تطوان - و.م.ع
يوّصف عبد الكريم الوزاني بـ"شاعر الألوان "، وهو التشكيلي التطواني من جيل الرواد الذي سافر مع الإبداع الفني لما يزيد عن 40عامًا، وتفنن في المزج بين الواقع والمتخيل بقوة تعبيرية روضت الألوان بلمسات شعرية مرئية قل نظيرها بالاهتمام والجهد التربوي والفني احتضن عبد الكريم الوزاني جيلاً كاملاً من الفنانين أضّحت لهم بصمات واضحة في مسار التشكيل المغربي منذ توليه إدارة المعهد الوطني للفنون الجميلة في تطوان عام 1998 خلفًا لرائد آخر من الطينة ذاتها وهو المرحوم محمد السرغيني. ولم يدخر الوزاني جهدًا في تكوين وحثّ طلبته على الاجتهاد والمثابرة وطلب المعرفة ،انطلاقًا من فلسفته التربوية التي يلخصها في أن "من لا يفكر في الشباب لا يهمه المستقبل " معتبرًا أن الاهتمام بالمواهب الصاعدة "واجب أخلاقي وتربوي والتزام معنوي قبل أن يكون واجبا فنيًا" ،خصوصًا مع وجود كمّ محترم من المبدعين الشباب الذين يحتاجون إلى الصقل والمواكبة لإبراز مؤهلاتهم وفرض ذاتهم في الخريطة الفنية الوطنية العالمية".ويعتبر الوزاني، الذي ازداد بتطوان عام 1954 وحصل على دبلوم مدرسة الفنون الجميلة وهو لم يتجاوز بعد 21 عامًا، أنّ "الدبلوماسية الفنية لا تقل أهمية عن باقي الممارسات الدبلوماسية المؤسساتية والبرلمانية والجمعوية لخدمة المغرب وتعزيز حضوره الدولي"، مضيفًا أنّ الاهتمام بالشباب في المجال الفني التربوي هو اهتمام بحاضر ومستقبل المغرب ،الذي يحتاج إلى كل سواعده على اختلاف أشكال إبداعاتها ومجالات عملها واهتماماتها الفكرية والمهنية ".ويرى أن صقل المواهب ليس "عملاً ميكانيكيًا مجردًا" بل هو عمل بيداغوجي وسيكولوجي يعطي الثقة للمتعلم من أجل إبراز مواهبه ويفتح له المجال المؤطر للتجديد والابتكار والإبداع بنسق علمي، قبل أن يبلغ الشاب المبدع مرحلة النضج ومرحلة متقدمة من العطاء تغلب فيها الذاتية ويسطع خلالها نجم التألق والحضور الفني المتوازن .ويؤكدً الفنان التطواني بوزيد بوعبيد ،الذي رافق الوزاني طيلة مساره الفني إلى اليوم، أن الوزاني ورغم ما بلغه من مستوى عالمي وحظي بتقدير وتكريم داخل المغرب وخارجه آخره تكريم من الأكاديمية الفرنسية للاستحقاق في تشرين الأول/أكتوبر الجاري "إلا أن همته لم تفتر في مواصلة مهام تربية الأجيال، والرغبة في اكتشاف جديد الفن التشكيلي على مستوى آليات الإبداع والتجديد ". ويرد ذلك الوزاني نفسه، الذي سبق أن الفن التشكيلي شأنه في ذلك شأن الأشكال الإبداعية الإنسانية "عالم مرئي وفلسفي متحول لا يفتر عطاؤه ولا يمكن الإحاطة بكل جوانبه،خاصة وأنه يستحيل اختزال الفن التشكيلي في المدارس المعروفة على اعتبار أن حدود الفن أوسع من أن تؤطر في ممارسات إبداعية محدودة العوالم والآفاق". واستطاع الوزاني أن يزاوج خلال مسيرته الفنية الطويلة بين الصباغة والنحت، كما أنه يعد أول من استخدم تقنية "الأكريليك" في المغرب منذ 1975 ويشتغل على فن الاكواريل والديزاين. ويرجع الوزاني تشعب اهتماماته الفنية إلى كون الفن عامة "يتأسس على نفس التصور الفلسفي وإن اختلفت طريقة الإبداع، التي ليست إلا وسيلة من وسائل التعبير التي قد تجتمع عند شخص واحد ". وتتميز إبداعاته النحتية بإيقاعات حلزونية بسيطة يقول إنها موجهة للصغار كما للكبار، لأن "كل إنسان يحوي في أعماقه طفلا يتوق للفطرة ويحنّ إلى طبيعته الأولى ويسافر إلى عالم عجائبي تختلف مقارباته ويشكل العمق الإبداعي الإنساني الحقيقي".
وعلى عكس العديد من الفنانين التشكيليين العالميين الذين يستعملون التلوينات في إبداعهم التشكيلي، يرى الوزاني أن الملونات الطبيعية كالشاي والزعفران وغيرهما كثير ومختلف، لم توجد إلا لتعطي نكهة للطعام وليس لتلوين الأعمال الفنية، وهو أمر حير متتبعي إبداعاته ،على اعتبار أن الوزاني وجه اختياراته الإبداعية منذ الوهلة الأولى نحو الطبيعة ،إلا أن ذلك ،على ما يبدو ،يقتصر على الغاية التعبيرية ولا يصل إلى إشراك الطبيعة في مرسوماته.ورغم أن أول معرض فردي للفنان يعود إلى 1978 وأول معرض جماعي إلى 1976، إلا أن انفتاحه على الفضاء العام ومشاركاته في مختلف المعارض تبقى "محدودة وشحيحة نسبيًا"، وهو ما يعترف به الوزاني شخصيًا، و يرجعه إلى انشغالاته الكثيرة في تعليم الأجيال الفنية الصاعدة، قبل أن يؤكد أن عطاءه لم يفتر أبدا ولم ينزو بفنه إلى زاوية مغلقة، وخير دليل على ذلك أن إبداعاته تعد "مزارًا دائمًا ويوميًا لتلامذته وعشاق فنه ومحيطه الأسري، "وهؤلاء هم نافذتي على الآخر وقناة تواصلي مع العالم الخارجي الواسع".
وإذا كان الوزاني قد شارف على التقاعد من مهامه الإدارية كمدير للمعهد الوطني للفنون الجميلة في تطوان، فإن عطاءه سيظل لا محالة مرجعًا تراثيًا مغربيًا يلج به الفن التشكيلي المغربي إلى متاحف العالم شأنه في ذلك شأن رواد آخرين من أمثال المكي امغارة وسعد بن سفاج وأحمد بن يسف وغيرهم ممن جاد بهم الزمن المغربي الجميل.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر