تلاشــــــى
آخر تحديث GMT 06:27:51
المغرب اليوم -

تلاشــــــى

المغرب اليوم -

المغرب اليوم - تلاشــــــى

بقلم: حاتم عرفة

قطعوا يده.. أخبروه أنهم بهذا ينقذونه من انتشار المرض في جسده.. ظلوا يمهدون له الأمر بضعة أشهر حتى أصبح لا يتخيل حياته في وجود يده.. تأكد من أنه سيعتاد الأمر بعد أيام.. بل إنه اعتاد على هذا من قبل حتى أن يذهب لأداء العملية.. كان يتدرب على استخدام يده اليسرى وحدها في كل شيء.. تعلم الكتابة بها.. وحمْلَ الأشياء والتصفيقَ بها وحدها أيضًا.. .... قبل أن يخرج من المستشفى كان الطبيب يخبره أن يده اليسرى ربما تكون أصيبت بالعدوى.. وعند الكشف عليها تيقن من هذا.. وطلب منه أن يمر عليه بعد يومين حتى يقوم ببتر الأخرى.. حفاظًا على صحته.. ... يخبر من في البيت بما حدث.. فيندهشون للأمر في البداية، ولكنه هوّنه عليهم.. وأقنعهم بأن هذا أنسب لصحته، وأنه لا يرى ضررًا في هذا.. سيعتاده كما اعتاد أشياء أخرى كثيرة، فبدأوا يرون فعلاً أن شكله بدون يديه سيكون أفضل.. .... أفاق من المخدر في غرفته وهو مبتسم.. نظر إلى كتفيه عن يمينه وشماله فيمتد نظره إلى الفراغ.. يشعر بحرية أكثر.. يرقصهما على نغمات الأغنية التي في التلفاز.. عندما قدموا له الإفطار ولم يجد يديه اللتين اعتاد أن يأكل بهما.. لم يتوتر.. اعتمد على نفسه كعادته، وقلّد ذلك الأسلوب الفني لدى بعض الكائنات في التهام الطعام بالفم مباشرة.. وبعد أن انتهى من إفطاره.. قام يرتدي ملابسه وحده، ولم يوقظ أخاه النائم على الأريكة ليساعده كيلا يزعجه.. ربط أربطة الحذاء بالطريقة الفنية نفسها.. وقبل أن يخرج من الباب كان الطبيب يدلف إلى الغرفة في عجلة، ويخبره في توتر وهو يرسم ابتسامة على شفتيه أنه يود الكشف على ساقيه، للتيقن من بعض الأمور..! .... عاد إلى المنزل وهو يستند على أخيه ويقفز على قدمه الواحدة.. حيَّا أقاربه الذين جاءوا ليطمئنوا عليه، ولقضاء العطلة الصيفية.. وفيهم إحدى قريباته عزيزة على قلبه، أبدت إعجابها بشكله الجديد.. وأخبرته أنه أصبح أفضل بكثير.. فتذكر حلم الزواج منها الذي طاف بخياله كثيرًا من قبل.. ورأى أن هذا أنسب وقت لتحقيق هذا الحلم.. واستوت الفكرة في عقله كما يستوي وجهه احمرارًا من مديحها.. رن جرس الهاتف، وعندما أراد أن (يقوم) ليرد عليه تذكر أنه لم يعد يحبذ الكلام في الهاتف في الفترة الأخيرة.. فردت أخته الصغيرة.. وعندما عرفت المتكلم.. أعطته السماعة.. فاستمع إلى الطبيب الذي بدا عليه التوتر راسمًا ابتسامة على (صوته).. عندها علم أن هناك ساقًا أخرى تحتاج (الكشف) عليها.. وبدأ يتخيل شكله الجديد الذي سيكون أفضل لصحته..! .... عندما استسلم على سرير العمليات سأله طبيب التخدير الذي أصبح صديقه أخيرًا عن أي أنواع (البنج) يفضل هذه المرة.. فطلب منه ألا يخدره على سبيل التغيير، فاكتفى الطبيب (بالبنج) الموضعي على بطنه ثم ظهره.. وعندها دلف الطبيب الجراح مكممًا فمه وأنفه والابتسامة المرسومة على شفتيه تُشَم رائحتُها.. وضع المشرط على حدود بطنه وهو يسأله إذا كان يفضل – بعد البتر – الاحتفاظ بالنصف العلوي أم السفلي.. فاختار الخيار الأول متذكرًا نصيحة قريبته التي ينوي الزواج منها له.. وإعجابها بشخصه في حد ذاته دون (اعتبارات) أخرى.. فبدأ المشرط يتحرك ببطء بمحاذاة خط الاستواء القديم في جسده.. وهو يراقبه في اطمئنان.. .... عاد إلى المنزل متهلل الأسارير لأن المستشفى أخرجته مبكرًا هذه المرة وزوجته تحمله على يدها، مع الحقائب التي أتت بها من السُّوق.. وهي تنبهه إلى أنه أصبح أخف وزنًا بكثير بعدما فقد رأسه.. فضحك بصوت عالٍ، وأخبرها أن الدكتور طمأنه، وأنه لن يؤدي أية عمليات مرة أخرى، لأنهم قد خلصوا جسده من كل المخاطر، أو خلصوا المخاطر من كل جسده.. فأبدت سعادتها البالغة.. ووضعت قبلة على (خده).. استقبلها في انتشاء.. .... مع نسمات الفجر الأولى قام من نومه على صوت رنين الهاتف.. وأجاب الطبيب الذي فاحت ابتسامته المرسومة على شفتيه عبر الأسلاك.. فأبعد السماعة حتى لا تزكم أنفه.. ثم أخبره: "دقائق وأكون عندك". ارتدى (ملابسه) على عجل، وألقى نظرة على زوجته، ثم خرج من المنزل.. وأقفل الباب خلفه بهدوء كيلا يزعجها.

almaghribtoday
almaghribtoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تلاشــــــى تلاشــــــى



GMT 13:16 2023 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

القلب الممتلىء بالوجع

GMT 08:05 2023 الإثنين ,30 تشرين الأول / أكتوبر

لم يعد مهمّاً بعد اليوم أن يحبّنا أحد

GMT 11:49 2023 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

فلسطين والقدس الأبية

GMT 06:45 2023 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

لماذا أكتب لك؟؟ وأنت بعيد!!

GMT 06:41 2023 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

أنا النزيل الأعمى على حروف الهجاء ( في رثاء أمي الراحلة)

GMT 11:34 2023 الخميس ,07 أيلول / سبتمبر

السقيفة الملعونة

GMT 10:22 2023 السبت ,26 آب / أغسطس

أنت الوحيد

GMT 13:49 2023 الأربعاء ,23 آب / أغسطس

سأغتال القصيد

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمّان - المغرب اليوم

GMT 18:29 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي
المغرب اليوم - أخنوش يتباحث مع الوزير الأول لساو تومي

GMT 13:12 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت السبت 26-9-2020

GMT 13:22 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نادي شباب الريف الحسيمي يواجه شبح الانقراض

GMT 06:23 2023 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib