أدان زيغمار غابرييل، وزير الخارجية الألماني، إطلاق الحوثيين صاروخًا باليستيًا على الرياض، مشيرًا إلى أن هدف بلاده في اليمن هو إعادة السلام والاستقرار وعودة الحكومة الشرعية إلى صنعاء.
وتحدث الوزير عن رفض برلين قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب نقل العاصمة الأميركية إلى القدس، مشددًا على ضرورة إيجاد حل للصراع الفلسطيني - الإسرائيلي عن طريق المفاوضات.
وذكر غابرييل أن برلين والرياض متوافقتان بشأن الدور السياسي الخارجي الذي تلعبه إيران في المنطقة، مضيفًا أن بلاده تريد مواجهة مشكلة الدور الإيراني في المنطقة بشكل مشترك مع الأميركيين.
وشدد على أن تصريحاته بشأن الأزمة اللبنانية الأخيرة أسيء فهمها، لافتًا إلى أن محور تصريحاته بشأن الأزمة في لبنان ليس هجومًا على بلد بعينه في المنطقة.
وفيما يلي نص الحوار:
وعلى صعيد الأزمة السورية، ذكر وزير الخارجية الألماني أن الأزمة لم تنته، حيث يمنع النظام الأمم المتحدة من توزيع الطعام والأدوية، داعيًا إلى حل سياسي يتم التوصل إليه تحت رعاية الأمم المتحدة وبناءً على القرارات ذات الصلة، خصوصاً القرار رقم 2254، مشيرًا إلى أن النظام يماطل في العملية السياسية ويصرف الأنظار عنها ولا يتزحزح ولو قيد أنملة.
كيف تنظرون إلى إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب القدس عاصمة لإسرائيل وما المآلات السياسية والأمنية لذلك دوليًا وإقليميًا؟ وإلى أي حد يضرّ بعملية السلام الفلسطينية؟
- لا يزال موقفنا تمامًا مثل موقف الاتحاد الأوروبي دون تغيير، ويتوجب إيجاد حل لوضع القدس عن طريق المفاوضات. لقد قدمت السعودية رؤية سلام مهمة جدًا عام 2002، وهي مبادرة السلام العربية، التي تحتوي على العناصر المحورية لتسوية النزاع العربي الإسرائيلي، ولبناء إطار أمني إقليمي.
ويتعين على كل من يسعى إلى حل النزاع بين إسرائيل من جهة والفلسطينيين والدول العربية من جهة أخرى أخذ هذه العناصر بعين الاعتبار ، ونحن على يقين تام بأن حل الدولتين عن طريق المفاوضات مع احترام تطلعات كلا الجانبين هو الطريقة الواقعية الوحيدة لتحقيق السلام والأمن الدائمين.
ومن أجل إحلال سلام دائم لا يكفي أن يقبل كل طرف بوجود الطرف الآخر فقط. وحتى يتسنى لكل من إسرائيل وفلسطين أن يعيشا جارَين في جو من السلام، يجب على قادة الجانبين أن يتحلوا بالشجاعة اللازمة للتصريح بأن الآخر له مكان هنا.
كيف تنظرون إلى واقع وأهمية العلاقات السعودية الألمانية ، وما فحوى التصريحات السلبية الأخيرة بشأن السعودية على خلفية قضية استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، وبعض القضايا الأخرى الإقليمية الأخرى؟ وما أثر ذلك على العلاقات بين البلدين؟
- لاحظت أن تصريحاتي بشأن الأزمة في لبنان لم تحظ بالقبول في السعودية. لذا؛ فإنني أشكركم جزيل الشكر على طرح هذا السؤال، حيث إنني حريص كل الحرص على ألا يحدث أي سوء فهم في هذا السياق. محور تصريحاتي بشأن الأزمة في لبنان ليس هجومًا على بلد بعينه في المنطقة، وهذا يشمل السعودية.
إن توضيح ذلك مهم بالنسبة لي؛ إذ إن قلقي الشخصي وكذلك قلقنا السياسي في ألمانيا كان حصريًا إزاء سكان لبنان ، لدي من العمر ما يكفي لاتذكر الدمار الذي سببته 15 عامًا من الحرب الأهلية في لبنان بين 1975 و1990، وكذلك حرب لبنان 1982.
مرارًا وتكرارًا قامت قوى أجنبية بجر البلد إلى دائرة من الأزمات والعنف ، وكان سكان لبنان مضطرين إلى تقديم تضحيات هائلة، وفي الوقت ذاته يقدم هذا البلد اليوم الحماية لعدد كبير من اللاجئين السوريين. وهذا هو السبب الذي يجعل الاستقرار والسلام في غاية الأهمية في لبنان ، وعلينا جميعًا ، أي ألمانيا وأوروبا والولايات المتحدة، وبطبيعة الحال أيضًا بلدان المنطقة، أن نتعاون من أجل ضمان هذا السلام والاستقرار في لبنان ، إنني متأكد تمامًا أن أصدقاءنا في السعودية يشاطروننا هذا الهدف أيضًا.
إن توضيح ذلك مهم جدًا ؛ إذ أن العلاقات الألمانية السعودية ليست فقط محورية بالنسبة لنا على المستوى الثنائي ، بل إنها مهمة أيضًا على مستوى المنطقة؛ إذ إننا نسير في الاتجاه نفسه فيما يخص الملفات المهمة للسياسة الخارجية، ومنها على سبيل المثال مكافحة ما يسمى تنظيم "داعش".
إن علاقاتنا مهمة وقوية لدرجة أنه بإمكاننا أن نتحمل بالتأكيد بعض الاختلافات في وجهات النظر بشأن قضايا فردية من وقت إلى آخر ، يجب ألا نسمح بزرع الانقسام فيما بيننا.
من حيث المبدأ أرى أن لدى برلين والرياض أوجه توافق فيما يتعلق بتحليل الوضع؛ فالسعودية قلقة للغاية بشأن إيران، ومثل السعودية فإننا قلقون بشأن الدور السياسي الخارجي الذي تلعبه إيران في المنطقة ، وقلت ذلك بكل وضوح خلال زيارتي لواشنطن قبل فترة. نريد مواجهة مشكلة الدور الإيراني في المنطقة بشكل مشترك مع الأميركيين، دون الإضرار بالاتفاق النووي ، وأعربنا في هذا السياق بوضوح عن إدانتنا التجارب الصاروخية الإيرانية؛ كونها لا تتماشى على الإطلاق مع قرار مجلس الأمن رقم 2231.
يجب أن يكون هدفنا الاستراتيجي أن تمتنع إيران عن القيام بمثل هذه الأعمال وأن تتصرف على نحو بنّاء ، أما فيما يخص لبنان فإننا نشاطر السعودية قلقها بشأن دور "حزب الله" كميليشيا، والدور الذي يلعبه في المنطقة.
إن عودة رئيس الوزراء سعد الحريري إلى بيروت وتمكنه من الحصول على تعهد من الأحزاب اللبنانية بالالتزام بمبدأ النأي بالنفس يُعد خطوة إيجابية ، وسوف نراقب عن كثب ما إذا كان الجميع سيفي بهذا الوعد.
ما رؤيتكم للأزمة الخليجية القطرية؟ وهل لديكم محاولات جديدة للدفع في مسار حل هذه الأزمة؟
- ألمانيا لديها إهتمام كبير بأن يكون مجلس التعاون الخليجي موحدًا وقويًا ، ومن هذا المنطلق نريد التوصل إلى حل للأزمة بأسرع ما يمكن. ونعتقد أن من الممكن لجميع الأطراف إيجاد أرضية مشتركة من جديد عندما يجتمعون حول الطاولة.
ولم تكن ألمانيا على الإطلاق طرفًا في هذا النزاع، بل كانت وما زالت تدعم الوساطة الكويتية والمبادرات ذات الصلة التي أطلقتها الولايات المتحدة.
تربطنا علاقات جيدة جدًا بأعضاء مجلس التعاون الخليجي ونحرص على الحفاظ عليها في المستقبل. ولذلك؛ يسرني أنه تم في الكويت إجراء خطوة أولى مهمة نحو إعادة توحيد الصف في المنطقة ، لا يستطيع أحد حل الأزمة إلا دول المنطقة ، أما نحن فنرغب في تقديم الدعم في الأمور التي يمكننا المساعدة فيها.
ما تقييمكم للأزمة السورية على أرض الواقع، ومدى التجاوب الدولي معها؟
- على عكس ما يقوله البعض هذه الأيام فإن الأزمة السورية لم تنته بعد بأي حال من الأحوال ، يتعرض الناس للقصف والتهجير والتجويع كل يوم. دعونا ننظر إلى الغوطة الشرقية على سبيل المثال: مئات آلاف الناس، الكثير منهم من النساء والأطفال، محاصرون هناك، ويمنع النظام الأمم المتحدة من توزيع الطعام والأدوية هناك. لماذا؟ لأسباب تكتيكية ، هذا أمر غير معقول ينم عن انعدام الضمير.
قامت ألمانيا بالكثير من أجل تخفيف معاناة الناس في سوريا. في العام الجاري وحده صرفنا أكثر من 700 مليون يورو لأغراض إغاثية، إلا أن ذلك غير كافٍ طالما أن النزاع مستمر ، لذا فإننا نحتاج في آخر المطاف إلى حل سياسي يتم التوصل إليه تحت رعاية الأمم المتحدة وبناءً على القرارات ذات الصلة، خصوصًا القرار رقم 2254 الذي يرسم إطارًا واضحًا ، علمًا بأن هذا القرار قد تم اتخاذه بموافقة روسيا أيضًا.
وفد النظام السوري يرفض التفاوض مع وفد المعارضة في جنيف، وربما تتجه المفاوضات إلى "سوتشي" ، ما تعليقكم على ذلك، وهل يمكن أن تكون "سوتشي" أو "أستانة" بديلًا عن "جنيف"؟
- أكدنا مرارًا وتكرارًا أن المفاوضات بطبيعتها لا تتسق إلا بوجود طرفين ، في جنيف نرى معارضة تشارك بشكل موحد وبناء، ودون شروط مسبقة للمفاوضات ، إنه أمر مثير للإعجاب، كان أيضًا بلا شك نتيجة للجهود الدؤوبة التي بذلتها السعودية، خصوصًا العمل الذي قام به زميلي وصديقي العزيز عادل الجبير.
ومن ناحية أخرى، نرى النظام السوري الذي يمانع ويماطل في العملية ويصرف الأنظار عنها ولا يتزحزح فيها ولو قيد أنملة ، وأنا لا أفهم كيف يمكن أن يتغير ذلك بتغير المكان ، إذا كانت روسيا فعلًا جادة في سعيها لإيجاد حل سياسي مستدام في سوريا فيتعين عليها أن تجعل نظام الأسد يتحرك، وذلك في جنيف التي هي المكان الصحيح لإجراء العملية السياسية.
نقطة الخلاف الجوهرية في المفاوضات السورية هي رحيل الأسد أو بقاؤه في المرحلة الانتقالية ، كيف تنظرون إلى هذا الخلاف وانعكاساته على العملية السياسية برمتها؟
- إن المفاوضات بشأن الانتقال السياسي في سورية لن تبدأ باستقالة بشار الأسد، واعترفت المعارضة بذلك في اجتماعها الأخير في الرياض ، في نهاية المطاف يتعين على السوريين أنفسهم الاتفاق على رسم معالم مستقبل سورية السياسي ، ومع ذلك استطيع أن أفهم رفض المعارضة لفكرة أن يستمر الرجل الذي حارب شعبه بلا رحمة في حكم البلاد مستقبلًا.
ما رؤيتكم للأزمة اليمنية، وكيف تنظرون إلى مقتل الرئيس السابق علي عبد الله صالح على مستقبل الحل السياسي في اليمن؟
هدفنا في اليمن ولا نختلف فيه هو إعادة السلام والاستقرار إليه وعودة الحكومة الشرعية إلى صنعاء، إضافة إلى حماية الشعب اليمني. لا يمكن إيجاد حل طويل الأمد للنزاع إلا بالوسائل السياسية: عن طريق المفاوضات الشاملة للجميع برعاية المبعوث الخاص للأمم المتحدة الذي تحظى جهوده بكامل دعمنا.
إننا نعي أن تهديدًا دائمًا ناتجًا من تسليح ميليشيا مثل الحوثيين بالصواريخ الباليستية هو أمر لا تقبله السعودية. لقد أدنّا الاعتداء الصاروخي للحوثيين على الرياض بأشد العبارات ، كما أننا نشعر بقلق عميق إزاء قتل علي عبد الله صالح والتطورات الأخيرة في صنعاء.
إن السعودية هي أكبر جهة مانحة للمساعدات الإنسانية في اليمن، وللأسف يغفل البعض عن هذه الحقيقة أحيانًا في ألمانيا ، وفي الوقت ذاته تعد ألمانيا أيضًا من أكبر المانحين للمساعدات الإنسانية في اليمن ، وهذه الحقيقة ربما أيضاً غير معروفة بما فيه الكفاية في المنطقة.
إننا نقف إلى جانب الناس في اليمن ورفعنا حجم مساعداتنا الإنسانية مجددًا قبل وقت ليس ببعيد لتصل إلى إجمالي 165 مليون يورو لعام 2017 ، وحتى يمكن لهذه المساعدات أن تصل إلى مستحقيها، فلا مفر في هذه الحالة أن تتم إعادة فتح الموانئ أيضًا في الشمال بالكامل أمام الإمدادات الإنسانية والتجارية ، إن إيجاد حل في هذا الصدد تُراعى فيه المصالح الأمنية المشروعة للمملكة على نحو أفضل، هو بمثابة تحدٍ يجب التغلب عليه بجهد مشترك بيننا وبدعم فاعل من الأمم المتحدة.
ما زالت الهجرة من مناطق النزاع والإضرابات ومن أفريقيا تشكل هاجسًا مقلقًا دوليًا ما رؤيتكم لذلك؟
- ما زالت مسألة النزوح والهجرة في صدارة جدول الأعمال الدولي، بما في ذلك الهجرة من مناطق الصراع ومن أفريقيا ، وبناءً على إعلان نيويورك من أجل اللاجئين والمهاجرين الذي اعتمدته الأمم المتحدة بتاريخ 19-09-2016 تتم حاليًا بلورة اتفاقين عالميين بشأن اللاجئين والهجرة ، وهما مشروعان نعمل على تحقيقهما بقوة، حيث يتيح الاتفاق العالمي من أجل الهجرة فرصة تاريخية فريدة من نوعها لإنشاء إطار دولي للهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية ، ولا يمكن لبلد بمفردها أن تحل أزمات اللاجئين حول العالم. لذا؛ فإن الحكومة الاتحادية الألمانية تسعى إلى تطبيق مبدأ المسؤولية الدولية المشتركة والحفاظ على حقوق الإنسان واحترام الاتفاقيات الدولية المعنية بحماية اللاجئين.
برزت مظاهر للاستعباد وبيع الرقيق في ليبيا مستغلين أوضاع المهاجرين الأفارقة الإنسانية ، ما تعليقكم على ذلك؟
إن التقارير حول الاتجار بالبشر في ليبيا مروعة ، وقد اتفق الأوروبيون والأفارقة على هامش قمة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي في أبيدغان في مباحثات بنّاءة على تحسين أوضاع اللاجئين والمهاجرين داخل البلاد ، وستُتخذ هذه الخطوات بتنسيق وثيق مع حكومة الوفاق الوطني الليبية التي يجب أن تتحمل المسؤولية إزاء معاملة اللاجئين والمهاجرين داخل البلاد بما يضمن كرامتهم. ومن المهم الآن التنفيذ المباشر لما تم الاتفاق عليه بأبيدجان، وكذلك ضمان إجراء تحقيقات سريعة لكشف حقيقة الاتهامات المتعلقة بالاسترقاق في ليبيا.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر