موسكو ـ ريتا مهنا
في الوقت الذي أطلقت فيه روسيا "غواصة شبح" جديدة يوم الخميس الماضي، نفى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما يثار حول خططه لغزو بلد أخر، او ما يروج حول احتمالات نشوب حرب باردة جديدة، مؤكدًا ان مثل هذه الادعاءات حمقاء وليست واقعية.
جاءت تصريحات الرئيس الروسي في نادي "فالادي"، في مدينة "سوشي" الروسية، لتتزامن مع تصاعد التوتر بصورة كبيرة بين بلاده والعديد من الدول الغربية، كما أنها تتزامن، على الجانب الأخر، مع قيام القوات البريطانية بالمشاركة في تدريبات عسكرية دولية تقام حاليًا في ألمانيا، وذلك على خلفية الصدام بين روسيا والغرب.
وأصر الرئيس الروسي خلال كلمته يوم الخميس على أنه لا يريد السيطرة على العالم أو الوقوف في مواجهة أمام أي دولة في العالم، موضحا أن روسيا تثمن تماما استقلالها، موضحا أن بعض الدول تسعى لتطويع فكرة العولمة لخدمة مصالحها فقط، وليس لتحقيق المصلحة العامة لكافة دول العالم، بحيث يبدو أن الأمر مقبول لدى تلك الدول أن تضع نفسها في صورة المدافع عن الحضارة، بينما في الوقت نفسه تسعى إلى إخضاع حلفائها فقط لتحقيق أهدافها.
تصريحات الرئيس الروسي تأتي في الوقت الذي تكشف فيه البحرية الروسية عن إطلاق غواصة جديدة، تحمل اسم " وفيليكي نوفغورود" والتي من المقرر أن يتم إرسالها إلى البحر الأسود، حيث أنها تتمتع بقدرات خاصة تمكنها من ضرب أهداف في البر وأخرى في البحر وكذلك تحت البحر.
على الجانب الأخر، يشارك أفراد من سلاح الجو الملكي البريطاني ضمن مجموعة تدريب قوامها 600 جندي في قاعدة "ليشفيلد" الألمانية، وذلك ضمن مشاركين أخرين قادمين من فرنسا واسبانيا وبلجيكا وألمانيا وهولندا وإيطاليا، حيث يقوم التدريب على اختبار القدرة على نشر القوة متعددة الجنسيات إذا ما تطلب الأمر ذلك.
السرب الجوي البريطاني قام بتنفيذ عمليات مرور جوية، وتدريبات أخرى من أجل حماية القوة الأرضية، وذلك بالاشتراك مع قوات من دول أخرى. بينما قامت موسكو من جانبها بالتصعيد على الحدود مع دول أوروبا الغربية، في خطوات يراها الغالبية العظمى من الخبراء والمحللين أنها تأتي في إطار استعراض القوة من الجانب الروسي.
التدريبات العسكرية التي شارك فيها سلاح الجو البريطاني تهدف في الأساس إلى تحسين القدرة على الاستجابة للأزمات والصراعات بالتعاون مع الحلفاء المقربين، وذلك في إطار الرؤية البريطانية القائمة على توسيع العلاقات الدفاعية مع الحلفاء في القارة الأوروبية.
كانت الحكومة البريطانية قد أعلنت نيتها إرسال دبابات وطائرات بدون طيار، بالإضافة إلى حوالي 800 جندي إلى استونيا، في إطار حشد عسكري يبدو الأكبر على الحدود الروسية، منذ الحرب الباردة، هكذا تقول الصحيفة البريطانية. ويقول وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون إن القوات البريطانية سوف يتم إرسالها إلى إستونيا، موضحا أن قوات أخرى من الدنمارك وفرنسا سوف تلحق بهم في الأيام القليلة المقبلة.
الإعلان البريطاني يأتي بعد يوم واحد من نشر الجانب الروسي لأول صاروخ باليستي عابر للقارات، ذي قدرات نووية، حيث أنه يمكنه تدمير المملكة المتحدة، على حد وصف الصحيفة البريطانية. وكجزء من العملية نفسها، يخطط سلاح الجو البريطاني للانتشار في الأجواء الرومانية، لتكون بمثابة أكبر انتشار عسكري غربي في أوروبا الشرقية، منذ نهاية الحرب الباردة في بداية التسعينات من القرن الماضي، والتي انهار على أثرها الاتحاد السوفيتي.
الخطوات الأوروبية تأتي لمنع موسكو من الاستيلاء على أقمارها الصناعية المتواجدة في دول أوروبا الشرقية أو تقويضها، كما سبق وأن فعلت في شبه جزيرة القرم، والتي أعلنت ضمها الى الأراضي الروسية قبل عامين على خلفية الصدام مع أوكرانيا.
الولايات المتحدة من ناحيتها تأمل في أن تفي أوروبا بالتزاماتها بإرسال أربع مجموعات قتالية مكونة من حوالي أربعة ألاف جندي، في إطار تجهيزات حلف شمال الأطلسي "ناتو" للرد على إقدام موسكو على ضم شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في عام 2014.
ومن المتوقع أن تضم المجموعات القتالية الأربع قوات من كل من إيطاليا والدنمارك وفرنسا بالإضافة إلى حلفاء أخرين من أعضاء الناتو، وذلك للانتشار في بولندا وليتوانيا واستونيا ولاتفيا، حيث تتراوح المعدات العسكرية بين مدرعات مشاة وطائرات بدون طيار.
الخطوات البريطانية، والتي أعلنها وزير الدفاع الأربعاء خلال اجتماع وزراء دفاع حلف شمال الأطلسي، تأتي بعد يوم واحد من نشر الجانب الروسي لأول صاروخ باليستي عابر للقارات، ذي قدرات نووية، حيث أنه يمكنه طمس المملكة المتحدة، على حد وصف الصحيفة البريطانية.
كما قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمس بإطلاق طاروخ باليستي من طراز "أر إس 18"، كاختبار لمعرفة قدرات الصاروخ، ومدى إمكانيته على هزيمة أنظمة الدفاع الأميركية، في حين أن 130 مركزًا عسكريًا في روسيا والدول الست المحيطة بها أعلنت حالة التأهب القصوى، حيث قامت بتدريبات مشتركة لكيفية الرد إذا ما تعرضت المنطقة لأي هجوم من قبل الغرب.
وقالت "ديلي ميل" إن عددا من الدول الأعضاء في حلف الناتو، ربما تصبح أهدافا مستقبلية قريبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خاصة في منطقة أوروبا الشرقية، وهو الأمر الذي أدى الى مخاوف كبيرة لدى القادة الغربيين.
من ناحيته، أضاف فالون أن كتيبة بريطانية كاملة سوف يتم إرسالها إلى استونيا مصحوبة بالدبابات والمدرعات الخفيفة وبعض المعدات العسكرية الأخرى، موضحا أن الانتشار العسكري البريطاني من المقرر أن يتم خلال الربيع المقبل، وتحديدا في شهر مايو/ايار.
وأوضح أن هناك خططًا أيضا لنشر طائرات تابعة لسلاح الجو البريطاني في منطقة البحر الأسود، وذلك في إطار الجهود البريطانية لحفظ الأمن في الأجواء الجنوبية في رومانيا وبلغاريا ومنطقة البحر الأسود بشكل عام، بما في ذلك تركيا.
وأضاف فالون "هذه هي بريطانيا. تقوم بدورها على الوجه الأكمل كعضو في الناتو، ونؤكد دائما قدرتنا على العطاء. وبالرغم من أننا بصدد الخروج من الاتحاد الأوروبي، إلا أنه سوف نفعل كل ما في وسعنا من أجل تأمين الجناحين الشرقي والجنوبي لحلف شمال الأطلسي.
التوترات الأميركية الروسية تفاقمت بصورة كبيرة منذ إقدام موسكو على ضم شبه جزيرة القرم، حيث سعى الغرب لفرض عقوبات انتقامية ضد روسيا، إلا أن الأمر ازداد سوءا بعد انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في سورية، والذي أبرمته كل من الولايات المتحدة وروسيا في 3 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، بالإضافة إلى الاتهامات الأمريكية لروسيا باعتماد الهجمات الالكترونية لإفساد انتخابات الرئاسة الأميركية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وكان الرئيس بوتين أرسل أسطولا بحريا ضخما حاملا حاملة طائرات، إلى الأراضي السورية الأسبوع الماضي، حيث أبحر الأسطول الروسي عبر السواحل البريطانية إلى بحر المانش ومنه إلى البحر المتوسط، وهو الأمر الذي دفع الحكومة البريطانية إلى إرسال أسطول بحري لرصد الموقف، بالإضافة إلى نشر طائرات مقاتلة تابعة سلاح الجو الملكي البريطاني للتعامل مع أي موقف طارئ إبان مرور الأسطول الروسي.
إلا أن تطورًا جديدًا حدث بالأمس عندما رفضت إسبانيا إمداد ثماني سفن حربية روسية بالوقود، أثناء مرورها عبر بحر المانش، وذلك على اعتبار أن تلك السفن المتجهة إلى سوريا تهدف في الأساس إلى قصف مدينة حلب السورية المحاصرة وبالتالي تفاقم الأزمة الإنسانية هناك.
ويقول رئيس مجموعة "ليفادا ليف جودكوف" إن هناك اعتقادا سائدا لدى قطاع كبير من المتابعين أن الحرب العالمية الثالثة قد بدأت بالفعل، حيث أن العالم يشهد الان المرحلة الباردة منها، ولا أحد يعلم متى سوف تتحول الحرب من مرحلة البرودة إلى السخونة.
ونُشرت مؤخرا مقاطع فيديو لمجموعة من عمال الطوارئ الروس، كانوا يرتدون زيًا واقيا، وكذلك أقنعة غاز واقية، وذلك في إطار مجموعة من التدريبات التي تعد الأكبر منذ عقود، كما طالب الرئيس بوتين بتوفير ملاجيء كافية في المرحلة المقبلة حتى يمكن لسكان العاصمة الروسية موسكو اللجوء عليها في حالة تعرض البلاد إلى أي قصف محتمل.
وكان وصول عدد من السفن الحربية الروسية إلى منطقة بحر البلطيق مؤخرا أمرًا مثيرا للقلق بين أعضاء حلف الناتو، وهو الأمر الذي رفض وزير الدفاع الروسي أن يدلي بأي تعليق حوله.
يذكر أن حلف "الناتو" والجيش السويدي قد أعلنا في وقت سابق أن سفينتين حربيتين روسيتين قد وصلتا بالفعل إلى منطقة بحر البلطيق، حيث أكد المتحدث باسم حلف شمال الأطلسي أنهم يراقبون الأمر عن كثب.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر