مدريد ـ لينا العاصي
رفض رئيس كتالونيا المُقال، كارليس بيغديمونت، ضمنًا، الاعتراف بقرار الحكومة الإسبانية عزله من منصبه بعد إعلانه استقلال الإقليم، وحضّ سكانه على إبداء اعتراض ديموقراطي على التدابير التي اتخذتها مدريد، متعهدًا متابعة العمل لـ"بناء بلد حر".واعتبر بيغديمونت الذي أقالته السلطات الإسبانية من منصبه، أن لجوء مدريد إلى تفعيل المادة 155 لإقالة السلطات الكتالونية يشكل "اعتداء مخططًا له على إرادة الكاتالونيين"، داعيًا في خطاب تلفزيوني، السبت، إلى الاعتراض الديمقراطي على تطبيق هذه المادة من الدستور الإسباني، التي تضع المنطقة تحت وصاية مدريد، ردًا على إعلان برلمان كتالونيا الاستقلال، الجمعة.
وتسعى السلطات المركزية إلى تطبيق إجراءات الحكم المباشر في كتالونيا، مدعومة بتأييد دولي واسع، لا سيّما من الاتحاد الأوروبي ودول بارزة فيه، مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا، والولايات المتحدة وكندا والمكسيك التي رفضت الاعتراف باستقلال الإقليم، مبدية مساندتها وحدة إسبانيا.
وأعلنت الحكومة الإسبانية، أن بيغديمونت والأعضاء الـ12 في حكومته قد يواجهون اتهامات باغتصاب سلطات آخرين، إذا رفضوا إطاعة قرارات مدريد التي تستند إلى المادة 155 من الدستور الإسباني، وتمكّن الحكومة من إخضاع إقليم متمرد لحكم مباشر، كما ذكرت النيابة العامة أن أبرز قياديّي كتالونيا قد يواجهون اتهامات بالعصيان.
ونظم إسبان تظاهرة وسط مدريد تأييدًا لـ "استرجاع" كتالونيا، ودعمًا لـسجن بيغديمونت وقادة الانفصاليين، معربين عن استياءهم من "ليونة" راخوي في التعامل معهم.
وقال بيغديمونت في خطاب تلفزيوني: "نحن واثقون بأن أفضل وسيلة للدفاع عن الانتصارات التي تحققت حتى اليوم هي الاعتراض الديمقراطي على تطبيق المادة 155" من الدستور الإسباني، التي لجأت إليها مدريد لإقالة السلطات الكتالونية، مضيفًا في خطابه الذي اختار عباراته بعناية: "سنواصل العمل حتى بناء بلد حر".
وظهر بيغديمونت محاطًا بعلم كتالوني وآخر أوروبي، وحملت الصيغة المكتوبة للخطاب التي وزعت تزامنًا مع بثه توقيع "كارلس بيغديمونت، رئيس الهيئة الحاكمة "جينيراليتات" لكتالونيا، واعتبر أن إقالة الحكومة الكتالونية وحل البرلمان الأقليمي، من جانب مدريد الجمعة، "هما قراران يتنافيان وإرادة مواطني بلادنا التي تم التعبير عنها في صناديق الاقتراع".
ولم يوضح بيغديمونت كيفية تبلور هذه المعارضة السلمية، لكن منذ أيام عدة تدعو لجان الدفاع عن الجمهورية التي شكلت في أحياء، الكتالونيين إلى "المقاومة السلمية" لوصاية السلطة المركزية في مملكة إسبانيا، متابعًا أن سكان كتالونيا "يعلمون تمامًا بأنه في مجتمع ديمقراطي، فإن البرلمان هو الذي يقيل الرئيس"، لافتًا إلى أن تفعيل المادة 155 يشكل "اعتداء مخططًا له على إرادة الكاتالونيين"، مشددًا على وجوب الدفاع عن المرحلة الجديدة التي دخلتها كتالونيا "بروح مدنية وسلمية"، مضيفًا أن "إرادتنا هي مواصلة العمل لإنجاز تفويضنا الديمقراطي.
وفي هذه الأثناء، باشرت الحكومة الإسبانية التي رفضت التعليق على خطاب بيغديمونت "الذي أقيل من كافة مهامه"، السبت، إجراءات فرض الوصاية المباشرة على كتالونيا بعد أقل من 24 ساعة من إعلان الاستقلال.
وبات إقليم كاتالونيا بحسب مدريد، تحت الإدارة المباشرة لنائبة رئيس الحكومة سورايا ساينز دو سانتاماريا، وبين أولى القرارات المتخذة، إقالة قائد الشرطة الكتالونية جوزيب لويس ترابيرو وتعيين نائبه مكانه.
وفي مدريد، تجمع بضعة آلاف من الأشخاص للدفاع عن وحدة إسبانيا رافعين أعلام المملكة، وتم تفعيل المادة الدستورية التي تتيح وضع كتالونيا تحت وصاية مدريد والتي لم يسبق أن استخدمت، بعد ساعات من إعلان برلمان كتالونيا قيام "جمهورية كاتالونيا".
ودعا رئيس الحكومة الإسبانية المحافظ ماريانو راخوي، إلى انتخابات في كتالونيا في 21 كانون الأول/ديسمبر، موضحًا أن الأمر بمثابة وسيلة لإخراج إسبانيا من أسوأ أزمة سياسية تشهدها منذ العودة إلى الديمقراطية في 1977.
وقالت كانديدا خيمينيز، الموظفة السابقة في الشرطة البلدية، التي كانت ضمن متظاهري مدريد "ما نريده هو حظر الأحزاب الانفصالية لأنها إذا تقدمت مجددًا في الانتخابات فستدير كتالونيا وتعيد الأمر ذاته"، ورفعت لافتة كتب عليها "لا لإفلات الانقلابيين من العقاب".
من جهته، أكد كارلوس فيرنانديز "41 عامًا"، أن الدعوة إلى انتخابات "أمر مخجل، إنه تمديد للمشكلة لشهرين"، وفي برشلونة تسود مشاعر قلق، فيما أوضحت ماتا غونزاليز كورو "طبيبة-50 عامًا": "أنا حزينة وخائفة بعض الشيء في الآن ذاته، ويجب أن نرى أين يتجه الوضع السياسي ولكن أيضًا الاقتصادي".
ونقلت نحو 1700 شركة مقارها الرئيسية خارج كتالونيا، منذ بداية تشرين الأول/أكتوبر 2017، ويمكن أن يتأثر النمو في كتالونيا "19 في المئة من الناتج الإجمالي الإسباني"، وفي إسبانيا، كذلك، يمكن أن يغضب قرار مدريد وضع كتالونيا تحت وصايتها، عددًا كبيرًا من مواطني الإقليم البالغ عددهم 7,5 ملايين نسمة، والذي يتمتع بحكم ذاتي واسع، ويتولى إدارة قطاع التعليم والصحة وجهاز الشرطة.
فيما حذر مؤيدو الاستقلال من أنهم سيقاومون الإجراءات المؤقتة المطبقة بموجب المادة 155 من الدستور، والهادفة لاحتواء محاولات عصيان في المناطق، وكتب حزب الوحدة الشعبي اليساري المتطرف وأحد حلفاء بيغديمونت على "تويتر"، "لن نخضع لاستبداد راخوي ولا لـ"المادة" 155".
وكانت قد أعلنت العواصم الأوروبية الكبرى، الجمعة، دعمها لوحدة إسبانيا، لكن رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك دعا مدريد إلى اختيار "قوة الحجة بدلًا من حجة القوة"، في وقت يخشى كثيرون أن يتم استدراج كتالونيا إلى دوامة من الاضطرابات.
وكشف خافير ماروتو، المسؤول الثاني في الحزب الشعبي بزعامة راخوي، أن رد الحكومة يتيح "إعطاء الكلمة للمواطنين مع ضمانات ديمقراطية"، وفي آخر انتخابات محلية في 2015، حصلت الأحزاب المؤيدة لاستقلال كتالونيا من اليسار ووسط اليمين على 47,8 في المئة من الأصوات مع غالبية مقاعد في البرلمان.
وكانقد صوت البرلمان الكتالوني "135 نائبًا" الجمعة، على إعلان الإقليم "جمهورية" بغالبية 70 صوتًا، مع غياب القسم الأكبر من نواب المعارضة، وبدأت فكرة الاستقلال تلقى رواجًا وشعبية في كتالونيا إثر استصدار راخوي في 2010 من المحكمة الدستورية قرارًا بتقليص الحكم الذاتي لكتالونيا.
ورفض مكتب راخوي التعليق على خطاب بيغديمونت، مستدركًا أن أفعاله ستصبح مسألة قضائية منذ الآن، ومعتبرًا أن انتخابات 21 كانون الأول ستشكّل وسيلة لـ" إعادة الكرامة إلى المؤسسات الكتالونية، أما الناطق باسم الحكومة المركزية إينيغو منديز دي فيغو، فأعلن أن السلطات ستتعامل بـ" ذكاء وبحسّ سليم مع احتمال رفض بيغديمونت التنحّي عن منصبه"، مشددًا على أن لا أحد فوق القانون، معتبرًا أن رئيس كتالونيا المُقال قادر على ممارسة معارضة ديموقراطية، إذا شارك في الانتخابات المقبلة.
وأعرب المكتب عن ثقته بأن الشرطة في كتالونيا ستطبّق القانون وتلتزم تعليمات مدريد، بعدما أُثيرت شكوك في هذا الصدد، لا سيّما بعد نشر قرار عزل قائد الشرطة في الإقليم جوزيب لويس ترابيرو في الجريدة الرسمية.
وأفادت وكالة "رويترز" بأن مذكرة داخلية تفيد بأن الشرطة في كتالونيا حضّت أفرادها على التصرّف في شكل محايد والامتناع عن التحيّز إلى أي طرف، في إطار "مسؤوليتها لضمان أمن الجميع والعمل لكي تمرّ هذه الأحداث بسلام".
ونقلت الوكالة عن ضباط شرطة أن هناك انعدام ثقة بين مؤيّدي الاستقلال ورافضيه داخل شرطة الإقليم، وأعلنت وزارة الداخلية الإسبانية اتخاذ تدابير في كتالونيا لحراسة المباني الحكومية ومقار الأحزاب الوطنية والموانئ والمطارات والمحاكم والمصرف المركزي الإسباني، مشيرة إلى إمكان إبدال وحدات الشرطة الإقليمية في حال الضرورة، لكن بعضًا من نحو 200 ألف موظف في القطاع العام في كتالونيا، أعلن رفضه الانصياع لأوامر مدريد، وقد يُعاقبون أو يُطردون.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر