واشنطن ـ عادل سلامة
اتهم المسؤولون الأميركيون، عبد الله محمد المحيسني، بأنه جزء من دائرة القيادة الداخلية لفرع تنظيم القاعدة في سورية، المعروف على نطاق واسع باسم "جبهة النصرة"؛ وتلاحقه الاتهامات بتقديم مبلغ 5 مليون دولار للجماعة المتطرفة، وذلك لتجنيد الآلاف من المقاتلين في صفوفها خلال الأعوام الماضية.
وأعرب المحيسني عن استغرابه الشديد من جراء قرارات وزارة الخزانة الأميركية، لأنها صنفته كإرهابي، وأمرت بتجميد أمواله. وأوضح في حوار أجرته معه صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، أن السوريين مصدومين من قيام الولايات المتحدة بوضع شخص ينظرون إليه باعتباره رمزًا وطنيًا على لائحة الإرهاب، مؤكدًا أنه شخصية مستقلة. وتساءل "كيف يمكن لوزارة الخارجية الأميركية اعتبار المحيسني بأنه أحد المنتمين إلى تنظيم فتح الشام؟".
وأكدت الصحيفة الأميركية أن السيد المحيسني، والذي يبلغ من العمر 31 عامًا، وهو رجل دين سعودي المولد، ليس من الشخصيات الذين يهوون التواصل مع الصحف الغربية. وأضافت أن قيامه بذلك يعكس محاولة جبهة النصرة منح نفسها بعض المرونة، موضحة أن جهود العلاقات العامة أصبح لها أهمية قصوى في المنافسة داخل العالم الجهادي للمجندين والموارد، وفي الجهود الرامية إلى التهرب من عمليات انتقامية عسكرية عبر قوى أجنبية.
وأشار محللون إلى أنها خطوة مدروسة لإخفاء العلاقة التي تجمع التنظيم السوري مع القاعدة، وأعادت جبهة النصرة توصيف نفسها مؤخرًا باعتبارها تمرد محلي ضد حكومة بشار الأسد، معلنة أنها لم تعدّ تنوي استهداف الغرب؛ وذلك عبر تغيير اسمها إلى جبهة فتح الشام. إلا أن عددًا من الخبراء ومسؤولي الاستخبارات يرون أن المجموعة مازالت جزءًا أساسيًا من تنظيم القاعدة، وأنها مازالت أحد القوى التي تنافس تنظيم "داعش" من أجل الحصول على مزيد من الأراضي أو الدعم، وبالتالي فإن معركتها ضد القوات الحكومية الموالية لنظام الرئيس الأسد تأتي كأولوية أقل.
وكشف كولن كلارك، المحلل في مؤسسة راند، أن جبهة النصرة في الواقع أكبر فرع لتنظيم القاعدة، وأنه يوجد لديها ما يقارب عشرة ألاف مقاتل، واصفًا الانشقاق العلني للمجموعة عن تنظيم القاعدة بأنه مجرد خدعة، تتخذها الجماعة كوسيلة للاحتماء وإعادة البناء، في الوقت الذي أصبح فيه تنظيم "داعش" هدفًا للقصف المتواتر من قبل الغارات الجوية. وأضاف "لم يجدوا أمامهم سوى تلك الوسيلة من أجل التقاط الأنفاس قليلًا".
وأعلنت الصحيفة الأميركية أنه عندما فشلت محاولة جبهة النصرة، فإن احتجاجات المحيسني لم تكن محل ثقة، ويسود الاعتقاد أنه ليس مجرد عالم دين دون أي مصلحة في المنافسة الجهادية في سورية. ويتفق الخبراء مع المسؤولين الأميركيين والأوروبيين في النظر للسيد المحيسني على أنه قيادي بارز في جبهة النصرة، حيث أن لديه شبكة علاقات عميقة مع التنظيم الدولي للقاعدة.
وفي اتصالاته العامة، ترك المحيسني لنفسه مجالًا ضئيلًا بين مواقفه ومواقف القاعدة، وظهر في مشاركات وسائل الإعلام الاجتماعية، وهو يرثي قادة القاعدة ويشجع الانتحاريين. وأيضًا ظهرت سيرته الذاتية في مجلة تنظيم القاعدة، والتي تحمل اسم "الرسالة". وفي مقابلة عبر السكايب يوم الجمعة، في غرفة مضاءة من قبل لمبة واحدة، بدا الرجل مرتاحًا، حيث كان حريصًا على إظهار أسنانه عند الابتسام، مؤكدًا أنه لا يشكل أي تهديد للغرب.
واعترف المحيسني أنه اتصل بزعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، قائلًا "تحدثت إلى الظواهري في عام 2014، لأنه شيخ كريم ومسن، وطلبت منه أن يتحدث عن داعش؛ لأن لديه جمهور كبير. أردت منه التكلم عن "داعش" لمنع الشباب من الانضمام له". وشبه المحسيني الصور التي جمعت بينه وبين عدد من قادة تنظيم القاعدة وحديثه عنه بالصور التي تجمع بين الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، والأحاديث المتبادلة فيما بينهما، موضحًا أن تلك الصور والأحاديث لا تعني إطلاقًا أنهم يتشاركون في نفس الأيديولوجية.
وبعد اتهامات وزارة الخزانة الأميركية له، اتصل المحيسني بالصحيفة الأميركية عبر وسيط وذلك للتأكد من هويته، وقارنت الصحيفة بين صورته على السكايب بصورة رسمية له، فضلًا عن مقارنة صوته بالتسجيلات السابقة الصادرة عنه. وأنه تفاعل مع صحيفة التايمز باستخدام حسابه الرسمي في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، الذي يعدّ مرجعية للجهاديين في سورية، حيث يتابعه أكثر من 60 ألف شخص. وأكد المحلل السياسي توماس جوسلين أنه من بين الأدلة التي تشير إلى ولاء السيد المحيسني إلى تنظيم القاعدة، هي حقيقة أنه حاول القيام بدور يمكنه فيه أن يلعب دور الوساطة وذلك بعد الاشتباك بين تنظيم "داعش" مع القاعدة في سورية.
وكان المحسيني كتب على حسابة في موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، في أعقاب تبرؤ قيادات القاعدة من "داعش"، لإخبار أفراد التنظيم بالانشقاق عن مجموعة القاعدة، في إشارة إلى زعيم تنظيم القاعدة بأنه "شيخ المجاهدين". وأوضح السيد جوسلين قائلًا "وصف السيد المحيسني لنفسه كمراقب مستقل هو جزء من استراتيجية القاعدة بعدم نشر ولائها، وباستخدام المجموعات المحلية كورقة تين لإخفاء أهدافها الحقيقية". وأضاف "نعتبر هذا يكون مسرحية من كتاب تنظيم القاعدة. إنهم يريدون أن يسود الغموض فيما يخص فروع القاعدة التنظيمية؛ لأن ذلك يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لهم في تحقيق أهدافهم، إذا عُرفوا باسم تنظيم القاعدة".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر