تجسد فنون الشارع في العاصمة الكولومبية بوغوتا مشاهد مختلفة من الواقع المحلي خصوصا تلك المتصلة بالنزاع المسلح الأطول في الاميركيتين في ظل المفاوضات المستمرة منذ ثلاث سنوات لإنهائه.
فقد الهمت السنوات الطويلة من العنف والأفق المستجد اخيرا للتوصل الى اتفاق بين الحكومة والقوات المسلحة الثورية في كولومبيا (فارك)، ابرز الميليشيات المسلحة في البلاد، محبين كثيرين لفنون الشارع.
بذلك ينشر دي جي لو في انحاء بوغوتا لوحات جدارية بألوان شاحبة ورسوما بالأبيض والاسود تظهر جنودا بقبعاتهم وجزماتهم العسكرية يقصفون بمدافعهم الرشاشة قلوبا او زهورا وأخرى لنبتات ذرة تشبه حباتها القنابل اليدوية.
ويقول هذا الاستاذ في الفنون التشيكيلة في جامعة كولومبيا الكاثوليكية لوكالة فرانس برس "اريد توجيه رسالة للدعوة الى الانفتاح".
ويضيف دي جي لو الذي يصف نفسه بأنه "رسول للسلام"، "افضل سلما هشا على حرب كاملة"، وهو قد بدأ بتركيز اعماله على مواضيع سياسية منذ 2006 في اوج مرحلة نزع اسلحة القوات شبه العسكرية وموجات الخطف على يد الميليشيات المسلحة.
وهو يجوب وسط بوغوتا حاملا عبوات الرذاذ والتلوين الاسود وينشر رسومه على الجدران لأنه لا يرى واجهة فنية افضل من الشارع.
ويؤكد دي جي لو "أنا انسان وبصفتي هذه اعتقد أن اي نزاع امر عبثي سواء بالنسبة لذلك الدائر في بلدي او في انحاء اخرى في العالم".
وتشهد كولومبيا منذ سنوات طفرة لفنون الشارع التي خصصت لها مناطق محددة في العاصمة بمبادرة من رئيس البلدية اليساري السابق غوستافو بيترو (2012 - 2015) المقاتل السابق في ميليشيا "ام-19" المنحلة منذ سنة 1990.
وتتيح مسارات محددة التنقل في انحاء المدينة لاكتشاف الجداريات الضخمة الملونة التي تزين بعضا من شوارعها.
- "موضة" السلام -
وتعكس روحية دي جي لو امال اكثرية الكولومبيين في رؤية بلدهم يخرج من هذه الحرب المعقدة التي اودت بحياة ما لا يقل عن 220 الف شخص فضلا عن تشريدها ستة ملايين آخرين واعتبار عشرات الالاف في عداد المفقودين.
ومنذ انطلاق مفاوضات السلام التي نقلت في ما بعد الى كوبا، سجل الدعم الشعبي للمسار التفاوضي ازديادا مطردا وصل الى نسبة 69 % في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، على ما أظهر استطلاع للرأي اجراه معهد "غالوب".
غير أن فناني الشارع في بوغوتا لا يصبون جميعهم جل اهتماماتهم على موضوع السلام او النزاع المسلح الذي تناوبت خلاله منذ اكثر من نصف قرن ميليشيات من اليسار المتطرف وأخرى من القوى اليمينية المتطرفة شبه العسكرية وقوات مسلحة حكومية على التقاتل على خلفية نزاعات متصلة بتجارة المخدرات.
ويرى ستينكفيش وهو فنان له رسوم جدارية ضخمة كثيرة تجسد تنوع المجتمع الكولومبي أن "الهدف (...) يقضي بالتأكيد على أن الشارع موقع للعمل الحر".
ويقول ساخرا ان "السلام بات نوعا من الموضة (...) في كولومبيا التي تتحول مسرحا سياحيا".
ويؤكد توكسيكومانو فنان الشارع المعروف برسمه وجوها معذبة يعود كثير منها للكاتب غابرييل غارسيا ماركيز أن "مجرد الرسم في الشارع عمل سياسي".
وفيما يشدد على حاجة المجتمع الى "التطرق لمواضيع مهمة"، ينشر على جدران بوغوتا شعارات يدافع بعضها عن الضحايا المدنيين للنزاع المسلح في البلاد.
ويتطرق فنانو الشارع الى مواضيع متنوعة في اعمالهم التي تنتشر على مساحة كيلومترات في احياء مختلفة من العاصمة بوغوتا لدرجة أن البعض يرى فيها فاتحة لتطوير نشاط سياحي مربح للمدينة.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر