تزداد أعراض الاكتئاب النفسي والتوتر والعزلة بين الأطفال الهاربين من قبضة "داعش"، بعدما عانوا أبشع أنواع التعذيب والعنف الحسّي والبدني من أجل إجبارهم على اتّباع أفكار التنظيم المتشددة، المتمثلة في كراهية غير المسلمين والاستعداد للموت في واحدة من معارك الخلافة المزعومة.
وشوهِد طفل إيزيدي (10 أعوام) عبر مقطع فيديو يظهر لقطات من الشباب يرتدون زيًا عسكريًا ويحملون بنادق الكلاشينكوف في أيديهم ويهتفون "الموت للكفار"، ولوقت ليس بعيد كان الصبي الذي يدعى آدم واحدًا من هؤلاء الاشخاص، بعد أن انتزع من عائلته ليصبح ما يسميهم تنظيم داعش "أشبال الخلافة"، وهي وحدة نخبة للمراهقين يدرسون فيها الآراء المتطرفة وقطع رأس كل من يختلف معهم حتى لو كان آباؤهم وأمهاتهم.
واستطاعت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية الوصول إلى هذا الصبي وأجرت معه مقابلة غير عادية بشأن قصته في كنف داعش، وكيف أجبر على دراسة ملفات الفيديو لقطع الرؤوس كي يتعلم ويصبح جلادًا هو ذاته، والتي يصفها بأكثر الأمور مرعبة في الحياة.
داعش"""أخبرهم المقاتلون البالغون بقصص كيف كانوا يشاركون في المعارك ويقتلون الناس" src="http://www.almaghribtoday.net/img/upload/almaghribtodayfgfccccccccc.jpg" style="height:350px; width:590px" />
وذكر الفتى آدم "علمني داعش الضرب والقتل وقطع رأس كل من هو غير مسلم ولا يتبع القرآن، وقيل لي إن كل شخص لا يتبع القرآن هو كافر، وعلموني كيف أطلق النار وكيف أقطع الرؤوس، وأجبرونا على ترديد: أنا أحارب لأجل داعش ولأجل الشيخ البغدادي"، وكان واحدًا من بين 150 طفلًا غسلت أدمغتهم على كراهية غير المسلمين والاستعداد للموت في واحدة من معارك الخلافة، ودربوا على إطلاق النار ببندقية الكلاشينكوف وقطع رؤوس الكفار، وكان واحد من أفضل مقاتليهم وأشهرهم، وكان يشارك في معقد الفاروق حيث يلقن الأطفال التعاليم الدينية والتدريب العسكري على أيدي مدرسين متعصبين أرادوا أن يحولهم إلى جيش يقتل لصالح داعش من دون خوف.
وأجبر الأطفال على ارتداء الزي الرسمي لداعش مع عصبة سوداء على رؤوسهم لتصويرهم للعالم كأنهم مجندون مستعدون للقتال حتى آخر قطرة دم في أشرطة فيديو دعائية مروعة والكثير من الصور والمشاهد المتكررة على شبكة الإنترنت، ويأخذ الفتى من آدم اسمًا له بالرغم من أنه ليس اسمه الحقيقي وأرسل إلى معسكر تدريبي في الرقة بعد أن قبض عليه مع عشرات الصبية الإيزيديين خلال غارة داعش على جبل سنجار في العراق في أب/أغسطس العام 2014، وفصلوهم عن أقاربهم وأجبروهم على اتخاذ أسماء إسلامية وعلى تأدية الصلاة ومنعوهم من التحدث باللغة الكردية الخاصة بهم، ويجبر الأطفال أيضًا على النوم في غرفة مجندين تحتوي على سرر بطابقين منصوبة في ممرات طويلة، ويتألف الروتين اليومي لهم من ساعات من التلقين الديني يليها ساعة من التدريبات البدنية والتدريب العسكري والدعائي.
وتابع الفت آدم "لقد تعلمنا عن الإسلام وكيفية القتال، وكان علينا أن نستيقظ الساعة الرابعة فجرًا لأداء الصلاة ثم نعود إلى النوم لساعين ونستيقظ الساعة السادسة لنتعلم القرآن والشريعة حتى الـ12 ظهرًا ثم يبدأ الغداء، وفي الساعة الواحدة بعد الظهر كنا نتلقى التدريبات العسكرية، نبدأ التدريبات العسكرية مع التمارين الرياضية فنمدد أرجلنا، ونقود تمارين الضغط ونبدأ بالقفز والجلوس القرفصاء، حتى نصبح أقوياء، ثم نصطف في صف واحد تبدأ باللكم في الهواء ، تعلمنا كيف نلكم في مجموعات، وفي وقت لاحق من النهار يعرضون علينا فيديوهات جرى فيها قطع رؤوس غير المسلمين، ومرة أحضروا مقاتلين أكراد في معسكر التدريب وقتلوهم، وبعدها وضعوهم في شاحنة وأحضروهم لنا كي نشاهدهم، وأخبرنا المقاتلون دائمًا كيف قتلوا الجنود من الجيوش الأخرى".
وأردف آدم "عملني على الأسلحة بما في ذلك الكلاشينكوف، وكيفيه تفكيكه وتجميعه وإطلاق النار باستخدامه، وأطلقت النار به مرات عدة على زجاجات فارغة أو أشجار، وعلموني كيف أستخدم السكين، حتى أصبح قادرًا على قطع الرؤوس عندما أصبح جنديًا، واضطررت لارتداء الزي العسكري وعصبة على الرأس تحمل الشعار، في البداية كانوا يعلقوها لنا، ثم أصبحنا نضعها بنفسنا، ولكني لم أكن أريد أن أقاتل معهم أو أن أصبح جنديًا لدى داعش، وكان أسوأ الأوقات خلال رمضان، فكان داعش يغلق المطابخ ولم يعطونا أي شيء لنأكله، فكنا نشعر بالجوع لدرجة أنه مرة أغمى علي من الجوع والعطش، مرة كنت جائعًا فطلبت الطعام فضربوني بالأنابيب البلاستيكية، وكانوا يضربوننا جميعًا.
وعلى الرغم من معاملة داعش الوحشية فلم ينسى الولد جذوره الإيزدية، وقال "لقد افتقدت عائلتي وفكرت في منزلي، ولم يكن مسموحًا لي أن أتحدث بالكردية وفقط كان مسموحًا أن أتحدث باللغة العربية، ولم يكن مسموحًا أن نقول شيئًا عن حياتنا قبل أن تقبض علينا داعش، ولكن بطبيعة الحال تذكرت والدي وأشقائي على الرغم من أنني لم أكن أتحدث عنهم، وكان هناك الكثير من الأولاد الإيزيدين الآخرين في معسكر التجريب، ولكن لم يكن أيًا منهم يرغب في أن يكون هناك، وفي الليل عندما يرسلوننا إلى النوم كنا نهمس لبعضنا بالكردية، وكنا ننام في غرف على أسِرة بطابقين، يتراوح عددها بين خمسة أسِرة و20 سريرًا في كل غرفة، وفي بعض الأحيان كنا نحظى بالمرح".
واستطاع الولد بعد سنة أمضاها في معسكرات داعش من تلقي رسالة من أهله يريدون أن يهربوه فيها، وتابع "لقد افتقدت عائلتي وكل شخص فيها، فطوال الوقت الذي قضيته هناك أردت أن أهرب وابتعد عن داعش"، ويسعى آدم إلى التخلص من ذكريات المدة التي قضاها مع داعش، ويعترف أن العودة إلى حياته كما في السابق سيكون صعبًا، وذكر شقيقه "في الأسبوع الأول لم يكن عقله بخير فكان مازال مهتمًا بالإسلام ويريد أن يشكك في الدين الإيزيدي، ولاحظت عند زيارتنا للمعبد في هذا الأسبوع أنه قال لي إنه لا يريد أن يعبد الحجارة، ولكني أخبرته أننا لن نصلي ولكننا سنزور مكانًا مقدسًا في ديننا، وبعد أن فهم كل شيء أصبح يكره الإسلام"، ويعيش اليوم آدم في مخيم للاجئين شمال العراق، ولا يحمل أي ندبة من الأشهر التي قضاها لدى داعش ولكنه يحمل الكثير من الضرر النفسي الذي سيبقى أثره لأعوام كما يقول الخبراء.
ويشوب الخوف فرحة عودته مما كان سيصبح عليه لو أنه ترك في أيديهم، وهذا ما سيحدث للكثير من الأطفال الذين لم يحالفهم الحظ للهروب، ويخشى المسؤولون العراقيون أن هؤلاء الشباب سيصبحون متطرفين إسلاميين وينفذون أعمالًا وحشية كبيرة، واعترف مدير مكتب الشؤون العامة للمخطوفين في محافظة دهوك، حسين القاضي "نحن لا نعرف ماذا سيكون مصير الأطفال في المستقبل، ونخشى أنه سيضرون العراق والعالم بأسره، فهم يتعرضون لغسيل دماغ وسيعودون كي يقاتلوا، وتحدثت في إحدى المرات مع طفل إيزيدي نجا من داعش كان يعتقد أنني كافرًا ويجب قتلي، فقد تعرض لغسيل دماغ".
ويناضل آدم مثل الأولاد الآخرين للتأقلم مع ما يحدث ويعاني من الكوابيس والغضب والعزلة، وهو أمر شائع بين الأطفال الجنود، وأوضحت إيزابيل جيتارد من منظمة رعاية الأطفال الجنود "تجند الجماعات المسلحة الأطفال وتستخدمهم من خلال التأثير عليهم بطرق، وتستمر التأثيرات العاطفية لهذه التجربة لفترة طويلة وسيظهر عليهم الكثير من الأعراض مثل القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، ويعتمد الأثر النفسي للجنود الأطفال على عمر الطفل وشخصيته، وإذا ما كان مختطفًا أو انضم عن طيب خاطر وعلى ظروفه قبل انضمامه للمجموعة وكم شهد من فظائعه، وتعرض الكثير من الأطفال إلى سلوك مختل واضطرابات ما بعد الصدمة بعد الإفراج عنهم".
ويحلم آدم أن يصبح طبيبًا أو معلمًا في يوم من الأيام كي يستطيع مساعدة الناس، وكان واحدًا من الأولاد القلائل الذين أنقذوا، وتضم مجموعة من أنقذوا نحو 13 طفلاً ذهبوا إلى ألمانيا لإعادة التأهيل، كما أطلق سراح الطفلة مادلين بعد بضعة أيام من دفع أقاربها فدية تقدر بحوالي 7500 دولار، وكانت اختطفت مع أمها عندما اجتاح داعش قريتهم في جبل سنجار وقتلوا والدها، واضطرت أن تعتنق الإسلام وبقيت على قيد الحياة خلال أشهر من الأسر في الرقة، وقامت والدتها بقص شعرها كالأولاد حتى لا يأخذها المقاتلون سبية، وأوضحت مادلين "لقد قالوا لنا إننا كنا كفار، وكنت أجبر على الصلاة خمس مرات في اليوم وأن أتعلم القران، وكانوا يجرون اختبارات لنا في القرآن وكانوا يضربوننا عندما نخطئ، أمي أردت أن تحميني لذلك قصّت شعرها كي أبدوا مثل الولد كي لا يزوجوني".
ودشّنت حكومة إقليم كردستان العراق مكتب تنسيق عمليات إنقاذ للأطفال المختطفين لدى داعش، وبعد أخذ الشاهدات من الناس اكتشفوا أن التنظيم اختطف 6250 شخصًا، واستطاعوا إنقاذ 2445 شخصًا من بينهم 325 رجلًا و902 امرأة و595 فتاة و623 ولدًا، وأوضح القاضي "مازال هناك 3800 شخص نعرفهم يعيشون لدى داعش ويعمل المكتب على استراتيجية مكونة من ثلاث نقاط هي إيجاد مكان الشخص ثم إيجاد طريقة لإخراجه ثم إعادة التأهيل، وأرفض مناقشة قضية دفع فدية لداعش من أجل إطلاق الرهائن".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر