بيروت - المغرب اليوم
يقاوم نشطاء لبنانيون قرارا حكوميا يسمح ببناء منازل فاخرة على بقايا أثرية عمرها ألفا عام يعتقد بأنها كانت مضمارا لسباق عربات الخيل الروماني يعود للقرن الاول الميلادي.وتجري حاليا عمليات حفر أثرية حول جدران اكتشفت مؤخرا على بعد أمتار من أطلال تنتمي إلى المسرح الروماني في بيروت والذي يشتهر بأنه استضاف نحو ألف و400 مصارع روماني في يوم واحد فقط.
ويشهد المبنيان الشامخان في بيروت القديمة على الأوقاف الفاخرة التي تعود للملك هيروديس الذي يقال إنه كان يحابي المدينة بشكل أثار غيرة المدن الأخرىوبدأت في أغسطس/آب الماضي جرافات تفكيك أحد جدران مضمار السباق، لكنها توقفت بمجرد شكوى إلى مكتب محافظ بيروت قدمتها هيئة نشطاء تحمل اسم “جمعية حماية التراث اللبنانية “.وقالت رجاء نجيم وهي خبيرة متقاعدة في الرقابة على الجودة تقود المعركة القانونية للجمعية “إننا ملتزمون بحماية مضمار السباق والمسرح. هذا إعلان حرب”.وعقد ثلاثة وزراء ثقافة سابقون مؤتمرا صحفيا نددوا فيه بأعمال البناء في الموقع الذي كان قائما فيه مضمار السباق العام الماضي، لكن الحكومة الحالية أعلنت موافقتها على أعمال البناء في وقت سابق من هذا الصيف.ويناضل مروان خيرالدين، وهو رجل أعمال بارز ويشغل منصب وزير دولة حاليا، من أجل الغاء قرار تعليق نشاط العمل في الموقع الذي سبق واصدره المحافظ. ويعتقد خيرالدين أن المزاعم التي تقول إن الموقع له أهمية تاريخية كبيرة هي مزاعم مبالغ فيها إلى حد كبير.ويخطط رجل الأعمال الذي يعمل مديرا لأحد البنوك – وهو أحد عمالقة مجال الاستثمار العقاري أيضا- لبناء مجتمع عمراني مغلق بتكلفة تصل لعدة ملايين من الدولارات فوق هذه الأرض، ويقول إن الأرض بمفردها تستحق نحو 60 مليون دولار.وقال خيرالدين: “هناك إجماع كامل على أن ما وجدناه في هذا الموقع لا يستحق الحفاظ عليه.” وأضاف أن نحو 90 في المئة من أصل مضمار سباق عربات الخيل الروماني قد تغير بالفعل.وقال إن هذه النتائج كانت تدعمها دراسات ميدانية، وبرغم ذلك لم يستطع أن يفصح عنها. كما أن الأرقام متناقضة لدى النشطاء وعلماء الآثار الذين فحصوا هذه المواقع الأثرية.ويقول هانز كيرفرز، وهو أثري سوري مخضرم قاد أعمال الحفر الأثري في الموقع، إن الأطلال الموجودة تضم امتدادا يصل لأكثر من مئة متر من الحوائط الأساسية التي تظهر حاليا من خلال العديد من الأماكن في المنطقة، وتحدد المسار البيضاوي لمضمار السباق الروماني.وتنتشر الأعمدة الرومانية في أرجاء الموقع، ويقول نشطاء إنه يمكن إعادة بنائها بالإضافة إلى بعض الأعمال جمالية المنظر الأخرى التي تساعد في تشكيل منظر رائع لطريق مضمار سباق عربات الخيل الروماني.ولا تزال مجموعة من الأراضي القريبة تشهد أعمال حفر أثري إما جزئيا أو كليا ويعتقد أنها تضم أطلالا أخرى لاستاد روماني، بالإضافة إلى خشبة المسرح والطريق القديم الذي يربط الموقعين الأثريين ببعضهما والذي يضم العديد من الأعمدة الرومانية القديمة.ويقول كيرفرز إنه كان من الأفضل ألا يتم البناء في هذه المواقع، ويشير إلى قرار وزارة الثقافة بالموافقة في وقت سابق من هذا الصيف على خطة تسمح ببدء عمليات البناء لستة مجمعات سكنية مبدئية تشق طريقها في منتصف أراضي ما تبقى من مضمار سباق عربات الخيل الروماني.ويقول خيرالدين إنه يقدم بسخاء مساحة قدرها أربعة آلاف متر مربع من المساحة الأساسية تبلغ قيمتها ما يقدر بنحو 10 ملايين دولار من أجل عرض نحو 38 مترا من جدار المبني الأثري الذي يقع ضمن ملكيته. ويضيف أن هذه المساحة سوف تضاء حتي يمكن للعامة أن يشاهدوها.لكن يحذر خبراء آثار من أن التطورات الأمنية الخطيرة لا ترحب بأي سياح لهذه الأماكن كما هو معتاد. كما يشكك الكثيرون في قدرة الدولة على توفير حراسة أو حتى الحفاظ على العشب في المكان. وفي المقابل يقول نشطاء حماية الآثار إن موقع مضمار السباق الروماني يجب أن يبقى مفتوحا في الهواء الطلق.وتقول رجاء نوجيم: “ما الذي يحافظ عليه؟ إنه مجرد جدار. نحن نتحدث عن مضمار سباق عربات روماني. أين يمكننا أن نرى ذلك وتعلوه أحد المباني؟
إزالة المواقعأذكت معركة مضمار سباق عربات الخيل سلسلة من النزاعات بشأن جهود الترميم خلال إعادة بناء وسط بيروت في أعقاب الحرب الأهلية.كما اعترف مسؤولون في الوزارة الحالية أن المواقع القديمة ضاعت عندما دمرت مساحات كبيرة من المدينة القديمة في سبيل بناء أحياء سكنية راقية ومساحات مكتبية.بموجب خطة مثيرة للجدل، تمول شركات التطوير مشروعات الحفريات الأثرية في لبنان، الأمر الذي أدى إلى اتهامات بأن الحفريات تحدث على عجل وتقلل من قيمة النتائج من أجل الإسراع في أعمال البناءفي العام الماضي تم هدم موقع يعود تاريخه إلى القرن الثاني قبل الميلاد، ويعتقد البعض أنه حوض جاف يعود للعصر الفينيقي جرى هدمه لافساح المجال أمام بناء ثلاثة أبراج عالية على الرغم من احتجاج النشطاء.وكتب عالم الأثار المحلي ناجي كرم لصحيفة الأخبار “ما يجري القيام به في بيروت اليوم يمكن وصفه بمجزرة واسعة النطاق”.وزعم أن أكثر من 70 موقعا خضعت لحفائر أثرية في المدينة على مدى السنوات العشر الماضية ولم ينشر سوى القليل عن ما جرى اكتشافه.وقالت هيلين صادر، الرئيسة السابقة لقسم الآثار في الجامعة الأميركية في بيروت، معربة عن قلقها، إنه لم تصدر أي مطبوعات حديثة من الناحية العملية، ليس فقط في العاصمة بل في شتى أرجاء البلاد.وأضافت “لقد أبقوا على كتمان كل شئ. الناس يركزون على بيروت ولكن ليست لديهم فكرة عن عدد ما يجري تدميره من أشياء مهمة في أنحاء لبنان.”وقالت صادر والعديد من زملائها إن هناك نقصا في الموظفين المدربين في مدن بأكملها مثل صيدا وصور حيث يجري تعيين عالم أثار واحد.والأدهي من ذلك ، تعمل مديرية الأثار التابعة لوزارة الثقافة بدون مدير منذ أكثر من خمس سنوات، وذلك بسبب إخفاق الحكومات اللبنانية المتعاقبة في ترشيح شخص لتولي المنصب.وقال هانز كيرفرز “أنت بحاجة إلى شخص لديه رؤية، لكن ذلك غير متوفر.”ودافع أسعد سيف، مسؤول رفيع في الأثار، عن خطة للبناء تفضي إلى الحفاظ على الأطلال الأثرية والسماح بالمضي قدما في البناء.وقال “عليك أن تعزز التطور، وفي الوقت نفسه أن تحافظ على الاثار”،.واعترف سيف أن النشر لا يزال يمثل مشكلة، لكنه أنحى باللائمة على عدم وجود ميزانية والضغط على الموظفين.وتزعم هيلين صادر وعلماء آثار أخرون أنه كثيرا ما رفضت الوزارة أو أخفقت في الاتصال بالجامعات الغربية لتوفير ما يلزم من المساعدات.وناشدت قائلة “نريد المساعدة” وأضافت “ان لم يكن لدينا موظفون فهناك الكثيرون على استعداد للمساعدة”.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر