"العاصفة المثالية" اسم فيلم شهير عرض في عام 2000 وكان من بين أبطاله الممثل الأمريكي جورج كلوني، والممثلة الأمريكية دايان لين. الفيلم قائم على رواية تحمل الاسم نفسه للكاتب والصحافي الأمريكى سيبستيان جونجر، تعود إلى عام 1997، وتدور حول معاناة طاقم سفينة صيد حوصرت في قلب عاصفة عاتية، وتجمعت كل الظروف ضد السفينة وطاقمها، ولم تكن النهاية سعيدة.
ويرى ديمتري سايمز، الرئيس المدير التنفيذي لمركز "ناشيونال انتريست" الأمريكي، أن العالم الحديث يشهد لأول مرة في تاريخه "عاصفة مثالية"؛ حيث ساهم فيروس معد ومميت للغاية، وكساد اقتصادي عالمي يلوح في الأفق، وانهيار الحوكمة العالمية، وغياب أي رد فعل دولي فعال ومنسق، في مأساة غير مسبوقة... مأساة لن يكون من السهل التغلب عليها. ورغم أن الحجر الصحي والعزل الانفرادي ساعدا في تخفيف حدة الأزمة، يعتقد قليلون أن هذه الإجراءات وحدها يمكن أن تحسمها، ناهيك عن توفير خريطة طريق للمستقبل.
وفي تحليل نشرته مجلة "ناشيونال انتريست"، يؤكد سايمز أن لا أحد يعرف حتى الآن كيف ستنتهي هذه العاصفة، بخلاف التأكيد الافتراضي أن العالم سوف ينجو منها في نهاية المطاف. وفي حقيقة الأمر، سوف يظهر في النهاية علاج للمرض من خلال الجمع بين بعض اللقاحات، ووسائل العلاج المحسنة، والتباعد الاجتماعي، وكذلك آليات جديدة للتجارة الدولية. ومن الصعب، بل من المستحيل، التكهن بالتحديد متى يحدث ذلك، وكيف. لكن من الواضح أنه يجب وقف الخلافات السياسية الطاحنة التي تستنفد على سبيل المثال جهد الولايات المتحدة وتصرفها عن الاهتمام بتهديدات خطيرة.
وفي الوقت نفسه، فإن الاتجاه العام للحكومات في أنحاء العالم، المتمثل في الاقتصار على تحديد أولوياتها، قد خلق مناخا وبيئة لتفشي الفيروس، وهي بيئة جرى فيها تجاهل الاحتياطيات الضرورية. ويتطلب التغلب على الوباء ردود فعل فعالة، فردية وجماعية، من جانب القوى السياسية والاقتصادية الرئيسية مثل الولايات المتحدة، والصين، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، وبريطانيا، والمملكة العربية السعودية. ولكي يتم التوصل إلى حلول واسعة النطاق في مواجهة فيروس كورونا، ومن أجل إعداد العالم لمواجهة تحديات مماثلة في المستقبل، يجب استكشاف سبب وكيفية تطور هذا التهديد الطبي، والسياسي، والاقتصادي، الذي لم يسبق له مثيل.
ويرى سايمز أن هناك درسا واحدا يتعين أن نتعلمه من هذه الأزمة، وهو أولوية الدول ذات السيادة. وفكرة أن السيادة أمر قد عفا عليه الزمن هي نفسها فكرة عفا عليها الزمن. فمن الواضح تماما أن الوباء يشجع الحكومات على التركيز على مصالحها الوطنية أولا. وعلى هذا الأساس فقط يمكنها أن تسعى للمشاركة في أي تعاون دولي.
وعلى أية حال، يتعين على حكومات الدول الكبرى الاعتراف بمسؤوليتها الجماعية عن الإخفاق في تحديد الأولويات العالمية، حيث إنها، بدلا من ذلك، اتخذت خطوات افتقدت للحكمة، وصرفت الاهتمام عن قضايا محل قلق كبير لصالح أخرى غير أساسية. كما أن من الأمور التي لا مبرر لها قيامها تقريبا بتدمير النظام الدولي الذي يهدف إلى خلق، وفرض، آلية للتجارة الدولية قائمة على أساس قواعد، وإضفاء الدول الطابع المسلح على التجارة العالمية لتعزيز مصالحها الفردية، أو قيمها الذاتية أو طموحاتها السياسية الداخلية. ولا تمثل المؤسسات، مثل الأمم المتحدة، ومنظمة التجارة العالمية، ومنظمة الصحة العالمية علاجا ناجعا لكل مشاكل العالم. ولكن بإمكانها تقديم إشارات مفيدة، رغم أنها محدودة، قبل وقوع المشاكل، كما أنها تعمل كأداة لامتصاص الصدمات الناجمة عن الخلافات الدولية. كما عبر هنري كيسنجر بشكل بليغ في صحيفة "وول ستريت جورنال" عندما كتب: "لا تستطيع دولة، ولا حتى الولايات المتحدة، التغلب على الفيروس بجهد وطني خالص. ويتعين أن تكون ضروريات اللحظة مصحوبة برؤية وبرنامج تعاوني عالمي. وإذا لم نستطع القيام بالأمرين معا، فسوف نواجه أسوأ ما فيهما".
ولا شك أنه كان يتعين توقع حدوث مثل هذا الوباء؛ فقد حدثت خلال العشرين عاما الماضية فقط ثلاث حالات تفش عالمية كبيرة لفيروسات مميتة: "سارس" في الفترة 2002-2004، و"انفلونزا الخنازير" 2009-2010، و"إيبولا" 2013-2016. ولم تؤد أي حالة تفش من الحالات الثلاث إلى هذا النوع من الدمار العالمي الذي تواجهه دول العالم حاليا، لأن تلك الفيروسات كانت تفتقر إلى مجموعة الهلاك الخاصة، وسهولة الانتقال، وتأخر ظهور الأعراض، وعدم توفر اللقاحات ومنشآت الاختبار واسعة الانتشار التي أتاحت لفيروس كورونا الانتشار. ولكن كل وباء من الثلاثة كان مؤشرا على احتمال التعرض لكارثة عالمية.
ويقول سايمز إنه في عالم متصل ببعضه، وفي ظل اقتصادات يعتمد كل منها على الآخر بصورة متزايدة، وتدفق عالي السرعة للبشر والسلع في أنحاء العالم، لم يكن الأمر يحتاج إلى قدر كبير من الخيال للتنبؤ بخطر مواجهة وباء في المستقبل.
وفي حقيقة الأمر، فإن كيانات دولية مثل منظمة الصحة العالمية، ومنظمات لا تسعى للربح مثل مؤسسة "بيل وميليندا جيتس" الخيرية، ووكالات حكومية محلية مثل "مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها"، دقت كلها أجراس الخطر بالنسبة للافتقار إلى الاستعداد.
وفي عام 2019 حذر تقييم أجهزة المخابرات الأمريكية للأوضاع في العالم، الذي أصدره مدير المخابرات في إدارة ترامب، من أن "الولايات المتحدة والعالم سوف يظلان عرضة لوباء الانفلونزا القادم، أو لتفش واسع النطاق لمرض معد يمكن أن يؤدي إلى معدلات كبيرة للغاية من الوفيات والعجز، وأن يؤثر بشكل شديد على الاقتصاد العالمي، ويربك الموارد الدولية، ويزيد الطلبات على الولايات المتحدة لتقديم الدعم". ومع ذلك، لم يسفر أي من هذه التحذيرات عن تحقيق أي زخم سياسي في الولايات المتحدة، أو في غيرها. وبدلا من ذلك، تم فقط تسجيل تلك التحذيرات ومناقشتها بشكل عابر.
قد يهمك ايضا
"أوميغا" تُحيي ذكرى اليوبيل الذهبي لأوّل خُطوة على سطح القمر
أشهر 7 ثنائيات فى هوليود يصل الفارق العُمري بينهما من 10 سنوات لربع قرن
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر