اقام معرض الكتاب لقاء فكريا تحت عنوان "محمد عبده وعقلانية الخطاب الدينى"، بالقاعة الرئيسية بمبنى الصندوق الاجتماعى للتنمية وكان ضيف اللقاء الدكتور محمود حمدى زقزوق، وزير الأوقاف الأسبق ورئيس الجمعية الفلسفية المصرية .
قدم اللقاء الدكتور"مصطفى لبيب" أستاذ الفلسفة الإسلامية، وقال إننا بحاجة إلى أن نستمع إلى الدكتور زقزوق ليحدثنا عن رائد التنوير والإصلاح الإمام "محمد عبده".
وأضاف أن الهيئة المصرية العامة للكتاب كانت موفقة في اختيار، الإمام محمد عبده ليكون شخصية المعرض هذا العام؛ فلما لا نحن نستعين بآرائه وأفكاره فى ظل الظروف التى نعيشها الآن.
وأشار إلى أن الإمام محمد عبده هو باعث الفكر الفلسفى الإسلامي فى مصر، وزقزوق هو الرباط بين الفكر الدينى الأصولى، والفكر الفلسفى الإسلامى المعاصر.
من جانبة قال الدكتور محمود حمدى زقزوق، إن الإمام محمد عبده أحد أهم العلماء الذين قاموا بفتح باب الاجتهاد، وإعمال العقل، مشيرا إلى أنه تحدث إلى أحد العلماء فى هذا الأمر فكان رده عليه عندما نصل إلى درجة علم السابقين يمكننا الاجتهاد، ولكن هذا ضد ما نادى به الإمام محمد عبده.
وأضاف زقزوق خلال لقائه بمعرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته السادسة والأربعين أن أزمة الشعب هى التخلف وارتفاع نسبة الأمية و"مشكلة الأمى أن فمه مفتوح ولكن إذا أجاد العلم سنفتح عقله وينغلق فمه".
وروى زقزوق قصة الإمام محمد عبده مع الإصلاح والتجديد، مؤكدا أن أزمة التعليم العقيم الذى تلقاه الإمام فى صغره كانت الدافع وراء منهج التجديد والإصلاح، مشيرا إلى أنه ولد فى إحدى قرى محافظة البحيرة وعندما كان فى سن 15 عاما أتم حفظ القرآن الكريم، وبعدها ذهب إلى الجامع الأحمدى فى طنطا كان هناك معهد دينى لتلقى العلم وكان أول درس تلقاه هناك حفزه أن يكون هناك إصلاح وتجديد عندما تلقى درس شرح الكفراوى على الأجرومية، وعاد إلى القرية ورفض أن يستكمل تعليمه فى الجامع الأحمدى.
وقال إن الشيخ محمد عبده أصر على التنازل عن التعليم، وهرب إلى خال والده وهو الشيخ درويش خضر وكان رجلا متصوفا، وأخذ محمد عبده باللين حتى تمكن من إقناعه للعودة للجامع الأحمدى لاستكمال الدراسة، وظل عامين بهذا الجامع.
وبعد عامين قضاهما في الجامع الأحمدي انتقل إلى الجامع الأزهر، والأزهر كان هو المدرسة الأم وحلم الجميع، وكانت الدراسة فيه لها أسلوب مختلف تمامًا؛ فكان بإمكان الطالب تسجيل اسمه وأن يذهب للدراسة مع الشيخ الذي يريده والمذهب الذي يختاره، وأتذكر أنني عندما كنت في ألمانيا وجدت هناك ما يطلق عليه نظام الحرية الأكاديمية، وهنا أدركت أن الأزهر قد سبق جامعات ألمانيا وغيرها بمئات السنين في تطبيق هذا النظام.
وأكد زقزوق أن محمد عبده حاول أن يخلص الفكر الدينى والفكر بصفة عامة من أى من الأفكار التقليدية العقيمة، حيث قال إنه لا توجد وصاية على العقل ولا يوجد أى تفويض إلهى لأى بنى آدم، ومن تحدث بهذا الحديث لا أساس له فى الدين الإسلامى.
وأشار إلى أن هذا ما فعله رسول الله (ص) عندما وارى الثرى جسد ابنه إبراهيم وكان شديد الحزن عليه، وكسفت الشمس فقال الناس إن الشمس كسفت لموت ابن النبى، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام رفض هذا الأمر أن يمر مرور الكرام، مؤكدا أنه قال للناس "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ولم يسخرهم الله من أجل البشر".
وتحدث زقزوق عن المتشددين فى بعض الأمور التى اشتهرت بين المسلمين، مؤكدا أنه على سبيل المثال من يلصق قدمه بقدم من يجاوره بالمسجد لمنع دخول الشيطان هذا الأمر ليس المعنى من وراء سد الفرج، مشددا على ضرورة إعمال العقل والاجتهاد قائلا "من أراد إصدار فتوى لا يجوز حمل أمر الناس على الكفر لأن أمر المسلم لا بد أن يحمل على حسن الظن".
وقال زقزوق إننا الآن مشغولون بالهامش وتركنا الأساس، يجب أن نطور ونجدد الفكر الديني قبل أن نجدد الخطاب الديني، فالدين يحث على الجد والاجتهاد، ففي فترات التراجع الحضاري للمسلمين كان هناك اتجاها قويا لإغلاق باب الفكر والاجتهاد، وفي هذا الشأن يقول محمد عبده أن فرص اللاحقين أفضل بكثير من فرص السابقين، وذلك بسبب ما نعيشه الآن من تطورات هائلة.
وقد تأثر محمد عبده في ذلك بفقه الأئمة الذين سبقوه وخاصة الإمام الشافعي الذي غّير فتاواه من العراق إلى مصر مراعاة منه للظروف التي استجدت على تواجده في مصر، وأتذكر أنني عندما طرحت هذا الأمر منذ عشرين عاما على عدد من أصدقائي في كلية الشريعة ونصحتهم بضرورة أن يتم تدريس مادة تحت اسم (فقه الواقع) كان هذا مسار دهشة وسخرية البعض وقتها، ولكني فرحت كثيرا عندما اهتدوا وقرروا مؤخرا تدريس مادة جديدية تحت اسم "فتاوى معاصرة" ، فيجب على المفتي أن يراعي في فتاواه كل هذه الأمور قبل إصدار الفتوى.
وكان محمد عبده داما مايردد، أن الإنسان مفكر مختار، وأن الفكر الصحيح يوجد بالشجاعة، و الشجاعة هنا مقسومة إلى شقين الشق الأول هو الشجاعة فى رفع القيود والتقاليد القديمة، والشق الثاني أن أضع القيد الجديد ألا وهو الفكر السليم، ويؤيد الإمام الغزالى عبده فى هذا السياق بقوله" أن العقل والشرع لا يتعارضان أبدا، فالعقل كالأثاث والشرع كالبناء، ولن يغنى أثاث إذا لم يقم بناء.
وتابع زقزوق القرآن الكريم أعطانا الطريق السليم لبناء الحضارة، فعندما خلق الله عز وجل الكون وعلم أدم الأسماء، وأعطاه مفاتيح العلم كان الهدف هو أن يفتح أدم وذريته من بعده المغاليق وفتح المغاليق لا يأتى بالكسل والتواكل ولا بالسحر والشعوذة؛ بل يأتى بالعمل والاجتهاد، وهذا دائما كان مسار خلافى.
مع من يقدمون برامج الإعجاز العلمى فى القرآن فأنا كنت ولا زلت أرى ضرورة أنهم لو شغلوا أنفسهم ببناء مراكز الأبحاث العلمية لكان ذلك أولى، من إنشغالهم بإنتظار نظريات الغرب العلمية ليفسروا بها إعجاز القرآن الكريم.
وقال إن تجديدالخطاب الدينى يتطلب منا العودة إلى مقررات العقل السليم والبعد عن الأشياء الغير منطقية والخرافات، وكذلك يتطلب منا البعد عن ثقافة الإرهاب الفكرى التى يمارسها البعض الآن من منطلق أن من ليس معى فهو ضدى.
وأضاف أن علينا أن نغرس فى أبنائنا وأحفادنا ثقافة الأمل فباب الأمل مفتوح على مصراعيه، فما أحوجنا الآن إلى قيمنا التى نسيناها لم ننساها كاسم بل تعمدنا أن ننساها كفعل.
وقال: "الدين قائم على اليسر لا على العسر وأتذكر فى هذا الشأن الفتوى التى أصدرها الشيخ محمود شلتوت عندما كان يشغل منصب شيخ الجامع الأزهر عام 1955، وأجاز فيها التعامل مع صناديق الإدخار بعد أن اجتهد وهو من هو وأمعن العقل ولم يخشى فى الله لومة لائم".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر