تشق جواميس اسيوية بقرون مزخرفة بالورد واجراس حول رأسها، طريقها على طول حقول الارز في جزيرة بالي الاندونيسية وهي تجر عربة خشبية فيما يعمد رجلان واقفان الى تسديد ضربات لها بالسوط سعيا للفوز بسباق تقليدي.
ويقوم مئات المتفرجين المشدوهين طوال المسار بتحية متسابقيهم المفضلين مع الامل بفوزهم في هذه المسابقة العريقة التي ترتدي اهمية كبيرة لدى السكان المحليين وهي تقام خلال المهرجان السنوي في هذه الجزيرة السياحية الابرز في اندونيسيا.
هذا السباق المعروف بإسم "ماكيبونغ" والذي يحصل في ازقة ضيقة، تتنافس فيه مجموعتان من المزارعين في مقاطعة جمبرانا في غرب بالي. وتترك جواميس مروضة للمناسبة حقول الارز حيث تستخدم عادة كحيوانات جر.
وبعيدا من السواحل ومواقع الجذب السياحي الشهيرة في جنوب الجزيرة، تتوافد حشود من المعجبين لمتابعة هذا التقليد المحلي احتفالا بموسم حصاد الارز.
وقد انطلقت مسابقة "ماكيبونغ" في ستينات القرن الماضي وهي تثير حماسة كبيرة في صفوف افراد المجموعتين اللتين تعيشان على جانبي نهر ايجو غادينغ الذي يجتاز مدينة نيغارا عاصمة جمبرانا.
ويرتدي المتسابقون من الجزء الغربي من نهر ايجو غادينغ اللون الاخضر ويزينون عرباتهم الخشبية براية خضراء في حين يضع المنافسون من القسم الشرقي ملابس حمراء.
- متسابقون مسنون -
على مر السنوات، بدأت علامات التقدم في السن تظهر على فرسان السباقات، ولم يكن من السهل ابدالهم بفرسان شباب.
ويقول كاديك نوراغا وهو فارس في الحادية والخمسين من العمر يشارك في هذه السباقات منذ اكثر من 35 سنة لصالح المجموعة المقيمة في غرب نهر ايجو غادينغ "انا كبير الآن ولم يظهر اي جيل جديد" للاستمرار في هذا التقليد.
ويضيف "ثمة فرسان كثر يرغبون في التقاعد. بعضهم تخطى سن الستين لكن لا خيار امامهم اذ اننا نحتاج اليهم للحفاظ على التقليد".
وثمة ميل لدى الشباب حاليا الى ترك جمبرانا املا في تحسين اوضاعهم المعيشية في المدينة. أما اولئك الذين يقررون البقاء فهم اكثر اهتماما بالعاب الفيديو من سباقات "ماكيبونغ" كما يقول ابناء الجيل المخضرم في المنطقة.
وقد ترك احد ابناء نوراغا، وهو في السابعة والعشرين من العمر، القرية. ويدرب الوالد النجل الاصغر لجاره خلال عطلة نهاية الاسبوع كي يتسلم الامانة يوما ما. غير أن تدريب فارس سباق يستغرق وقتا طويلا.
وفي الانتظار، كلما زاد سن المتسابق، يواجه احتمالا اكبر بالسقوط من العربة، وفق كبير منظمي مسابقات ماكيبونغ مادي مارا. حتى أن متسابقين سابقين توفوا جراء حوادث سقوط من هذا النوع.
- فخر وتقدير -
ويشير المسؤول السياحي في جمبرانا كومانغ هندرا الى ان العثور على هواة مستعدين للمشاركة في السباقات مهمة شاقة لدرجة ان بعض الفرق تضطر للاستعانة بخدماتهم مقابل مبالغ مالية بمعدل مئة الف روبية اندونيسية (7,5 دولارات)، وهي قيمة لا يستهان بها في هذا الارخبيل الواقع في جنوب شرق اسيا والذي يعيش ما يقرب من 40 % من سكانه بأقل من دولارين يوميا.
لكن بالنسبة لسكان كثر في جمبرانا، هذا الاستثمار يحمل جدوى اقتصادية نظرا الى ارباحه المحتملة: فالمكافأة المالية في مقابل كل فوز تصل الى 25 مليون روبية (1900 دولار). هذا المبلغ يتم توزيعه بين اعضاء الفريق الفائز.
أما القيمة السوقية للجواميس الفائزة، فتسجل ارتفاعا كبيرا وقد تصل الى 175 مليون روبية (13275 دولارا) في مقابل رأسين من هذه الحيوانات في السوق المحلي.
وبعدما كانت في البداية مجرد تسلية بسيطة، تحولت السباقات تدريجا الى منافسات حقيقية. وتحضر المجتمعات المحلية سنويا فرقا لموسم سباقات "ماكيبونغ" الممتد من تموز/يوليو حتى تشرين الثاني/نوفمبر مع سباقات كل 15 يوما. وفي هذه السنة، يشارك حوالى ثلاثمئة جاموس في المنافسات.
ويدوم يوم من المنافسات خمس ساعات في المجمل، مع سباقات عدة على مسافة تقارب 1500 متر. ويتوزع المتنافسون ضمن اربع فئات. ويتم الاعلان عن فوز احدى المجموعتين المتنافستين في آخر النهار.
ولا تجذب هذه السباقات سياحا بالقدر عينه لشواطئ بالي الساحرة، غير ان سياحا اجانب يقصدون ايضا المنطقة لمتابعة هذا الحدث التقليدي الى جانب سكان محليين كثر.
وبالنسبة لأكثرية المشاركين، الربح المادي لا يهم بقدر المكسب المعنوي وفق هندرا الذي يقول "ما يهم فعلا ليس الفوز بالجائزة بل الفخر والتقدير".
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر