لا يختلف اثنان حول أن المجال الفني، على غرار مجموعة من القطاعات الأخرى، تأثر سلبا، منذ أن بدأت السلطات المغربية في اتخاذ الإجراءات الاحترازية لمواجهة جائحة كورونا؛ وهو ما دفع عددا من المتضررين إلى البحث عن بدائل يمارسون من خلالها أنشطتهم الفنية، أو يكسبون بها قوت يومهم لإعالة أنفسهم وأسرهم.
وفي الوقت الذي نجح فيه بعض الفنانين في العثور على صيغ بديلة للقيام بأنشطتهم الفنية، لجأ آخرون إلى قطاعات أخرى لتحسين أوضاعهم المعيشية أو على الأقل ضمان مدخول مالي يسد حاجتهم ويجنبهم الدخول في متاهة البطالة؛ فيما عجز آخرون عن التعامل مع الأزمة التي خلقها تقليص الأنشطة وإغلاق المسارح ودور الثقافة وباقي الفضاءات الفنية.
ضرر نفسي وآثار مادية
أمين العفوي، فنان مسرحي، قال إن “إغلاق المسارح كان له أثر نفسي أكثر من كونه معيشيا ماديا؛ لأن المسرح بالنسبة لي متنفس وعلاج للتخلص من الطاقات السلبية وتعويضها بأخرى إيجابية”، مستدركا أن “الجانب المادي أيضا تضرر بسبب توقف بعض المداخيل، ولو أنها بسيطة، لكنها كانت تنفع في وقت الشدة؛ من بينها مداخيل تأطير الورشات الفنية، وبيع بعض العروض لمديريات الثقافة إقليميا وجهويا”.
وأضاف الفنان المسرحي، في تصريح ، أنه “على غرار باقي الفنانين، تعاملت مع هذه الأزمة بالاقتصار على القراءة والكتابة والتأمل والتفكر في الذات والمجتمع؛ لأن هذا أقل ما يمكن فعله في ظل الظرفية والجائحة”، لافتا إلى أنه أنجز مجموعة من المشاريع الفنية في إطار ما يسمى “أنشطة عن بعد”، بعضها تكلل بالنجاح وأخرى باءت بالفشل؛ لأن “العمل يتطلب التفاعل الحضوري مع المتلقي”.
وختم العفوي تصريحه بالتأكيد على أن “للفنانين مطالب كثيرة وينادون بها منذ زمن دون أن تتحقق، لتأتي الجائحة وتزيح الغبار عما هو خفي عن مجموعة من القطاعات؛ لكن يظل القطاع الفني والصناعة الإبداعية أكثر تضررا، نظرا لأن القطاع غير مهيكل وغير مقنن، مما يتطلب التعجيل بتقنين المهن الفنية وهيكلة الصناعة الإبداعية لتكون للفنان واجبات وحقوق أبسطها عيش حياة كريمة”.
الأزمة.. امتحان للفنان
أما الفنان يوسف بوعبيدي، فقد أفاد بدوره بأن “توقف المجال الثقافي والفني كانت له أضرار نفسية بالدرجة الأولى. أما بالنسبة للوضعية المعيشية، لا أنتظر دعم الدولة وهي في أزمة خانقة”، مشيرا إلى أن “التعامل مع الأزمة الفنية يشكل امتحانا للفنان ليبحث عن طرق أخرى للممارسة، والعزل الصحي أعطاني شخصيا مساحة لأتعرف على ذاتي أكثر ولأصحح مساري الفني”.
وعن البدائل التي لجأ إليها لضمان قوت يومه، قال المتحدث ذاته في تصريح: “أعمل في الآونة الأخيرة منظما للحفلات، بالرغم من أن هذا القطاع لم يخل من ضرر ومشاكل بسبب مخلفات جائحة كورونا؛ لكن على الأقل أعمل حسب طلبات الزبائن”.
وختم يوسف بوعبيدي تصريحه بالتأكيد على أن “مطالبي لكي تتحسن أوضاع الفنان بصفة عامة، والخريبكي بشكل خاص، أن تفتح المراكز الثقافية بالمدينة كالخزانة الوسائطية ومركز خريبكة سكيلز، إضافة إلى ضرورة خلق فضاءات لتكوين الفئات الشابة الصاعدة في المجال، ودعم شركات الإنتاج الفني ودور الثقافة ومعاهد الفنون”.
محاولات فاشلة للخروج من الأزمة
وعن الفئة التي لم تتمكن من تجاوز آثار أزمة كورونا، قال الفنان محمد بورزكي إن “الأوضاع التي خلفتها القرارات المرتبطة بأزمة كورونا أثرت على أوضاعي المادية التي تدهورت بشكل كبير، حيث تراجع وضعي المعيشي وأصبحت أجد صعوبة كبيرة في ضمان قوت يومي”.
وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح، أن “حاولت التأقلم مع الأوضاع الجديدة والبحث عن بدائل؛ غير جميع المحاولات باءت بالفشل، مما أحالني مباشرة على البطالة وتراكم الديون التي أثقلت ولا تزال تواصل إثقال كاهلي، في انتظار الفرج”.
وشدد محمد بورزكي على أن “الفنان بصفة عامة يعاني في صمت، في غياب حلول ناجعة تخرجه من الأزمة التي يعيشها القطاع منذ ظهور فيروس كورونا في المغرب”، مطالبا في الوقت ذاته، من أجل ضمان العيش الكريم للفنانين، بضرورة منحهم مساعدات مالية في المستوى الذي يجعلهم في غنى عن البحث عن أنشطة بعيدة أن مجال اشتغالهم.
البحث عن البدائل والتخلي عن الفن
ومن جانبه، قال الفنان هشام بكاشي إن الساحة الفنية بخريبكة أصبحت “معدومة” كأنها لم تكن من قبل، خاصة بعدما جرى إقصاؤها من الاستفادة من الدعم الذي خصصت الوزارة للفنانين في وقت سابق، وصار الوضع الفني عموما والمسرحي خصوصا مزريا؛ مما دفع بعض المشتغلين في القطاع إلى نسيان الفن بشكل نهائي من أجل البحث عن بديل.
وأضاف بكاشي، في ، أن “الفنان يحمل دائما رسالة، ويساهم في التحسيس الدائم، سواء بما يرتبط بهذه الجائحة أو غيرها؛ لكنه في الآونة الأخيرة صار يدور في دوامة مغلقة، ويرى أن لا جهة تلتفت إليه أو تفكر في أوضاعه أو تحاول مساعدته على تجاوز مشاكله أو يرد إليه الاعتبار، خاصةوأنه لا يطالب بأشياء مستحيلة”.
وبخصوص البدائل، قال الفنان ذاته إن “المشتغلين في قطاع الفن عموما وفي خريبكة بشكل خاص يتمنون أن تتحسن أوضاع الفنانين الحقيقيين، وأن يلتفت المسؤولون إلى الغيورين على الميدان”، مضيفا أن “مجموعة من الفنانين يبحثون عن البديل بعدما صار القطاع الفني متأزما، ونسأل الله تعالى أن يعيننا على إيجاده من أجل التخلي عن الفن بصفة عامة”
قد يهمك ايضًا:
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر