُ
قد يهمك ايضا :
رئيس الحكومة المغربي يرأس اجتماعًا لاتخاذ إجراءات تخص حالة الطوارئ
ارتباك بين المواطنين حول حقيقة تمديد حالة الطوارئ الصحية في المملكة
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر