أثارت عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي جدلًا واسًعا بشأن العديد من القضايا، ولكن حين يتعلق الأمر بالاقتصاد تظهر العديد من المشكلات وبالتحديد الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة التابعين للاتحاد الأوروبي، وهل ستبقى بريطانيا عضوًا فيهما أو ستتركهما وفقًا للبريكست.
تيريزا ماي تطمئن مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد
وأُجُبرت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي على طمأنة مؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بأن بريطانيا ستغادر الاتحاد الجمركي للاتحاد الأوروبي، وذلك مع تزايد التكهنات خلال عطلة نهاية الأسبوع بأن ماي قد تتراجع عن وعد، وبالتالي اضطر المتحدث باسم الحكومة أن يعيد التأكيد على الالتزام، قائلًا" ما تزال الحالة نفيها التي نصت عليها الحكومة كما وردت في خطاب القصر، وهي أن بريطانيا ستغادر الاتحاد الجمركي".
ويعود سبب المشكلة إلى أن الحكومة لم تتحدث عن مغادرة الاتحاد الجمركي في بروكسل، وقدمت ماي حلين من شأنهما أن يمكناها من حل الأزمة الأيرلندية، والخيارات الصعبة الثلاثة المتمثلة في وعودها المتناقصة في عدم إلحاق الضرر باتفاقية الجمعة العظيمة، أو وضع حدود جمركية في البحر الأيرلندي، وترك السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي وفي نفس الوقت الاتحاد الجمركي.
وأوضح مسؤولو الاتحاد الأوروبي لأولي روبنسون، كبير مفاوضي السيدة ماي، أن أي حل من حلول السيدة ماي بما في ذلك الشراكة الجمركية الجديدة أو التسهيلات القصوى "MaxFac" ستكون كافية لتجنب الحدود الصعبة.وإذا كانت السيدة ماي تمضي قدمًا في قرارها بعد الدخول في اتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي، فما هي عواقب ذلك، ومن سيقف للفوز وللخسارة في معظم المعارك المقبلة؟.
الحزب الوحدوي الديمقراطي الأيرلندي
وإذا قررت ماي ترك الاتحاد الجمركي، وعدم العودة للحدود الصعبة بين أيرلندا الشمالية وأيرلندا، فإن النتيجة المنطقية ستكون حدودًا للسلع في البحر الأيرلندي، إن المشروع الحالي لبروتوكول الدعم الخاص بأيرلندا واضح وهو أن "إقليم أيرلندا الشمالية يجب اعتباره جزءًا من المنطقة الجمركية للاتحاد الأوروبي".
ويرفض المفاوضون في المملكة المتحدة هذا الأمر ويصفونه بأنه غير مقبول، ولكن إذا تركت المملكة المتحدة الاتحاد الجمركي فمن الصعب أن نرى قانونًا يجنب هذه المشكلات، ومن الواضح أن الاتحاد الأوروبي لن يغض الطرف عن التجار الصغار، ولا يعتقد أن مخططات التاجر الموثوق به يمكنها سد الفجوة، ومن جانبها، فإن الحزب الاتحادي الديمقراطي، الذي يدعم حكومة السيدة ماي في ويستمنستر، قد ألقى الضوء على تطبيق الضوابط على الحدود بين الشمال والجنوب، والتي أصبحت الآن حدودًا خارجية للاتحاد الأوروبي.
ويجادل الأيرلنديون بأن هناك بالفعل حدودًا للعملة والضريبة، ولا ينبغي التخوف من عمليات الفحص الإضافية، ووصف سياسيون من الحزب الاتحادي الديمقراطي "اقتصاد كل الجزر" بأنه "أسطورة قومية"، وكما تبين في كانون الأول /ديسمبر، رفض أرلين فوستر، زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي، تأييد صفقة أشارت إلى حدود في البحر الأيرلندي، وبالتالي فإن مثل هذه النتيجة تخاطر بزعزعة التوازن السياسي لحكومة ماي وإيرلندا الشمالية، ومع ذلك، هناك بالفعل بعض الفحوص بين البر الرئيسي في المملكة المتحدة وأيرلندا الشمالية، على صحة الحيوان والمنتجات مثل الأسمدة التي يتم التحكم فيها لأسباب أمنية، لذا فإن حجة الاتحاد الأوروبي هي أن هذا الخط قد تم تجاوزه من حيث المبدأ.
ويبقى أن نرى كيف سيكون رد فعل مجتمع الأعمال الوحدوي على هذا، بالنظر إلى أن خروج بريطانيا الضعيف من أيرلندا الشمالية من خلال إبقائها في المنطقة الجمركية للاتحاد الأوروبي يمكن أن يجذب الاستثمار إلى الداخل.
وتصبح مسألة ما إذا كانت السيدة ماي يمكن أن تتجاوز خدعة الحزب الديمقراطي، وتبقى متواجدة، سؤالًا رئيسيًا في النقاش المقبل بشأن عضوية الاتحاد الجمركي.
اتحاد بريطانيا
وأكدت ماي أنها لن تسمح لعملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من إحباط التقدم التاريخي الذي تحقق مع أيرلندا الشمالية، ولن تسمح بأي شيء من شأنه أن يضر بسلامة الاتحاد بينهما، وتكمن المشكلة كما ظهر في ديسمبر/ كانون الأول، عندما تلاشت الصفقة المتعسفة في التقرير المشترك عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تاركة الاتحاد الجمركي، عن طريق حدود البحر الأيرلندي، والذي سيضمن الليونة بين أيرلندا والمملكة المتحدة.
وهناك من يجادلون بأن تسوية التفويض المرن بما فيه الكفاية لاستيعاب مثل هذه الاختلافات أمرًا جيدًا، ولكن الخوف هو أنه إذا ترك الاتحاد الجمركي يخلق التكاليف وتوقع خبراء الاحتكاك الحدودي، ثم خلق صفقات مخصصة لأسكتلندا، التي صوتت بنسبة 62٪ إلى 38% للبقاء في الاتحاد الأوروبي، وبالتالي يعد الأمر مخاطرة لإعادة إثارة النقاش بشأن الاستقلال.
المصنعون والمصدرون
سيسمح ترك الاتحاد الجمركي للمملكة المتحدة بتحديد تعريفتها الخاصة على السلع التي تدخل البلاد، وهذا سيسمح للمفاوضين التجاريين بالوصول إلى أسواق المملكة المتحدة للبضائع الأجنبية في مقابل الوصول إلى الأسواق الخارجية للخدمات في المملكة المتحدة، التي تمثل نحو 80% من اقتصاد المملكة المتحدة، ولكن في الوقت نفسه، فإن المغادرة ستفرض تكاليف، مما يتطلب من المصدرين في المملكة المتحدة ملء بيانات جمركية مستهلكة للوقت وإجراء تقييمات شديدة التعقيد بشأن نسبة أي عنصر معين ينشأ في المملكة المتحدة، أو ما يسمى "قواعد المنشأ".
وقال المعهد غير المتحيز للحكومات إن 180ألف تاجر سيتأثرون، مما يكلف الشركات البريطانية أكثر من 4 مليارات جنيه إسترليني في السنة، ويتكلف إعفاء جمركي واحد ما بين 20 و 45 جنيهًا إسترلينيًا وفحوص مادية للحاويات تتراوح بين 106 إلى 600 جنيه إسترليني.
وستحتاج الحكومة أيضًا إلى الاستثمار بكثافة لإجراء عمليات تحقق من هذا القبيل على الجانب البريطاني من القناة، إنها تريد التفاوض على صفقة صفرية للتعريفات الجمركية مع الاتحاد الأوروبي واستخدام خطط التجارة الموثوقة واتفاقيات النقل المشتركة للحد من الروتين الحكومي، لكن الاتحاد الأوروبي واضح بأنه لا يمكن لأي من هذه الأمور أن يلغي الحاجة إلى إجراء عمليات تفتيش على الحدود، ولن يجنب البقاء في الاتحاد الجمركي الحاجة إلى نقاط التفتيش، حيث إن العديد منها يجب أن يمتثل لقواعد السوق الموحدة.وفي حين أن تكاليف مغادرة الاتحاد الجمركي واضحة، فإن من الصعب تحديد الارتفاع في حجم التجارة العالمية المعززة.
يقول مؤيدو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إن تجارة بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي تنمو بسرعة أكبر بكثير من التجارة الأوروبية، لكنهم غالبًا ما يهملون ذكر أن 43٪ من صادرات المملكة المتحدة تدخل إلى الاتحاد الأوروبي، والذي لديها بالفعل صفقات مع العديد من الأسواق المستهدفة في المملكة المتحدة.
ولا تزال أسواق النمو، مثل الصين وكوريا الجنوبية واليابان، تشكل جزءًا ضئيلًا فقط من إجمالي صادرات المملكة المتحدة 4.8% و1.7% و1.6% على التوالي، مما يعني أن أي ارتداد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي" سيؤثر على المملكة المتحدة، وتعتقد وزارة الخزانة أن القاعدة لن تعوض تكاليف الاحتكاك الناجمة عن ترك الاتحاد الجمركي مع أوروبا.ويجب على السيدة ماي اتخاذ بعض القرارات الصعبة بشأن المعضلات الثلاثة والتي لا يمكن للجميع الخروج منها كفائزين.
وتبدأ الجولة التالية من مفاوضات الاتحاد الأوروبي بعد الثاني من مايو/ آيار، ويقول الاتحاد الأوروبي إنه سيكون هناك حاجة إلى إحراز تقدم في هذا الموضوع من قبل المجلس الأوروبي في الفترة من 28 إلى 29 يونيو/ حزيران، ولكن النتيجة غير مؤكدة إلى حد كبير، ومهما كانت النتيجة، فإن الحزب الاتحادي الديمقراطي، أو التجار البريطانيين، أو وحدة المملكة المتحدة، سيعانون إذا ما انجرفت السياسة التجارية المستقلة لمؤيدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر