الرباط _ المغرب اليوم
هز قانون تقنين زراعة القنب الهندي (الماريغوانا) في المغرب، حزب العدالة والتنمية الحاكم، في وقت يسعى به الحزب للفوز بولاية حكومية ثالثة خلال الانتخابات البرلمانية والبلدية المقررة الصيف المقبل.وفي قرار يرتقب أن تكون له "تداعيات وخيمة على تماسك الحزب"، أعلن الزعيم السابق للحزب عبد الإله بنكيران تجميد عضويته، وقطع علاقاته مع مجموعة من القيادات البارزة وعلى رأسها رئيس الحكومة الحالي سعد الدين العثماني.
وجاء قرار بنكيران، الذي ترأس أول حكومة يقودها حزب إسلامي في المغرب عام 2011، بعد ساعات قليلة من مصادقة الحكومة على مشروع قانون لتقنين زراعة القنب الهندي لأغراض طبية وصناعية.وبعد أسبوعين من التأجيل بسب خلافات بين مكوناتها، صدقت الحكومة المغربية في جلستها الأسبوعية التي انعقدت الخميس، على مشروع قانون يجيز زراعة "الكيف" لأغراض طبية وصناعية، مع الحفاظ على الطابع اللامشروع لكل استعمال للنبتة المخدرة، خارج هذا الإطار.
وفي منشور على صفحته الرسمية بموقع "فيسبوك" كتبه بنكيران بيده، أعلن الرجل أنه "تبعا لمرور قانون تقنين زراعة القنب الهندي"، فإنه قرر تجميد عضويته داخل الحزب وقطع علاقاته بمجموعة من القيادات الحزبية، هم الأمين العام للحزب رئيس الحكومة، والوزراء مصطفى الرميد وعبد العزيز الرباح ومحمد أمكراز، إضافة إلى القيادي والوزير السابق لحسن الداودي.وكان الأمين العام السابق للحزب قد هدد قبل أيام بتجميد عضويته "في حال وافقت الأمانة العامة الحالية على تمرير مشروع القانون"، وبالانسحاب منه كليا إذا صادق نواب الحزب على النص داخل البرلمان.
ويعرف بنكيران بمعارضته الشديدة لتقنين زراعة القنب الهندي، حيث رفض خلال ولايته الحكومية بين عامي 2011 و2017، مناقشة مقترح تقدمت به بعض الأحزاب لتقنين هذه الزراعة لأغراض طبية وصناعية.وفي قراءته لقرار بنكيران تجميد عضويته داخل حزب العدالة والتنمية، يرى الأكاديمي والمحلل السياسي محمد بودن أن الأمر يتعلق بـ"موقف نابع عن تعبير عاطفي" من قضية تقنين زراعة الكيف.
ويعتبر بودن ، أن عدم تضمن رسالة بنكيران لمرسل إليه معين، ينم عن "رغبة الرجل في التوجه إلى الرأي العام المغربي وليس إلى هياكل الحزب"، في وقت تتنافس به قيادات الصف الأول من العدالة والتنمية على الشعبية.وأكد الأكاديمي المغربي أن ما صدر عن بنكيران بعد مصادقة الحكومة التي يقودها حزبه، يشكل "ضربة قوية للحزب الإسلامي من أمينه العام السابق، وليس من خصومه السياسيين"، ويشير إلى أن "هذا الشرخ الذي يسبق الانتخابات البرلمانية والبلدية بأشهر قليلية، من شأنه أن يعمق الانقسامات الداخلية للحزب، وأن يؤثر على أدائه في هذه الاستحقاقات".
ومن جهة أخرى، يعتبر المحلل السياسي محمد العمراني بوخبزة أن اعتماد الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية موقف تجميد عضويته بهذه الطريقة، يعطي انطباعا بأن الحزب "لم يستطع أن يبصم بالفعل على صفة الاستثناء التي حاول دوما إلصاقها بمؤسسته الحزبية، وبطريقة تدبير مشاكله الداخلية".
وفي حديث مع موقع "سكاي نيوز عربية"، أكد بوخبزة أن "أثر 10 سنوات من السلطة أصبحت ظاهرة بشكل واضح على حزب العدالة والتنمية، الذي بات منهكا على الصعيد الداخلي بفعل الخلافات حول مجموعة من القضايا، خاصة تلك التي تخالف مرجعية الحزب الإسلامي".
ويعتبر بوخبزة أن تفجر قضية "الكيف" في هذا التوقيت، سيجعل الحزب يدخل بشكل "مترهل" للانتخابات البرلمانية والبلدية المقبلة، وهو ما ينذر بأن مستقبله السياسي أصبح غامضا، ويرى أن قطيعة بنكيران مع قيادات كبرى تشارك معها نفس المبادئ والمواقف لسنوات طويلة، يشكل "لحظة فارقة قد تكون لها تبعات مدمرة في حال لم يتم تدبيرها بالاعتماد على مرجعية صلبة".ومع انطلاق المشاورات حول مشروع قانون تقنين زراعة القنب الهندي آواخر فبراير الماضي، أعاد بنكيران نشر مقطع فيديو قديم على صفحته الرسمية على "فيسبوك" بعنوان "دعاوى تقنين زراعة الكيف شرعنة للمخدرات".
ويظهر في الفيديو بنكيران أثناء تجمع حزبي، وهو ينتقد بشكل شرس المقترح الذي أطلقه في 2013 حزبا الأصالة والمعاصرة والاستقلال بشأن تقنين زراعة النبتة، واللافت أن رئيس الحكومة السابق اقتبس مجموعة من الأحاديث الدينية للدفاع عن طرحه.وفي هذا السياق، يؤكد بودن أن "موقف بنكيران مؤسس على مرجعية دينية، وعلى مغالطات لا تعتمد على العلم فيما يتعلق بالاستعمالات المشروعة لنبتة القنب الهندي في المجالات الطبية والصناعية".
وهو نفس الرأي الذي يذهب إليه بوخبزة، حين يبرز أن "بنكيران يركز في مقاربته لموضوع القنب الهندي على الجانب الديني بحديثه عن الطبيعة المخدرة للنبتة"، ويعتبر أن هذا التوجه "ينسجم مع مرجعيته الإسلامية، لكن السياسي البارز يعلم في الوقت نفسه أن هذا الجانب الديني هو الذي يحظى باهتمام الغالبية العظمى للمجتمع المغربي".ويؤكد المتحدث أن "ما يعاب على بنكيران هو إغفاله لكل الجوانب الأخرى المتعلقة بالاستعمالات المشروعة للنبتة، والفوائد التي يمكن أن يجنيها منها المغرب والمناطق التاريخية لزراعة الكيف".
يرى عدد من المراقبين أن قرار الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية ليس الغرض منها مشروع قانون الكيف بحد ذاته، بقدر ما هو الرغبة "في استعادة الزعامة" أو "الطموح لإنشاء حزب جديد"، خاصة أنه يعلم جيدا أن حزبه لا يملك حرية اتخاذ القرارات بمفرده داخل الحكومة، بل هو يشتغل إلى جانب مكونات الأغلبية.
ويؤكد بوخبزة أن "هذه الفرضية واردة، خاصة أن بنكيران من السياسيين الذين عمروا طويلا في زعامة حزب المصباح (رمز حزب العدالة والتنمية)"، لكنه يعتبر أن السياق الحالي مختلف تماما، ويعلل موقفه بالقول إن "بنكيران لا يملك حاليا القاعدة الشعبية التي تؤهله لتأسيس حزب كبير بحمولة ووزن حزب العدالة والتنمية. كما أن عهد الزعامة الشعبوية في المغرب قد ولى" حسب رأي المحلل السياسي.ويشير بذلك بوخبزة إلى حقبة بنكيران وعدد من القيادات الحزبية التي نهجت طريقة شعبوية في التواصل مع الجمهور المغربي.
قد يهمك ايضا
مجلس النواب المغربي يصوت على مشاريع قوانين جاهزة
برلماني يطالب ب”الرد الحازم” على تصريحات الغنوشي ضد المغرب
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر