لا يزال قطاع السياحة في المغرب، والعالم أيضا، ضمن القطاعات الأكثر تضررا من أزمة فيروس كورونا المستجد بسبب استمرار حالة الطوارئ وبعض الإجراءات التقييدية لحرية التنقل؛ وهو ما يجعل انتعاش القطاع مؤجلا إلى أجل غير مسمى. حول هذا الموضوع، نستضيف في هذا الحوار، حميد بنطاهر، رئيس الكونفدرالية الوطنية للسياحة، التي تمثل الفاعلين في هذا المجال، للحديث عن وضعية القطاع والعاملين فيه والمقترحات الكفيلة بتعزيز صموده في وجه الصدمات. ولدى بنطاهر تجربة تمتد لثلاثين سنة في قطاع السياحة؛ فقد ترأس في السابق المجلس الجهوي للسياحة لجهة
مراكش-آسفي، ويشغل حاليا منصب المدير العام لمجموعة “Accor Gestion Maroc”، وهو عضو ضمن المؤسسة المتوسطية للسياحة. وسبق لبنطاهر أن توج وطنيا ودولي، بفضل النجاحات التي حققها في مجال اشتغاله، وهو نتاج المدرسة العمومية ابتداء من جامعة القاضي عياض بمراكش، قبل أن يتابع دراسته في الخارج والحصول على دبلوم دولي بفرنسا من معهد INSEAD، ثم دبلوم دولي آخر من المعهد الفرنسي ESSEC. تعتبر السياحة من القطاعات الأكثر تضررا بسبب أزمة كورونا، كيف هو الوضع حاليا؟ السياحة مكون أساسي في الاقتصاد الوطني، فصناعات هذا القطاع تعتبر
من الأنشطة الاقتصادية الأكثر إحداثا للشغل في المغرب، بحيث تشغل حوالي 2,5 ملايين شخص بشكل مباشر وغير مباشر. وهذا يعني أن 2,5 ملايين أسرة تعاني وتعيش وضعية كارثية، منذ حوالي 16 شهرا. تساهم صناعات السياحة بـ11 نقطة في الناتج المحلي الإجمالي (7 في المائة من خلال غير المقيمين و4 في المائة من خلال السياحة الوطنية)، وتمثل حوالي 20 في المائة من صادرات السلع والخدمات، ومع ذلك لا تزال هناك إمكانيات كبيرة غير مستغلة. لقد أظهر القطاع السياحي، إلى حدود الساعة، مرونة وقدرة على الابتكار والتكيف أمام مختلف الصدمات الدولية خلال العشرين
سنة الماضية، وفي بعض الأحيان بدون دعم وبطريقة مستقلة؛ لكن مع الأسف سنة 2021 تبقى كارثية مقارنة بسنة 2020، بالنظر إلى أن الربع الأول من السنة الماضية سجل أداء جيدا.
هل هناك ترون أن هناك حاجة إلى تمديد إجراءات الدعم التي تم إقرارها لفائدة القطاع سابقا؟ نعم، يبقى اليوم من الضروري تمديد إجراءات دعم الأجراء والمقاولات السياحية إلى غاية نهاية السنة؛ لأن هناك إجماعا على أن الانتعاش بالنسبة إلى سنة 2021 مؤجل. كما أن القطاع يعتبر الأكثر تضررا من الأزمة الحالية والأكثر تضررا من القيود المفروضة للحد من تفشي الفيروس، كما أن الأزمة
شديدة ومدتها تطول. ولذلك، سيكون الانتعاش بطيئا. للإشارة، فإن التخفيف الذين شهدته بعض الفنادق الساحلية، التي تمثل أقل من 20 في المائة من مجموع الفنادق بالمغرب، خلال فصل الصيف، ساهم في الحد قليلا من الخسائر؛ لكن لا يمكن لذلك أن يعوض 16 شهرا من النفقات الثابتة. لا يمكن الحديث عن انتعاش شامل لأنشطة القطاع؛ لأن جميع الوجهات وجميع فروع القطاع، بما في ذلك وكالات الأسفار والمرشدون والفنادق والمطاعم والنقل السياحي، تعاني من الآثار الوخيمة للأزمة المستمرة. كيف يمكن تحقيق انتعاش قوي للقطاع، الذي يساهم بشكل قوي في الاقتصاد الوطني؟
يجب الاستمرار في تقوية التنسيق وتضافر الجهود بين القطاعين العام والخاص، من أجل حماية صحة المواطنين ومناصب الشغل والمقاولات المتضررة.. اليوم، أكثر من أي وقت مضى، نحن في حاجة إلى الوزارة الوصية ووزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة ولجنة اليقظة الاقتصادية من أجل مواكبتنا وتقوية العمل المشترك والتوجه نحو بناء جماعي للخروج من الأزمة وتحقيق الانتعاش، هي معركة ذات أولوية يجب أن نخوضها اليوم. في هذا الصدد، نقترح ثلاثة إجراءات عاجلة من أجل الحفاظ على مناصب الشغل والمقاولات؛ أولها الإجراءات الاجتماعية المتمثلة في الإبقاء على آلية
الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في إطار عقد البرنامج الموقع بين القطاع والدولة وتمديده إلى غاية 31 دجنبر 2021، ومراجعة آجال أداء الاشتراكات الاجتماعية المؤجلة بالنسبة إلى سنة 2020 و2021. بالنسبة للإجراءات البنكية، يجب إعادة جدولة الآجال مع المجموعة المهنية لبنوك المغرب وتعزيز تدخل صندوق الضمان المركزي وتأجيل قروض الإيجار بالنسبة إلى مقاولات قطاع النقل، إضافة إلى تأجيل أداء أقساط القروض بالنسبة إلى أجراء القطاع. الإجراء الثالث يهم الضرائب، حيث نطالب في هذا الصدد بتأجيل ضريبي برسم سنتي 2020 و2021 بالنسبة إلى الرسوم المحلية
خصوصا الضريبة المهنية إلى غاية فاتح يناير 2022، موزعة على 24 شهرا بدون تكاليف أو غرامات. ماذا تقترحون في الكونفدرالية للنهوض بالقطاع السياحي المغربي؟ برنامجنا في الكونفدرالية الوطنية للسياحة تم إعداده بشراكة مع جميع الفيدراليات المهنية في القطاع، يتضمن ثلاثة محاور وعددا من الرافعات من أجل تسريع الانتعاش وضمان الربحية الاقتصادية للمقاولات وبالتالي ضمان التنافسية في القطاع. نرى أن القطاع في حاجة لتسريع الرقمنة لكي يكون أكثر تنافسية وأكثر استطلاعا للأسواق. وفي هذا الصدد، يقوم المكتب الوطني المغربي للسياحة بعمل جيد، وبالموازاة مع
ذلك يجب أن نركز على تثمين الرأسمال البشري ودعم الابتكار وتشجيع المشاريع المبدعة. قطاع السياحة في حاجة إلى الثقة والابتكار، وهذا يمكن أن يتحقق من خلال قيادة جيدة على المستوى الوطني؛ لأن تعدد الجهات الفاعلة في هذا القطاع يفرض إنشاء فريق عمل خاص (Task force) على مستوى الحكومة لضمان إدارة فعالة وتحديث وتطوير القطاع وبث نفس جديد فيه. كما نحتاج أيضا إلى منصة يقظة عالمية المستوى مع أدوات إدارة ومراقبة موثوقة وفعالة لضمان توفر البيانات بشكل مستمر وكاف، فضلا عن مؤشرات التنافسية والاستدامة للقيام بتقييم منتظم وموحد
لمكانة السياحة المغربية على المستويين الإقليمي والعالمي، إضافة إلى تقدير مساهمتها الحقيقي في الاقتصاد الوطني. ماذا عن السياحة الداخلية، كيف يمكن تحفيزها؟ تحفيز الطلب الوطني هو عنصر رئيسي في تنافسية واستدامة السياحة المغربية من خلال دعم دمقرطة السفر واتخاذ إجراءات لتشجيع العطل للجميع وتقنين الكراء قصير الأجل، ودعم المقاولات في مجالات التنشيط والرياضة والأنشطة الموجهة إلى الأطفال. أود الإشارة في هذا الصدد إلى أن ارتفاع ليالي المبيت بالنسبة إلى السياح المغاربة يمكن أن تصل إلى 10 في المائة سنويا، وهو ما سيضمن صمود القطاع؛ لكن
هذا يتطلب إجراءات دعم لتشجيع الطلب المحلي لدعم وصول المواطنين المغاربة إلى عروض تشمل التنقل والإيواء والتنشيط بشكل يتناسب مع قدرتهم الشرائية. ويبقى التحسين الكبير للقدرة التنافسية للسياحة المغربية رهينا أيضا بالتركيز على الرحلات الجوية كرافعة أساسية من أجل تحفيز الطلب على الصعيدين المحلي والدولي لاستقطاب نسبة من التدفق الدولي وزيادة إيرادات السفر من العملة الأجنبية بنسبة 10 في المائة لتصبح المصدر الأساسي للعملة في الاقتصاد الوطني، هناك رافعات أخرى مهمة كتسريع الرقمنة وتحسين تجربة السائح. ما هي المشاكل التي لا يزال يعاني
منها قطاع السياحة بالمغرب ليكون مستداما ومرنا؟ ضمان الاستدامة لقطاع السياحة يتطلب سياسة إرادية وشجاعة من أجل خفض نسبة القطاع غير المهيكل، من خلال مقاربة شاملة ومناسبة موازاة مع تحسين جودة وجاذبية الشغل مع توسيع الحماية الاجتماعية لجميع العاملين في القطاع؛ بمن فيهم الموسميون. ولتعزيز النمو المستدام في القطاع السياحي، من الضروري التوفر على برنامج تحفيز لخلق فرص الشغل والاستثمار في خدمات التنشيط، خصوصا في المناطق القروية؛ من أجل تنويع الوجهات والتثمين الترابي والاستفادة من كافة الإمكانيات المتاحة، لا سيما في السياحة البيئية
والثقافية والرياضية والطبية. هذا البرنامج يجب أن يتضمن تحفيزات عمومية ومواكبة تقنية ومالية مناسبة، من أجل تشجيع المشاريع الجديدة للشباب في توافق مع النموذج التنموي الجديد. لقد أظهرت بلادنا استجابة جيدة في تدبير أزمة فيروس كورونا المستجد، وهذه الأزمة يجب أن تكون مناسبة لإعادة التفكير في مستقبل السياحة المغربية من خلال إرساء أسس تحول هيكلي ومستدام من خلال تعزيز وضع السياحة البيئية والمساهمة في الحد من انبعاثات الكربون للوصول إلى صناعة سياحة قوية أكثر استدامة وأكثر مرونة. ما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من الأزمة بالنسبة
قطاع السياحة؟ ما أكدته الأزمة الحالية أن هناك رغبة في السفر لدى المواطنين، نظرا للآثار النفسية المترتبة عن الجائحة. وقد لاحظنا، وطنيا ودوليا، أنه كلما تم تخفيف الإجراءات الاحترازية كلما شهدنا تحركا كبيرا في سفر المواطنين. هذه الجائحة أكدت أيضا على أهمية الصحة والأمن في القطاع السياحي، وضرورة الاهتمام بسياحة القرب وتقديم عروض مناسبة للمواطنين، إضافة إلى الحاجة لمؤشرات محينة حول القطاع لاتخاذ الإجراءات المناسبة في الوقت المناسب. ما أود التأكيد عليه، في الأخير، هو أن السياحة المغربية في حاجة إلى إجراءات الدعم على المدى القريب. وسترجع بشكل أقوى في المستقبل بفضل الثقة والعزيمة، وبالتالي المساهمة في إنعاش الاقتصاد الوطني.
قد يهمك ايضا
تدهور الوضع الوبائي يعمق أزمة مهنيي القطاع السياحي في أكادير
أصحاب النقل السياحي يتوجهون إلى الاحتجاج للمطالبة بدعم مالي ينقذهم من الكساد
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر