لم تلق الخطوة التي أقدم عليها قايد صالح، قائد الجيش الجزائري، من إعلان شغور منصب الرئاسة بعد تكرار غياب الرئيس الجزائري المنتهية ولايته عبد العزيز بوتفليقة، واشتداد وتيرة الغضب الشعبي من عدم إعلانه التنحي، قبولاً لدى الأحزاب السياسية التي نظرت إلى الناحية القانونية التي تمنع قائد الجيش من اتخاذ مثل تلك الخطوة بقرار منفرد. ورغم ذلك تترقب تلك الأوساط السياسية القائد المؤقت المحتمل للفترة الانتقالية بشغفٍ كبير.
قال أحمد أويحيى، زعيم حزب التجمع الوطني الديمقراطي، أمس، إن بوتفليقة «يجب أن يتنحى بموجب المادة 102 من الدستور، التي تحدد إجراءات استقالة الرئيس أو إعلان أنه غير لائق للحكم». وفي غضون ذلك، دعا أهم حزب معارض في الجزائر إلى متابعة قائد الجيش قضائيا بتهمة «تدبير انقلاب» ضد الرئيس بوتفليقة. فيما أعلن «حزب العمال» اليساري عن سحب نوابه من البرلمان، في مسعى يترجم دعوة قديمة تتمثل في حل «المجلس الشعبي الوطني» (الغرفة البرلمانية الأولى) بذريعة أنه «وليد التزوير».
وقال محسن بلعباس، رئيس «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية»، أمس «لو كنا في ديمقراطية عادية لكان رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح محل متابعة قضائية، إذ ليس من حقه إصدار مواقف وتصريحات سياسية، وقد حول المؤسسة العسكرية إلى حزب سياسي». في إشارة إلى موقف قوي وغير مسبوق، صدر عن صالح، أول من أمس، عندما طالب بعزل رئيس الجمهورية بسبب مانع صحي، بناء على مادة في الدستور تتناول هذه القضية. كما أعلن صالح بالمناسبة انحيازه الكامل للحراك المطالب بتغيير النظام، بعدما ظل مدافعا شرسا عن الرئيس في خصومته مع معارضيه.
ورأى بلعباس موقف صالح بمثابة «انقلاب على مسؤوله المباشر»، الذي هو رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة، بحسب الدستور. ودعا إلى «انتخاب هيئة عليا تتوفر على كل الوسائل لقيادة مرحلة انتقالية، لأقصر مدة زمنية ممكنة»، تتكون، بحسبه، من ثلاثة أشخاص «ينبثقون حصرياً من المجتمع المدني. يتم انتخابهم من طرف أسلاك مهنية كبرى، كسلك القضاة والتعليم العالي والنقابات المستقلة. ويكتسي سن المترشحين أهمية بالغة لكسب الثقة والمصداقية، حيث يشترط أن يكون سن المترشح أقل من 60 سنة يوم الانتخاب».
وتابع موضحا: «بالإضافة إلى وظيفة الرئاسة، يتعين على الهيئة أن تشرع في مشاورات مع ممثلي الأحزاب والنقابات والشخصيات الوطنية لإقناعها، وبناء توافقات قصد تعبئة الجميع في العملية الانتقالية. والهيئة تبادر وتشرف على عملية انتقال الجيش، وتحوّله إلى مؤسسة من مؤسسات الدولة تابعة للحكومة المدنية على غرار بقية المؤسسات». مشيرا إلى أن «الدستور الجديد الذي سيعرض على الاستفتاء الشعبي، يفترض أن يحدد بدقة مهام الرئيس الجديد، وكذلك مهام الهيئات الأمنية الداخلية والخارجية. أما البوليس السياسي الذي يعد من خصوصيات الأنظمة الشمولية، فيجب حلّه نهائياً».
من جهته، أشاد «التجمع الوطني الديمقراطي»، بقيادة رئيس الوزراء المستقيل أحمد أويحيى، في بيان بـ«موقف الجيش الوطني الشعبي الداعي إلى تفعيل المادة 102 من الدستور (عزل الرئيس) للخروج من الأزمة، التي تمر بها الجزائر، فهذا الحل يجنب البلاد حالة الانسداد». وعبر «التجمع» عن «عرفانه للمجاهد عبد العزيز بوتفليقة، مناشدا الرئيس الاستقالة «بغرض تسهيل دخول البلاد في المسار الانتقالي المحدد في الدستور». يقصد رئاسة البلاد من طرف رئيس «مجلس الأمة» (عبد القادر بن صالح) لمدة 135 يوما، تنتهي بتنظيم انتخابات رئاسية.
وطالب حزب أويحيى بـ«حكومة على وجه الاستعجال لتجنب أي فراغ مؤسساتي، وأي تأويلات حول الجهاز الحكومي في هذه المرحلة الحساسة»، في إشارة إلى استحالة أن يقود رئيس «مجلس الأمة» الدولة، في ظل غياب حكومة. وعيّن بوتفليقة نور الدين بدوي رئيسا للوزراء منذ 15 يوما، لكنه عجز عن إيجاد أشخاص يقبلون الاستيزار بسبب رفض الحراك أي شيء يأتي من الرئيس.
اقرأ أيضًا:
أكبر حليف لبوتفليقة يتخلى عنه ورئيس أركان الجيش الجزائري يتخذ قرارا حاسما
وبهذا الموقف الجديد انقلب «التجمع الوطني» تماما على تصريحات مسؤوليه، علما بأن أويحيى كان أول من رحب بترشح الرئيس لولاية خامسة، وصرح من الخارج بأن «الشعب سعيد بترشح رئيسه». لكن ذلك جلب له سخطا كبيرا. إلى ذلك، أعلن «حزب العمال»، الذي ترأسه لويزة حنون، مرشحة رئاسية 2014، سحب نوابه الـ11 من البرلمان. وقال قيادي الحزب جلول جودي إن «الحراك رفع الشرعية عن كل المؤسسات، بما فيها البرلمان فاقد الشرعية».
بدوره، قال الناشط البارز بالحراك فضيل بومالة إن «تدخل قايد صالح انقلابي بامتياز، وهو مخالف لدستور النظام لأنه انتحل صفة مجلس دستورهم، وتدخل في شأن سياسي خالص يحرمه عليه الدستور ذاته. وهو أيضا مخالف لقانون الجيش الأساسي، الذي يمنع صراحة الصفة السياسية عن العسكريين، خاصة في حالة أحمد قايد صالح، الذي يتكلم بلسانين ويتغطى بقبعتين: قائد الأركان عسكريا، ونائب وزير الدفاع».
وأضاف بومالة الذي عرض عليه بدوي وزارة فرفض أن «النظام بقيادة جيشه ومخابراته وأحزابه، فيما يسمى الموالاة والمعارضة، يتهربون جميعا من الحل الجذري، ويحاولون الالتفاف على ثورة الشعب البيضاء. إنهم يخافون من تحويل إرادة الشعب إلى منظومة تأسيسية حقيقية، ينتخبها الشعب لتمكنه من كتابة دستور الدولة والجمهورية الجديدتين القادمتين، يكون بنفسه هو حاميه وسلطة الرقابة على الجميع فيه. هؤلاء جميعا يتآمرون على الشعب بآليات تقاسم السلطة والتفاوض على تفاصيلها... إنهم لا يفكرون بمنطق التأسيس لدولة قانون حديثة، أو بمرجعية الشعب وسيادته الفعلية. لكن بنزوات البقاء في السلطة، أو مشاركة عصب النظام وعصاباته فيها».
في هذا السياق، أوضح المحلل السياسي محمد صالحي أن ردود الأفعال الشعبية والحزبية «وصفت في معظمها موقف قائد الأركان بأنه جاء متأخرا جدا، وأن تفعيل المادة 102 في هذا الوقت فاته الأوان، ولم يعد ملبيا لمطالب الحراك الشعبي، الذي وضع في قائمة أهدافه رحيل النظام برموزه، بينما تفعيل هذا المقترح سيجعل من بن صالح، القيادي في التجمع الوطني الديمقراطي، رئيسا للمرحلة الانتقالية.
وبخصوص ما يثار عن «استحالة» قيادة بن صالح البلاد في المرحلة المقبلة، بحجة أن جنسيته الأصلية ليست جزائرية، الأمر الذي يمنعه الدستور، قال البرلماني الإسلامي سابقا فاتح قرد: «لا يضع الدستور ولا القانون العضوي للانتخابات أي شروط لمن يتولّى رئاسة الدولة بالنيابة. والشروط الواردة في الدستور وفي قانون الانتخابات، ومن ذلك شرط الجنسية الجزائرية الأصلية، كلّها تتعلق بمن يترشح للانتخابات الرئاسية ليصير رئيسا للجمهورية».
قد يهمك أيضًا:
حزب بوتفليقة يساند دعوة رئيس الأركان لإعلان شغور "الرئاسة"
الجنسية المغربية لخليفة "بوتفليقة" تخلق الجدل في الجزائر
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر