نال الاتفاق الذي توصل إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان في سوتشي يوم الاثنين الماضي، بشأن وقف النار في في سورية على سمعة جيدة في الصحافة ونادرًا ما يحدث هذا، فإذا نجحت في إنهاء العنف أو نزع فتيل الأزمة، فستشعر وسائل الإعلام بالملل بسرعة وتفقد الاهتمام، ولكن إذا استمر القتال، فإن أولئك الذين أطلقوا وقف إطلاق النار يُدانون باعتبارهم منافقين لا قلب لهم، إما أنهم لم يقصدوا أبدا إنهاء القتال أوأنهم فشلوا في القيام بذلك.
القوة الروسية
ووفقًا لما ورد بصحيفة "الاندبندنت"، يتشكك الخبراء في الاتفاق الذي توصل إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان، في سوتشي يوم الاثنين الماضي؛ لتفادي هجوم وشيك من جانب قوات الرئيس السوري بشار الأسد على المتمردين في محافظة إدلب، المكان الأخير للمعارضة المسلحة في غرب سورية، والتي فقدت معاقلها في حلب ودمشق ودرعًا خلال العامين الماضيين.
وإنَّ الشكوك بشأن الاتفاق مفهومة، لأنه إذا تم تنفيذها، فإنَّ المجموعات المناوئة للأسد في إدلب سيتم تشويهها عسكريًا، وسيشهدون وجود منطقة منزوعة السلاح خاضعة لسيطرة روسيا وتركيا تأكل في أراضيهم.
وسيتم التخلص من الجماعات المتطرفة، والأسلحة الثقيلة التي تتراوح بين الدبابات وقذائف الهاون المسحوبة، سيخسر المتمردون سيطرتهم على الطريقين السريعين الرئيسيين الذين يعبرون إدلب ويربطون المدن التي تسيطر عليها الحكومة في حلب واللاذقية وحماة.
الثقة الروسية بالنفس
ويوجد ملاحظة مدهشة عن الثقة الروسية بالنفس بشأن الوثيقة التي يُطلب من جميع الأطراف في الحرب الأهلية السورية أن تخطوها، قد لا يحدث هذا تمامًا كما كان من المستهدف، لأنه من الصعب أن نرى لماذا يتخلى مقاتلو الجماعات من طراز القاعدة مثل "جبهة التحرير" طواعية عن هذه النفوذ العسكري الذي لا يزالون يملكونه.
وقالت الحكومة السورية "إنَّها ستلتزم بالاتفاق ولكنها قد تحسب أنه على المدى الطويل، سيكون بمقدورها أن تقطع إدلب شيئًا فشيئًا كما فعلت مع جيوب المتمردين الأخرى".
وما هو أكثر إثارة للاهتمام حول الاتفاقية هو تفاصيلها، فهي أقل مما تخبرنا به عن توازن القوى في سورية، والمنطقة، وحتى العالم ككل، قد يكون الأمر هشًا، ولكن هذا ينطبق على جميع المعاهدات، وقد يكون تنفيذ اتفاق بوتين - أردوغان مكبوحًا وفوائده مؤقتة، ولكنه سيخدم غرضًا ما إذا تم تفكيك عدد أقل من الجماعات المتطرفة في إدلب.
مسار الحرب السورية
وتوقفت الحرب الأهلية السورية منذ فترة طويلة عن كونها نضالًا خاص بالشعب السوري، وتحولت سورية إلى ساحة تتصادم فيها الدول الأجنبية مع بعضها البعض، وتحارب بالوكالة، وتضع قوتها ونفوذها على المحك.
وتمكنت روسيا من إعادة تأسيس نفسها كقوة عظمى، لقد ساعدت موسكو "الأسد" على تأمين حكمه بعد الانتفاضة الشعبية في عام 2011، ثم ضمنت لاحقًا فوزه النهائي بالتدخل العسكري المباشر في عام 2015، حيث يتذكر دبلوماسي كبير من بلد عربي أنَّه في بداية الحرب السورية، طلب من جنرال أميركي له قيادة في المنطقة، وكان الفرق بين الأزمة في سورية وليبيا هو التدخل الروسي، هذا ما أكده الجنرال.
وهذا يفسر، حين يتم تصوير روسيا في الغرب على أنها قوة مفترسة عدوانية تهدد الجميع، فقد تم تهميشها قبل سبع سنوات عندما كان الناتو يقوم بتغيير النظام في ليبيا.
وكانت روسيا في الواقع أقوى دائمًا مما بدت عليه لأنَّها بقيت قوة نووية عظمى قادرة على تدمير العالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي في عام 1991، كما كانت من قبل، ومن الصعب نسيان هذه الحقيقة المهمة بشكل كبير، لكن السياسيين والمعلقين يواصلون بلطف التوصية بعزل روسيا والتظاهر بأنه يمكن تجاهلها بأمان.
الأسد أكثر قوة بفضل موسكو
وكانت عودة روسيا كقوة عظمى دائما أمرًا حتميًا ولكن سرعان ما تم تسريعها من خلال الانتهازية الناجحة والأخطاء القاسية من جانب الدول المتنافسة.
وكان الأسد في سورية دائما أقوى مما كان يبدو، حتى في الدرك الأسفل من حظوظه في يوليو/ تموز 2011.
وقدرت السفارة البريطانية في دمشق أنه يتمتع بتأييد 30 إلى 40% من السكان، فشلت آراء الخبراء في إثارة القناعة بينرجال الدولة الدوليين بأن الأسد كان على وشك السقوط، ولكن كان ذلك بفضل روسيا.
وأسفرت الحسابات الخاطئة من قبل واشنطن وباريس ولندن في التعامل مع الدولة الروسية أنَّ الاتفاق الذي وقعته روسيا وتركيا يوم الأثنين الماضي، بشأن تحديد مستقبل محافظة إدلب هو رمز لمدى تقدم روسيا على الساحة السورية.
وأصبح بوتين قادرًا على توقيع اتفاقية ثنائية مع تركيا، ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف الناتو، دون أي إشارة إلى الولايات المتحدة أوغيرها من أعضاء حلف الناتو.
حصة تركيا العسكرية
ويعني الاتفاق أنَّ تركيا ستزيد حصتها العسكرية في شمال سورية، لكنها لا تستطيع أن تفعل ذلك إلا بأمان من موسكو، الأولوية بالنسبة لتركيا هي منع إنشاء دويلة كردية تحت حماية الولايات المتحدة في سورية، ولهذا فهي تحتاج إلى تعاون روسي، وكان انسحاب المظلة الجوية الروسية التي تحمي منطقة عفرين الكردستانية في وقت سابق من هذا العام أحد أسباب تمكين الجيش التركي من الغزو والسيطرة على المنطقة.
الغرب لم يتعلم من الأخطاء
وكما حدث مع كوريا الشمالية، قد تكون غرائز الرئيس الأميركي دونالد ترامب أكثر فاعلية من الخبرة المتبصرة لمؤسسة السياسة الخارجية في واشنطن، والتي لم تتعلم أكثر الدروس أهمية من حروب التدخل التي تقودها الولايات المتحدة في العراق وسورية، وهو أنه ليس من مصلحة الغرب تحريك الحرب في إتجاه آخر، على الرغم من هذا، فإنهم يجادلون باستمرار الوجود العسكري الأميركي في شمال شرق سورية على أساس أن هذا سيضعف الأسد ويضمنوا أن أي نصر يفوز به سيكون باهظ الثمن.
وكل ما حدث منذ 2011 يوحي بالعكس، من خلال محاولة إضعاف الأسد، فإن القوى الغربية ستجبره على أن يصبح أكثر قوة وليس أقل، معتمدا على موسكو وطهران، وبالتالي سيموت المزيد من السوريين وسيكون هناك مساحة لاستنساخ تنظيم القاعدة مرة أخرى.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر