على هيئة حضن طبيعي يعانق جماعة بني شيكر التابعة ترابيا لإقليم الناظور من ثلاث جهات من البحر الأبيض المتوسط، تقع سلسة شواطئ ثيبوذا وتشارانا، وكارا بلانكا، وميناروسيتا وإفري ن دونشت…التي أضحت وجهة مفضلة لعدد من المصطافين خلال السنوات الأخيرة، بعد أن اكتُشفت روعتها التي ظلت مجهولة لمدة طويلة من الزمن بسبب وعورة تضاريسها وكثرة منحدراتها الجبلية ورداءة طريقها الرّئيسي.
سلسلة شواطئ جماعة بني شيكر التي تمتد، في جمالية جغرافية نادرة، على شريط ساحلي بمسافة 45 كيلومترا، لوحات طبيعية خلابة تضاهي في روعتها أشهر الشواطئ العالمية من حيث صفاء مياهها وجودة بيئتها وإستراتيجية مواقعها التي جمعت بين سحر مرتفعات الجبال والمساحات الخضراء والمؤهلات البيئية وزرقة مياه الكريستال الصافية.
اكتشاف المنطقة
قبل حوالي عقد من الزمن، ظلت شواطئ بني شيكر شبه مجهولة ومغمورة بكل ما تنطوي عليه من جمال وروعة، تكاد تقتصر على زيارات سكان المنطقة، ووفود أرباب يخوت قادمة من مدينة مليلية المحتلة للاستجمام والسباحة، إلى جانب بعض الزيارات الخاطفة من الأجانب وساكنة المناطق المجاورة.
وبفضل زيارات سياحية متكررة لشباب مبدعين في مجال التصوير وصناعة المحتوى، الذين نشروا عددا من الصور والفيديوهات التي تعرض الملامح الجمالية النادرة لشواطئ بني شيكر في مواقع التواصل الاجتماعي، ومشاركة ذلك على نطاق واسع، أصبحت لهذه الشواطئ التي لم تنل حظها من التعريف والاهتمام لمدة طويلة من الزمن شهرة واسعة، سرعان ما جابت أرجاء الوطن.
أيوب الصاخي وسفيان بن يوسف من أوائل هواة التصوير وصناعة المحتوى الذين قاموا بتصوير شواطئ بني شيكر، ونشر أعمالهم على موقع “يوتيوب” وعلى صفحات مواقع التواصل الاجتماعي؛ وكانا يترددان على المنطقة كثيرا في إطار رحلات شخصية ينظمانها رفقة أصدقائهما، ليقررا توثيق تفاصيل ذلك في صور وفيديوهات.
يقول أيوب: “استهوتنا جمالية شواطئ بني شيكر في أولى زياراتنا لها قبل سنوات، فقمنا، نحن هواة التصوير، بأخذ فيديوهات توثق روعة هذه الشواطئ النادرة وصفاء مياهها، لتلقى مشاهدات كثيرة جدا فور نشرها على موقع “يوتيوب”…ولم نكن نعلم حينها أن هذه الفيديوهات وغيرها ستكون بمثابة إشهار عفوي للمنطقة”.
شواطئ سياحية
تحولت شواطئ بني شيكر، خلال السنوات الأخيرة، إلى وجهة سياحية لكثير من عشاق السباحة والاصطياف والرحلات والمغامرات، قادمين من كل فج عميق بربوع المملكة؛ لقد شكلت مياهها الصافية وبيئتها النظيفة وطبيعتها الخلابة مواطن جذب لكل باحث عن قضاء عطلته الصيفية في أحضان الشواطئ.
يقول محمد الماحي، فاعل جمعوي وأحد ساكنة بني شيكر: “أصبحت المنطقة وجهة مفضلة للعديد من الزيارات السياحية القادمة من مناطق ومدن بعيدة. صرنا نصادف، خلال اقتراب موسم الصيف، يوميا أشخاصا يسألون عن موقع أحد شواطئ بني شيكر، وهم قادمون من مدن فاس ومكناس والقنيطرة والرباط وغيرها من المدن البعيدة”.
ويضيف المتحدث ذاته: “قبل عقد من الزمن تقريبا كانت الشواطئ شبه خالية من المصطافين، إلا من أهل جماعة بني شيكر والمناطق المجاورة، لكن الأمر أصبح مختلفا كثيرا الآن. في فترات الصيف، يقصد الكثير من المصطافين من الجالية المقيمة بالخارج وسياح المدن المجاورة والبعيدة شواطئ بني شيكر”.
ويشدد الماحي، في ختام حديثه إلى هسبريس، على “ضرورة العناية بالمنطقة من ناحية الحفاظ على بيئتها، خاصة أن الكثير من المصطافين يتخلصون من الأزبال والنفايات بطريقة عشوائية في أرجاء الشواطئ، ما يلوث المياه وبيئة المنطقة بأكملها”.
“زرت المنطقة مرتين”، يقول محمد مفتوح، أستاذ التعليم الثانوي وسائح قادم من منطقة “بني تجيت” بإقليم فكيك، قبل أن يضيف: “لقد كانتا رحلتين رائعتين قمت بهما رفقة بعض أصدقائي. تجشمنا عناء قطع مسافة طويلة جدا لكي نستمتع بجمال هذه الشواطئ التي أثارت فضولنا بعد الاطلاع على عدد من الفيديوهات على موقع ‘يوتيوب’.. إنها تشكل واحدة من أجل الشواطئ في بلادنا إلى جانب شواطئ الداخلة الرائعة. الكثير من الناس يجهلون المنطقة، وأنا على يقين أنها ستشكل قطبا سياحيا هاما على المستوى الوطني، وأيضا العالمي، في حالة ما اشتهرت أكثر مما هي عليه الآن”.
ثروة طبيعية في المنطقة
حول مدى ما تزخر به منطقة شواطئ بني شيكر من مؤهلات طبيعية نادرة، يقول عبد المجيد مومن، أستاذ جامعي في شعبة البيولوجيا وفاعل جمعوي وباحث: “تعتبر المنطقة إلى جانب بحيرة مارتشيكا ومصب وادي ملوية من المناطق الرطبة في الجهة الشرقية حسب اتفاقية رامسار الدولية منذ 2015. والمنطقة عبارة عن نتوء جبلي في أقصى جماعة بني شيكر، وهي بمساحة تقدر بـ5 آلاف هكتار وارتفاع ما بين 6 أمتار و200 متر”.
ويضيف مومن: “تعتبر المنطقة كذلك ذات أهمية بيولوجية وإيكولوجية منذ سنة 1996 إلى جانب جبل كوروكو في جماعة بني شيكر. وتتوافق الأراضي الرطبة مع الشريط البحري والساحلي المجاور للموقع البيولوجي والإيكولوجي، الذي يتكون من المياه الصافية المفتوحة أقل من 6 أمتار والمنحدرات والجزر الصغيرة البحرية والكهوف الساحلية الصغيرة”.
ومن حيث التنوع البيولوجي والإيكولوجي، يردف المتحدث، “تستوطن الموقع مجموعة من الوحوش النادرة في العالم، مثل بعض السلحفاة والأفاعي والثعالب والقطط البحرية وكذلك الخنازير البرية. كما تعد المنطقة موطنا لمجموعة من الطيور النادرة، سواء المقيمة بها أو المهاجرة إليها من شتى جهات العالم من حيث كونها منطقة رطبة، مثل البط البري الرخامي وطير الشماط النادر وطيور السلطان”.
أما بالنسبة للغطاء النباتي، يقول مومن، “فيتكون بالأساس من شجريات العرعار والخروب. وتتمثل القيمة الاقتصادية لهذه الشجيرات في كونها تستعمل في طب الأعشاب والصناعات العطرية وكذلك في الرعي؛ أما القيمة البيئية فتتمثل في تثبيت التربة والحفاظ عليها، واستعادة المساكن الطبيعية لمجموعة من الحيوانات المهددة بالانقراض”.
مطالب تأهيل المنطقة
تحول دون تمكن الكثيرين من زيارة شواطئ بني شيكر عدد من المعيقات، على رأسها رداءة الطريق غير المعبدة، إضافة إلى قلة وسائل النقل أو غلائها، وهذا ما يجعل الكثير من المهتمين بالشأن المحلي للإقليم يطالبون الجهات المسؤولة بالالتفات إلى المنطقة لتأهيلها وتهيئتها لتتحول إلى وجهة سياحية.
يقول سفيان أزغاوي، طالب باحث في البيئة والبيولوجيا وأحد ساكنة المنطقة: “جماعة بني شيكر تضم عدة خلجان وشواطئ لها مميزات ومواصفات عالمية، وأصبحت تستقطب خلال مواسم الصيف خاصة الكثير من الوافدين من مختلف مناطق البلاد والسياح الأجانب؛ لكن ما تعانيه هذه المنطقة منذ أمد بعيد هو صعوبة المسالك وغياب شبه تام للبنية التحتية، فجل القرى المجاورة لهذه الشواطئ تعيش عزلة أمام قلة المسالك والطرقات وغياب المرافق العمومية الأساسية، من مدارس ومستوصفات وأماكن لإيواء الوافدين على القرى من قاصدي الشواطئ سالفة الذكر”.
ويضيف المتحدث: “هذا ما ينعكس سلبا على الرواج الاقتصادي لجماعة بني شيكر بشكل عام والقرى القريبة من الشواطئ بشكل خاص. كما أن هذا الساحل الممتد من مدينة مليلية المحتلة إلى حدود جماعة بني بوغافر يضم عدة كائنات بحرية وعدة أنواع من الأسماك يجب العناية بها كثروة طبيعية”.
ويختم أزغاوي حديثه إلى هسبريس بالقول: “يشهد إقليم الناظور تغيرا جذريا، إذ سينتقل في السنوات القادمة من منطقة تجارية إلى وجهة سياحية. وتسعى وكالة تهيئة بحيرة مارتشيكا، في هذا الإطار، وبشكل متسارع من أجل استكمال تهييء عدة مواقع، منها مدينة أطاليون ومدينة الشاطئين، وأيضا توسيع كورنيش مدينة الناظور. ولا بد من أخذ هذه الأمور بما تستحقه من عناية في أفق تحول الناظور إلى مدينة سياحية بامتياز”.
رأي الجماعة
أضحت مطالب تأهيل منطقة بني شيكر تتخذ طابعا مبررا لما للمنطقة من مؤهلات كثيرة أصبحت ملحوظة بشكل واضح لدى الكثير من المهتمين والباحثين وسكان المنطقة وغيرهم… فما رأي الجماعة في الموضوع؟.
يقول شعيب أحنين، نائب رئيس جماعة بني شيكر: “أعددنا تصورا متكاملا للرقي بهذه الشواطئ وجعلها رافعة السياحة بالإقليم على مستوى جهة الشرق بصفة عامة، ما سينعكس إيجابا على ساكنة الجماعة من حيث توفير فرص الشغل، وأيضا من جانب الرفع من المداخيل لفائدة ميزانية الجماعة”.
ويضيف المتحدث إلى هسبريس: “لا بد من تنمية وتهيئة البنية التحتية لتكون في مستوى التطلعات عن طريق ربط هذه الشواطئ بالشبكة الطرقية الممتازة والإنارة العمومية، وكذا العمل على مدها بشبكة الماء الصالح للشرب، وهذا ما نعمل عليه في إطار التصور التنموي الشمولي المندمج لساحل الجماعة”.
غايتنا الأساسية، إذن، يبرز المسؤول الجماعي ذاته، “جعل المنطقة وجهة سياحية وقبلة جذابة للزائرين والسياح من داخل الوطن وخارجه، خاصة أن نسبة كبيرة من ساكنة المنطقة من الجالية المغربية المقيمة بالخارج، وستجد، خلال زياراتها في العطل الصيفية، في مسقط رأسها مكانا لائقا للاستجمام والاصطياف”.
ويختم المسؤول حديثه قائلا: “كما نعمل مع كل المتدخلين في هذا المجال لإعداد مخطط وتصور حديث يستجيب لهذه المرحلة، لتشجيع الخواص من أجل الاستثمار في مشاريع هذا الشريط الساحلي، خصوصا أن مشروع ميناء غرب المتوسط قريب من الاشتغال في شطره الأول، ما يعزز مكانة الجماعة لتصبح قطبا سياحيا بامتياز”.
قد يهمك ايضاً :
"طيران الإمارات" تمدد تعليق رحلاتها من الهند حتى 30 يونيو
شركة الطيران الوطنية اللبنانية تقرر بيع التذاكر بالدولار بأحدث سعر صرف
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر