موسكو ـ ريتا مهنا
مازح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره التركي رجب طيب أردوغان، خلال زيارته سوتشي أخيرًا، عندما لاحظ أن الوفد التركي لم يجلس على المقاعد المخصّصة له لبدء جلسة المحادثات بين الجانبين، حيث لم تخل المزحة من مغزى سياسي، في ضوء الاستياء الروسي من قرارات بفرض قيود على صادرات روسية، اتخذتها الحكومة التركية قبل الزيارة، واعتبرت موسكو أنها تعيق تطوير العلاقات كما اتفق الرئيسان.
وغدا "مزاح بوتين" و "زلات لسانه" المتكرّرة مع ضيوفه والزعماء الذين يجتمع بهم خلال جولاته الخارجية، ظاهرة لافتة في السنوات الأخيرة، اتخذت بعدًا سياسيًا على خلفية تراكم ملفات الخلافات مع الغرب، فقد استخدم في حديث مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل يومًا، مثلاً روسياً لم يعتد السياسيون على ترديده في لقاءات رسمية، مفاده أنّه "مهما حاولت في ليلة الدخلة، النتيجة يجب أن تكون واحدة"، وبعيدًا من عبارات تدخل في إطار المزاح "الثقيل" الذي يصل إلى مستوى التهديد المباشر، مثل عبارات بوتين عن "توجيه الصواريخ الروسية إلى رومانيا وبولندا" رداً على نشر الدرع الصاروخية الأميركية في أوروبا، فإن عبارات أخفّ ظلاً عكست واقع العلاقات الروسية– الغربية، مثلما حدث عندما عرض بوتين على نظيره الإيسلندي "المساعدة في حماية بلدكم لأنكم لا تملكون جيشاً"، وجاء الجواب على مستوى المزحة أنّ "بلدنا صغير جداً إلى درجة أن لا أحد يمكن أن يتهم أطرافاً بالتدخل في انتخاباتنا"، وشكّل موضوع اتهام روسيا بالتدخل في مسار انتخابات بلدان أخرى مادة دسمة للمزاح والتأويل، حتى أن بوتين أجاب عن سؤال لصحافي أميركي بشأن نيته ترشيح نفسه لولاية جديدة بعبارة "في أي بلد تقصدون؟"
وخاطب بوتين العام الماضي وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري خلال لقاء في الكرملين، منوهاً إلى حقيبته الحمراء الكبيرة، مشيرًا إلى أن أمله "خاب" عندما رآه ينزل من الطائرة وهو يحمل بنفسه أغراضه، و"من جهة، هذا تصرف ديموقراطي جداً، لكنني سألت نفسي إن كان الوضع في الولايات المتحدة ليس جيداً، إذ لا يوجد أحد يساعد وزير الخارجية في حمل حقيبته"، مستدركًا "وضعكم الاقتصادي جيد، لهذا قلت لنفسي لا بد أن هذه الحقيبة تحتوي شيئاً ثميناً، لا بد أنك أحضرت معك أموالاً لكي تساوم أفضل معنا"، لكن أكثر "مزحات" الرئيس الروسي تردداً على المستوى الداخلي، كانت الإشارة إلى شغب الملاعب العام الماضي بين مشجعين روس وإنكليز، عندها فاخر بوتين في لقاء تلفزيوني بـ "رجولة المشجعين الروس"، معلّقًا بأنه "دهِش كيف تمكن 200 مشجع روسي من أن يضربوا 2000 مشجع إنكليزي!"
وأثارت مزحة "بريئة" وفق وصف مقربين من الكرملين استياءً واسعاً في الغرب، ففي زيارة إلى معهد للجغرافيا في حضور أطفال متفوقين، وجه بوتين سؤالاً إلى أحدهم عن حدود روسيا، وعندما بدأ الطفل باستعادة خريطة البلاد، قاطعه الرئيس بعبارة حاسمة "روسيا لا حدود لها!" ثم استدرك أن هذه "مجرد مزحة"
ويبدو أنّ مزاح الرئيس بوتين في الشأن الداخلي كان لاذعاً أيضاً، خصوصاً إذا تعلق الأمر بالأزمة الاقتصادية الخانقة في روسيا، فهو رد على تقرير مدير أحد المصانع بأن "الإنتاج يزيد أضعافاً والرواتب تراوح مكانها"، بتأكيده أن ذلك جيد و"ها نحن فعلاً نعيش في عصر الشيوعية"، وفي واحدة من المزحات الخفيفة استهدفت وزير الثقافة فلاديمير ميدينسكي الذي قدم تقريراً خلال اجتماع في الكرملين عن أوضاع "القصور الثقافية" في البلاد، أشار إلى أهمية توسيع صالات مشاهدة لعبة الهوكي للرجال، وتخصيص مساحات في القصور للطبخ وتبادل الأحاديث للنساء لأن "مشاهدة الهوكي مع الرجال لا تجلب متعة إليهن"، ووجدها بوتين فرصة سانحة لإظهار موقفه المدافع عن النساء، فطلب من رئيس الوزراء في الجلسة العلنية، إخضاع الوزير إلى دورة تثقيفية عن حقوق المرأة.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر