استعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للبقاء في السلطة، في وقت خيمت فيه سحابة فوق حملته الحادة التي طرحت أسئلة حول قدرته على شفاء إسرائيل من مشاكلها الداخلية أو تحسين وضعها في العالم.
أوضح نتنياهو أنه لن يكون هناك دولة فلسطينية في عهده، وثار ضد الناخبين العرب لأنهم شاركوا في التصويت.
وبدا أنه يكسب الأصوات من باقي الأحزاب اليمينية في وقت يتلقى فيه الانتقاد من العواصم الأوروبية وواشنطن والضفة الغربية باعتباره سياسي ساخر يقوم بالحسابات السياسية.
لكنه خلال حملته أغضب الرئيس الأميركي بسبب خطابه في الكونغرس، وأثار حفيظة القادة الأوروبيين الذين يريدون لعجلة السلام أن تسير قدمًا للوصول إلى دولة فلسطينية.
وأوضح المستشار السابق للرئيس الأميركي "ديفيد أكسلرود" أن إعلان نتنياهو في أخر لحظات عبر تويتر أنه لن يسمح بإنشاء دولة فلسطينية ربما ساعده في تحقيق الانتصار. وكتب "أكسلرود" أن التشديد بشأن وجود إسرائيل ربما أكسب نتنياهو الديماغوجي بعض الأصوات لإنقاذه، متسائلًا : "ولكن بأي الثمن؟"
بالرغم من ذلك فإن نتنياهولديه تاريخ طويل في السلطة وأثبت في الماضي قدرته على التنقل بسلاسة من الحملات الانتخابية إلى الحكم. فهو، وفق المحللين، براغماتي التاريخ.
واعتبر مؤسس معهد "رويت" "غيدي غرينستاين" أنه لو فاز نتنياهو برئاسة الوزراء من جديد "فإنه سيفكر مطولًا وبقوة بالتاريخ الذي يريد أن يتركه وراءه بشأن ديموغرافية إسرائيل وموقفها في العالم"، موضحًا أنه "في نهاية المطاف لا أتوقع عدم عودته لحل الدولتين"، في إشارة إلى دولة فلسطينية بجانب إسرائيل.
ولفت نائب وزير الخارجية الإسرائيلي في الحكومة المنتهية ولايتها، الليكودي تساخي هانغبي إلى توقعه بأن تقوم بالإدارة الأميركية بجهود لإعازة المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية.
وقد أظهرت الحملة الانتخابية للبرلمان انقسامات كشفت عن شقوق كبيرة في المجتمع الإسرائيلي بين المتدينيين والعلمانيين، وبين اليسار واليمين. كما أظهرت رجلًا متعبًا يحاول كل جهده للفوزة بسلطة رابعة، في حملة تحولة لحملة خاصة ومريرة. فقد رمى نتنياهو خلفه كل البروتوكولات السياسية والديبلوماسية في الأيام الأخيرة للمعركة الانتخابية. إذ أعلن أنه في حال نجح حزب الليكود بالانتخابات، فإنه لن يسمح أبدا بإنشاء دولة فلسطينية، في تراجع عن خطوة اتخذها قبل ست سنوات. وقد زاد دلك من مخاطر تدمير العلاقة المتضعضعة مع أوباما بسبب الخلاف على الملف الإيراني واليأس الأوروبي المتنامي من إسرائيل.
أصبح خلاف نتنياهو مع البيت الأبيض مسألة انتخابية، رأى النقاد أنها قوضت أمن إسرائيل. إذ أن واشنطن هي أهم داعم لإسرائيل وأبرز ممول مادي ومساند ديبلوماسي.
وفي مقابلات مع وسائل الإعلام الإسرائيلية التي يتهرب منها عادة، اشتكى نتنياهو من مؤامرة للأحزاب اليسارية اعتبرها ممولة من حكومات خارجية للإطاحة به. ويبدو أنه في محاولة يائسة لكسب الانتخابات، اندفع نحو خطبة عنيفة مسهبة ضد عرب إسرائيل.
أعلن نتنياهو أن "حكم الجناح اليمين في خطر لأن الناخبين العرب يصلون بأعداد كبيرة لمراكز الانتخاب"، مشرًا إلى أن اليسار يقوم بجلبهم في حافلات "في محاولة لتشويه الرغبة الحقيقة للإسرائيليين لأجل اليسار، ومنح لائحة الراديكاليين العرب قوة زائدة"، في إشارة منه لتحالف الأحزاب العربية. وقد اتهمه معارضوه بالعنصرية الصارخة.
وأشار بروفسور العلاقات السياسية بمركز التخصصات في هزليا "غادي ووليفيلد" أن نتنياهو قام "بحملة "لنفجر العالم" في حملة "الأرض المحروقة" فقط للبقاء في السلطة".
أما في واشنطن، فقد أغضب خطاب نتنياهو في الكونغرس النواب الأميركيين الذين قالوا إنهم سيكونون مصدومين إذا ما قرر الناخبون الإسرائيليون مكافأة نتنياهو بدورة جديدة في رئاسة الوزراء. وأشار الديموقراطي عن ولاية فيرجينيا "جيرالد إي كونوللي" إلى أن عددًا من زملائه "يرغبون بمعرفة ما رذا كانت مناورة نتنياهو لانتقاد أوباما في خرق واضح لكل الأعراف الديبلوماسية، ستكافىء في إسرائيل". لكن "كونوللي"، عضو لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، ليس نائبًا ذا ثقل، وبالتالي فأن نتنياهو استعاد دعمه في الكونغرس خصوصًا بين الغالبية من الجمهوريين. لكن ما قاله "ونوللي" قد عكس أراء كثير من النواب الديموقراطيين الذين احتاروا في جهوده لكسب حلف الجمهوريين في الولايات المتحدة.
وأضاف "كونوللي": "لقد أحرق نتنياهو كل الجسور مع الحكومة الأميركية ، وبالنسبة لي كان ذلك محاولة خسيسة للتحالف والصداقة والديبلوماسية. أتمنى أن لا يكافىء هذا التصرف في الانتخابات".
أما مدير معهد "بروكلين" "مارتن إنديك"، الذي خدم سابقًا مبعوثًا خاصًا للسلام في الشرق الأوسط مع إدارة أوباما، فاعتبر أن العلاقة بين نتنياهو وإدارة أوباما ستسودها المواجهة حول ملف ريران في حال التوصل إلى اتفاق نووي معها. وأضاف أنه يتوقع أيضا أن يكون نتنياهو في مواجهة مع المجتمع الدولي بشأن الدولة الفلسطينية.
من جانبه، أكد بروفسور العلوم السياسية في جامعة "بار إيلان" "شمول ساندلر" أن نتنياهو كان يقاتل لاستمراره سياسيًا معتبرًا أنه "كان جاهزًا لفعل أي شيء، ولكن عليه الأن أن يصحح العلاقة مع أوباما".
وفي مركز حملة القائمة العربية الموحدة في الناصرة، كان الفرح يعم المكان. وااعتبر النائب أحمد الطيبي أن النتائج "إنجاز عظيم" في إشارة منه إلى كسب القائمة حوالي اثني عشر مقعدًا من بين 120 مقعدًا من مقاعد البرلمان، لكنه أضاف "أمامنا تحديات كبيرة جدا، وسنحارب العنصرية وندافع عن حقوقنا بغض النظر عن الحكومة. نحن الناس الأصليون في هذه الأرض ونتطلع للمستقبل بأمل وواقعية. اليوم نحن أقوى".
وفي النهاية، يبدو أن نتنياهو لاحظ ضرورة إعادة تعديل رسالته. ففي خطابه الذي أعلن فيه نصره بوقت متأخر من الليل، قال إنه سيعمل على تأمين الضمان الاجتماعي والأمن لكل المواطنين الإسرائيليين، يهودًا كانو أم "غير يهود".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر