موسكو ـ حسن عمارة
أعلنت وزارة الدفاع الروسية الثلاثاء، عن استمرار غاراتها الجوية واستهداف المناطق السورية رغم الانسحاب.
وبدأت روسيا صباح الثلاثاء سحب معداتها العسكرية من سورية ، تنفيذًا لقرار مفاجئ كان أصدر الاثنين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسحب القسم الأكبر من هذه القوات. وأعلنت وزارة الدفاع في بيان أن "تقنيين بدأوا بتحضير الطائرات لرحلات طويلة المدى إلى قواعد في روسيا"، مضيفة أن القوات العسكرية تقوم بتحميل معدات وتجهيزات على متن هذه الطائرات.
وأوضحت الوزارة أن العاملين في قاعدة "حميميم" الجوية الروسية بسوريا بدأوا إعداد الطائرات لمغادرتها إلى روسيا، وهم يقومون حالياً بشحن طائرات النقل العسكرية بالمعدات والأجهزة التقنية وغيرها من الممتلكات، استعدادا للعودة إلى الوطن.
كما أشار البيان الصادر عن المكتب الإعلامي للوزارة إلى أن الطائرات الروسية في حال قيامها بقطع مسافة تربو على 5 آلاف كيلومتر، ستهبط بشكل إضافي في مطارات روسية للتزود بالوقود والتأكد من سلامة حالتها التقنية.
وقد بدأ هذا القرار يلاقي ردود فعل مختلفة، كان أولها من نيويورك حيث اعتبر مجلس الأمن الدولي الإعلان الروسي عن انسحاب عسكري من سورية أمرا" إيجابيا". وقال الرئيس الحالي للمجلس السفير الأنغولي إسماعيل غاسبار مارتينز، "أخذنا علما بقرار روسيا بدء سحب جزء من قواتها وهذا شيء جيد"، مضيفا "نعتقد جميعا أن هذا أمر إيجابي".وأوضح في ختام مشاورات مغلقة حول سورية في المجلس أن هذه المبادرة "أصبحت ممكنة بسبب التعاون الجيد بين الولايات المتحدة وروسيا".
وأعلن وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير الإثنين أن انسحاب الجزء الأكبر من القوات الروسية من سورية الذي أعلنه الرئيس فلاديمير بوتين، في حال تأكد، "سيزيد الضغط" على الرئيس السوري بشار الأسد. واعتبر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الثلاثاء أنه ينبغي النظر إلى خطوة روسيا ببدء الانسحاب من سورية، كإشارة إيجابية لوقف إطلاق
النار. وقال إن "حقيقة صمود شبه هدنة في سورية موضع ترحيب، هذا شيء كنا نطالب به منذ ما لا يقل عن عامين ونصف العام أو ثلاثة أعوام".
أما البيت الأبيض فقد اعتبر أنه "من السابق لأوانه التكهن بالتداعيات المحتملة لقرار من هذا النوع على المفاوضات الجارية في جنيف". وقال جوش ايرنست، المتحدث باسم الرئيس الأميركي باراك أوباما، "ل ابد لنا من أن نعرف بدقة ما هي النوايا الروسية". وأضاف في مؤتمره الصحافي اليومي "من الصعب علي أن أقيم التداعيات المحتملة لهذا القرار على
المفاوضات الجارية".
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين و"بشكل مفاجئ" أعلن أنه بصدد سحب غالبية القوات الروسية من الأراضي السورية، باستثناء طاقمي القاعدة الجوية في حميم، في محافظة اللاذقية الساحلية، إضافة إلى المنشأة البحرية في ميناء طرطوس، وذلك بالتزامن مع بدء الجولة الثانية من محادثات السلام في جنيف، وهو ما يعد مؤشرًا على اعتقاد موسكو أنها فعلت ما يكفي لحماية نظام الرئيس السوري بشار الأسد من الانهيار.
وأبلغ بوتين الرئيس السوري شخصيًا بالقرار في اتصال هاتفي، عقب اجتماعه في الكرملين مع وزراء الدفاع والخارجية الروسية، وذكر أن الانسحاب يقلل من التدخل الذي بدأ نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي، ومن المقرر أن يبدأ الثلاثاء، وقال بوتين إنه أمر طاقمه الدبلوماسي بتكثيف جهودهم من أجل التوصل إلى تسوية لإنهاء الحرب الأهلية التي تدخل عامها السادس، الثلاثاء، وراح ضحيتها ما لا يقل عن 25 ألف شخص.
وتزامن قرار الرئيس الروسي بالانسحاب مع بدء محادثات السلام السورية في جنيف، وهو ما سينظر إليه على أنه علامة لاعتقاد روسيا بأنها فعلت ما يكفي لحماية نظام الأسد من الانهيار، بينما شكَّكت مصادر دبلوماسية غربية في ذهول من تحرك بوتين الزئبقي وغير المتوقع، قائلة إنها ستنتظر لترى ماذا يمثل ذلك، حيث ذكر دبلوماسي يوجد في محادثات جنيف أن بوتين أعلن في الماضي عن تنازلات مماثلة ولم يتحقق شيئًا.
واتهم النشطاء السوريين والجماعات الحقوقية تلك الهجمات العشوائية التي تشنها الطائرات الروسية في حملتها، والتي أدت إلى سقوط عدد هائل من الضحايا من المدنيين، وهي الاتهامات التي كان ينفيها المسؤولون الروس مرارًا، كما تعرضت موسكو أيضًا لانتقادات بسبب قيامها باستهداف جماعات المعارضة المعتدلة، في الوقت الذي كانت تزعم فيه مكافحتها تنظيم داعش المتطرف.
ولم يعقّب وفد المعارضة السورية على إعلان بوتين الانسحاب من الأراضي السورية، ولكنه أعرب عن أمله بأن يكون ذلك التحرك بمثابة إشارة محتملة لكون القرار النهائي بشأن الحرب في سورية بيد الرئيس الروسي وليس بشار الأسد، وذكر المتحدث باسم لجنة المباحثات العليا للمتمردين، سالم الموسلات، أن الجدية في تنفيذ الانسحاب الروسي ستعطي المحادثات دفعة إيجابية وتشكل عاملاً رئيسياً في الضغط على النظام السوري، فلطالما كان هناك دعم من الجانب الروسي للقوات الحكومية.
ومن المرجح أن تواجه المحادثات طريقًا مسدودًا بما سيسمح للرئيس الأسد بالبقاء في السلطة خلال أيّة عملية انتقال سياسي في المحادثات، وحتى بعد إجراء إنتخابات رئاسية جديدة تشرف عليها الأمم المتحدة خلال 18 شهرًا، وأوضح الكرملين في بيان له أن بوتين والأسد اتفقا على نجاح العمليات التي نفذتها القوات الجوية الروسية في سورية، بما سمح لهم باستعادة الوضع بعد محاربة المتطرفين في المنطقة، وإلحاق الضرر بالبنية التحتية للمسلحين.
وأضاف بوتين أن العمل الفعال للجيش الروسي قد هيأ الظروف من أجل البدء في عملية السلام، مشيرًا إلى أن القوات السورية الوطنية باتت قادرة على تحقيق تحول جوهري في مكافحة التطرف الدولي، وأخذت زمام المبادرة على جميع الأصعدة تقريبًا، وستحافظ موسكو على وجودها العسكري داخل الأراضي السورية، ولم يتم بعد الإعلان عن الموعد النهائي لإجراء انسحاب كامل، إذ ذكر بوتين أن القاعدة الجوية الروسية الموجودة في حميم، الواقعة في محافظة اللاذقية الساحلية السورية، إضافة إلى المنشأة البحرية في ميناء طرطوس السوري ستواصل العمل.
وكان سلاح الجو الروسي قادرًا على القيام بنحو 100 طلعة جوية يوميًا من القاعدة، ستكون قادرة على إعادة التجهيز سريعًا حال شعرت أن التوازن العسكري يتطلب القيام بذلك، وكشف وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو، الاثنين، أن التدخل العسكري أدى إلى مقتل 2,000 شخص من العصابات المتطرفة التي تقاتل ضد الحكومة السورية، فضلاً عن مقتل 17 من القادة الميدانيين، وأن أكثر من 200 منشأة نفطية قد تعرضت للهجوم، إلى جانب استعادة 400 مستوطنة وقطع الطريق الرئيسي من تركيـا لدعم المقاتلين المتمردين.
وبالنظر إلى أن إطلاق الانفصاليين المدعومين من روسيا واحدة من أكبر هجماتها في أوكرانيا في شباط / فبراير العام 2015، وانضمام بوتين إلى زعماء العالم الآخرين في التفاوض على وقف إطلاق النار في سورية، فستكون هناك شكوك حول مدى جدية الإعلان عن نهاية المهمة في سورية، ومع ذلك، فقد حققت روسيا هدفها في ضمان مقعد رئيسي علي طاولة المحادثات، وقال أستاذ الشؤون العالمية في جامعة نيويورك سيتي، مارك غاليوتي، إن التدخل العسكري في سورية قد حقق أهدافه باستعادة النظام السوري توازنه وإلحاق الهزيمة بالجماعات المسلحة، إضافةً إلى الجلوس على طاولة المفاوضات لبحث وقف إطلاق النار.
بينما شدَّد مبعوث الأمم المتحدة الخاص لدى سورية، ستيفان دي ميستورا، مع بدء المحادثات في جنيف، على المفاوضون ضرورة تذكر أن جيلاً كاملاً من الأطفال السوريين "ما يزيد عن 3,5 مليون طفل تحت سن الخامسة" لم يشهد أي شيء سوى الحرب، ولم يعلق مساعدوه على الخطوة الروسية، ووجهت الحكومات الغربية، جنبًا إلى جنب مع تركيا والمملكة العربية السعودية، مرارًا الاتهامات إلى بوتين بنشر قواته الجوية لا لقصف أهداف تابعة لداعش، وإنما لاستهداف قوات المتمردين بما في ذلك الجيش السوري الحر المعتدل، وغالبًا ما تمتد الاعتداءات إلى المدارس والمستشفيات.
كما تعرض بوتين في وقتٍ سابق من هذا الشهر لاتهام من القائد العسكري لحلف الناتو في أوروبا، الجنرال فيليب بريدلوف، بتعمده نقل أزمة اللاجئين من سورية في محاولة لإرباك أوروبا، بينما نفى موسلات أن يكون التدخل العسكري الروسي أضعف موقف المعارضة في المفاوضات، قائلاً إنهم يقتربون من الوصول إلى حل للأزمة في الوقت الحالي أكثر من أي وقتٍ مضى، وأضاف أن اتفاق وقف إطلاق النار الهشّ لمدة إسبوعين والبدء بتوصيل القوافل الإنسانية قد أحدث تغييرًا للأجواء داخل سورية، إلا أنه وفي إشارة للمخاطر التي قد تفشل معها المحادثات، أعلن وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، عزم الحكومة الحفاظ على مستقبل الأسد، وعدم التحدث مع أي أحد يريد مناقشة مستقبل الرئاسة، إلا أن موسلات يقول إن عملية الانتقال السياسي يجب أن تكون من دون الأسد، الذي أودى بحياة نصف مليون شخص ودمر البلاد، كما أن الشعب السوري لا يتقبله، مشيرًا إلى أنه لا يريد السماع من روسيا أن مستقبل الأسد يعد أمرًا غير قابل للنقاش.
وفي الشأن العسكري لا تزال الاشتباكات العنيفة تتواصل في محيط منطقة "الرقة"، وتتركز عند قرى سد تشرين، بعد الهجوم الكبير الذي قام به مسلحو التنظيم المتطرّف على مواقع التمركز التي تسيطر عليها "الديمقراطية" غربي نهر الفرات في محيط المنطقة الواقعة بين بلدة جرابلس الحدودية وسد تشرين. وأكدت مصادر ميدانية ، أن "الديمقراطية" تمكنت من قتل 12 داعشياً وتدمير 5 عربات. من جهتها أكدت مصادر من "حماية الشعب"، أن مسلحي داعش قصفوا من مواقع تمركزهم ببلدة جرابلس الحدودية مع تركية بالأسلحة الثقيلة وقذائف الهاون قرية تل العبر جنوب غرب بلدة عين العرب الحدودية والقرى المجاورة لها، في الوقت الذي قلّص فيه مسلحو التنظيم من عدد مواقع تمركزهم داخل المدينة وانتقال قسم منهم إلى حي جرابلس تحتاني في المدينة. ولا يزال حظر التجوال مستمراً في بلدة نصيبين الحدودية مع سورية المتاخمة لمدينة القامشلي، مع سماع دوي انفجارات عالية واشتباكات متقطعة بالأسلحة الرشاشة بين قوات الجيش التركي ومسلحي حزب العمال الكردستاني، بحسب مصادر أهلية، وذلك بعد الانفجار الدموي الذي ضرب العاصمة التركية أنقرة وذهب ضحيته العشرات بين قتيل وجريح.
وتتواصل الاشتباكات بين "وحدات حماية الشعب" ذات الأغلبية الكردية من جهة والمجموعات الإسلامية المسلحة من جهة أخرى، في حي الأشرفية بحلب، ولا تزال المعارك العنيفة متواصلة بين تنظيم داعش، وتنظيمات مسلحة أخرى، في ريف حلب الشمالي الشرقي، وسط تمكن الأخيرة من انتزاع عدة قرى من التنظيم. وانسحبت "الفرقة 13" التابعة لـ "الجيش الحر"، من مقراتها في مدن معرة النعمان وخان شيخون وحيش بريف إدلب، بعد هجوم جبهة النصرة فرع تنظيم القاعدة الإرهابي في سورية على مقراتها في تلك المدن. وتدور اشتباكات بين "حماية الشعب" من جهة، والمجموعات الإسلامية المسلحة من جهة أخرى، في محيط السكن الشبابي بحي الأشرفية في حلب، حيث قضى القيادي في كتائب تابعة لـ"الجبهة الإسلامية" عمر سندة، خلال هذه الاشتباكات. كما قصفت المجموعات الإسلامية المسلحة تمركزات لـ"قوات سورية الديمقراطية" في بلدة تل رفعت وقرية عين دقنة بريف حلب الشمالي، ولم ترد معلومات عن خسائر بشرية.
يذكر أن روسيا تدخّلت في الحرب السورية في آواخر الشهر التاسع من العام الماضي، بذريعة محاربة تنظيم الدولة.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر