أكد مسؤولون وخبراء أميركيون، أن مهربين أجانب يحاولون شحن تكنولوجيات أميركية متقدمة يمكن استخدامها في الأسلحة ومعدات التجسس إلى الصين وروسيا وخصوم آخرين بمعدلات تفوق الصادرات غير الشرعية وغير القانونية خلال الحرب الباردة، وفي إحدى الحالات الأخيرة، دفع رجل أعمال من ولاية تكساس مبلغ 1.5 مليون دولار لشراء دوائر خاصة مقاومة للإشعاع للبرامج الفضائية في روسيا والصين، وكان رجل الأعمال بيتر زوكاريللي يعمل مع عصابة تهريب يديرها مواطن أميركي باكستاني، وتُظهر وثائق المحكمة أن السيد زوكاريلي أصدر مستندات شحن مزيفة وتعمد الخطأ في تسمية الدوائر حيث كونها أجزاء لأجهزة الكمبيوتر التي تعمل باللمس، وقد حكم عليه في يناير/ كانون الثاني بالسجن لمدة أربع سنوات.
وفي حالة أخرى، سعى المواطن الصيني فوي سون لشراء ألياف الكربون M60، التي تستخدم في الطائرات العسكرية بدون طيار، من عملاء فيدراليين متخفيين في تحقيق الأمن الداخلي، باستخدام كلمة "الموز" كرمز لـ "ألياف الكربون"، واتخذ السيد صن خطوات لإخفاء وتصدير ما قيمته 25 ألف دولار من المواد التي اشتراها قبل وقت قصير من إلقاء القبض عليه، وحكم عليه في سبتمبر/ أيلول بثلاثة سنوات سجن.
وفي هذا السياق، قال بيت غيزاس، وهو عميل خاص في مكتب التحقيقات الأمنية الدولية، وهو فرع من إدارة الهجرة والجمارك "زعم سون صراحة في رسالة إلكترونية أنه كان على صلة وثيقة بالجيش". وتمكنت وزارة الأمن الوطني وحدها منذ عام 2013 بإلقاء القبض على ما يقرب من 3000 شخص حاولوا تهريب الأسلحة والتقنيات الحساسة، بما في ذلك الدوائر أو غيرها من المنتجات التي يمكن استخدامها في الصواريخ الباليستية أو الطائرات بدون طيار أو الأجهزة المتفجرة، وفي ذلك الوقت، وفقا لوثائق من وزارة الأمن الداخلي، استولى عملاء فيدراليون أيضا على أكثر من 7000 قطعة، بما في ذلك القطع الصغيرة وأجزاء المحركات النفاثة، التي سيتم تهريبها.
وتسيطر الحكومة الأميركية على تصدير مثل هذه المواد لمنع الدول المعادية أو المنظمات المتطرفة من تحويلها إلى أسلحة أو أجهزة قد تضر بالولايات المتحدة، وفي الماضي، ظهرت هذه التكنولوجيا في أجهزة متفجرة في العراق، ومقاتلات روسية وأقمار صناعية صينية. وقال مسؤولون إن روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران هي بعض الدول الأكثر نشاطا في محاولة الحصول على تكنولوجيا عسكرية أميركية بطريقة غير مشروعة، وانتشر الأعداء والجواسيس والتجار في السوق السوداء للحصول على التكنولوجيا الأميركية، لكن حجم الجهود الحالية غير معتاد، حيث قال روبرت ليتواك، نائب رئيس العلماء ومدير الدراسات الأمنية الدولية في مركز ويلسون في واشنطن "هذا أسوأ من أي شيء حدث خلال الحرب الباردة"، موضحا "خلال الحرب الباردة، كان هناك في الأساس تهديد واحد، وهو الاتحاد السوفياتي السابق، ولكن الآن هناك العديد من التهديدات".
ويرتبط ارتفاع التهريب بارتفاع عدد المتسللين الأجانب الذين يتسللون إلى شركات صناعة الدفاع والتكنولوجيا الأميركية، لسرقة مخططات الأسلحة والتكنولوجيا الحساسة. وقال باتريك ماكلوين، الذي يدير شركة خاصة "يمكنهم الجلوس في إيران أو كوريا الشمالية، بعيداً عن متناول السلطات الأميركية، ويأخذون ما يحتاجون إليه دون محاولة تهريب هذا البند خارج البلاد أو الحصول على شخص ما لسرقته، وهذا يجعل الأمور صعبة بالنسبة لنا".
ودفعت الصين وروسيا مليارات الدولارات إلى البحث والتطوير بينما يتحدون الولايات المتحدة لوضعها كدولة عالمية كبرى، لكن الخبراء قالوا إن برامجهم العسكرية والفضائية ما زالت متأخرة بسنين عن برامج واشنطن، فهم غير قادرون على هندسة الدوائر المتقدمة اللازمة لمضاهاة الأقمار الصناعية وأنظمة الأسلحة الأميركية.
وأعلنت الصين عن أكبر زيادة في الإنفاق العسكري منذ عام 2015، لدفع ثمن برنامج التحديث الطموح الذي سيشمل تطوير المقاتلة الشبح وحاملات الطائرات والصواريخ المضادة للسواتل. وأوضح رسلان بوخوف، مدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتقنيات، وهو مركز أبحاث رائد في صناعة الدفاع وتجارة الأسلحة في روسيا، أن الإدعاءات حول زيادة المحاولات الروسية لسرقة التقنيات العسكرية الأميركية مبالغ فيها، مضيفا "أعتقد اعتقادا راسخا أن مثل هذه الحالات لم تصبح أكثر انتشارا، فقط هي تدفع الجمهور للاهتمام أكثر بما يجري بسبب العلاقات المتوترة بين روسيا والولايات المتحدة".
ولكن بعض الخبراء الأميركيين، الذين استشهدوا باحتجاز وإدانة الأشخاص الذين تم القبض عليهم، قالوا إن التكنولوجيا التي سُرقت من الولايات المتحدة ساعدت الخصوم على تطوير أنظمة أسلحة جديدة، ويشير المسؤولون إلى الحكم الصادر في العام الماضي على ألكسندر بوسوبيلوف، من هيوستون، الذي كان جزءا من شبكة تهريب واسعة النطاق زودت روسيا بتكنولوجيا أميركية محدودة.
وتظهر سجلات المحكمة أن السيد بوسوبيلوف ومهربين آخرين قد اتهموا بتوفير ما لا يقل عن 50 مليون دولار من الإلكترونيات الدقيقة المتطورة التي تستخدم في كثير من الأحيان في الأنظمة العسكرية للرادار والمراقبة وتوجيه الصواريخ للجيش الروسي ووكالات الاستخبارات على مدى عقد من الزمان. وقال بروس دبليو بينيت، وهو محلل عسكري كبير في مؤسسة راند، إن الصين على وجه الخصوص تمتلك قاعدة تصنيع قوية ومعرفة علمية لصنع أسلحة متطورة، لكن تطوير الأنظمة الجديدة قد يستغرق سنوات، "فلماذا نستثمر المال والوقت لتطويره، عندما يمكنك الحصول عليه من خلال وسائل أخرى؟".
ومن غير الواضح حتى الآن مدى نجاح الصين وروسيا وكوريا الشمالية ودول أخرى في الحصول على أسلحة أو تكنولوجيا أميركية الصنع، لكن المسؤولين يقولون إنهم يعتقدون أن المشكلة مصدر قلق واسع للأمن القومي الأميركي. وتدير تحقيقات الأمن الوطني جهود الحكومة للسيطرة على صادرات التكنولوجيا والأسلحة الحساسة من خلال مركز تنسيق إنفاذ التصدير، ويقودها السيد ميك إلوان، وهو وكيل خاص يعمل جنبا إلى جنب مع المحققين والمحللين من مكتب التحقيقات الفيدرالي والدوائر الحكومية والتجارية والدفاعية، وتشارك فيه وكالات الاستخبارات الأخرى أيضا.
إن مهمة فصل الصادرات غير القانونية من الشحنات المشروعة للأسلحة والتكنولوجيا مهمة شاقة، فبعض العناصر مثل الدوائر المصغرة المسروقة تكون صغيرة ويمكن إخفاؤها بسهولة، ويمكن أن تصبح عملية شراء التكنولوجيا المُصدرة قانونا غير قانونية بعد أن تترك الولايات المتحدة، ويحدث ذلك عندما يتم شحن التكنولوجيا الحساسة إلى الدول الصديقة ولكن يتم إرسالها على الفور وبشكل غير قانوني إلى الدول التي تنتهك فيها هذه الصادرات القوانين الأميركية، بما في ذلك الصين وإيران.
ويشرك مسؤولو الولايات المتحدة قواعد بيانات إنفاذ القانون والاستخبارات والتجارة للبحث عن الحزم المشبوهة التي قد تحتوي على تكنولوجيا مسروقة، كما تعتمد أيضا على نصائح من الشركات التي تتلقى طلبات بحث مشبوهة عن العناصر، ولكن حلقات التهريب الأجنبية التي تسعى إلى تصدير التكنولوجيا الأميركية بطريقة غير مشروعة لا تظهر أي علامات على التراجع، حيث أفادت شركات المقاولات والتقنية العسكرية بحدوث زيادة بمقدار عشرة أضعاف في عدد الاستفسارات المشبوهة التي يتلقونها من الأفراد الذين يسألون عن أنظمة وتكنولوجيا الأسلحة، وذلك وفقا لشخص مطلع على الاستفسارات غير مصرح له بمناقشة التحقيقات الحالية.
وقال ديفيد أولبرايت، رئيس معهد العلوم والأمن الدولي في واشنطن، إنه على الرغم من تفكيك بعض حلقات التهريب، فإن السلطات الفيدرالية لا تزال تتفوق عليها، كما أن آليات هزيمة ضوابط التصدير تتضاعف بشكل أسرع من الجهود المبذولة لوقفها.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر