الرباط_ المغرب اليوم
تتجاوز الحالة التي عاش عليها المسلمون واليهود في المغرب لسنوات طويلة مفهوم التعايش، إلى التثاقف أو التداخل الثقافي والروحي، مُشكلة بذلك نموذجًا فريدًا في العالم. هذه الظاهرة التي خفتت اليوم بعد تراجع الوجود اليهودي في المغرب، نحاول تلمسها في حلقات من خلال كتابين فريدين، غير مترجمين إلى العربية، للكولونيل الفرنسي لويس فوانو، والباحث المغربي الفرنسي أسشار بن عمي، حول موضوع "المزارات المشتركة بين اليهود والمسلمين في المغرب". وفي هذه الحلقات نقدم نموذجا على هذا التقاطع والتداخل الذي طال المستوى الديني العقدي، متمثلا في الاعتقاد المشترك في قدسية نفس الأولياء والمزارات، وهي الظاهرة التي رافقت التاريخ اليهودي الإسلامي المشترك في المغرب.
مولا تاصبرانت:
يوجد ضريح مولا تاصبرانت على مبعدة حوالي كيلومترين من ملاح فم أجماع الذي يقع على بعد 15 كيلومترا جنوب شرق بزو. وضريحه عبارة عن كوخ طيني كبير تتقدمه باحة واسعة محاطة بسور وجنبها سقيفة تأوي زوار الضريح الذي لا يضم قبرا بارزا وشجرة تين. وفيما يعتقد البعض أن مولا تاصبرانت مدفون داخل الكوخ الطيني، يقول البعض الآخر إن جثمانه دفن تحت شجرة التين الوحيدة بالباحة.
وحسب المعتقد اليهودي، فإن مولا تاصبرانت هو الحبر يهودا بن إسرائيل ليفي، وأخ داوود درعة، كما يعتقدون بأنه أحد الربيين العشرة المبشرين، الذين وفدوا قديما على المغرب من أرض فلسطين لإدخال المغاربة إلى الدين اليهودي.
ويتم اللجوء إلى مولا تاصبرانت في حالة الإصابة بأمراض الحمى والسعال الديكي وأمراض العيون والمس بالجن والعقم، كما تتردد على ضريحه الفتيات الراغبات في الزواج واللواتي يعلقن خيوطا من أحزمتهن بشجرة التين ثم يغتسلن داخل الضريح، وإذا ما شملتهن بركة مولا تاصبرانت وحصلن على زوج فإنهن يكن ملزمات بالعودة إلى الضريح لتقديم الشكر إلى مولا تاصبرانت، وهذا يسري حتى على النساء الراغبات في الإنجاب، حيث توجد منهن من تقضي أسبوعا كاملا بالضريح. ينظم الموسم الكبير لمولا تاصبرانت يوم 25 ديسمبر/كانون الأول من كل سنة، حيث تذبح الأضاحي التي يوزع لحمها على فقراء المنطقة.
ويتناوب على حراسة الضريح يهود ومسلمون. ورغم أن مسلمي منطقة نتيفة لا يشككون في يهودية مولا تاصبرانت، فإنهم يحرصون على زيارته علنا ويلتمسون، مثل اليهود، بركته، كما يستقبل الضريح مسلمين من مناطق مختلفة خصوصا من النساء الراغبات في الإنجاب وأيضا اللواتي يعانين من تساقط الشعر، حيث يقمن بمشط شعورهن بالضريح فينبت لهن شعر جديد.
ويوجد ضريحه بقبيلة نتيفة، على بعد حوالي 30 كيلومترا من من بزو. ويجهل اليهود كل شيء عن هذا الولي، مع قول بعضهم إنه جاء في زمان غابر من القدس. يزار مول أزاد في حالة الإصابة بالحمى وأمراض العيون والمس بالجنون وعقم النساء. كما يتردد عليه التجار الذين يعانون من كساد بضاعتهم. ويحكي المعتقدون في بركة مول أزاد، أن هذا الأخير ظهر لبعض المرضى جالسا على ربوة ورفقته ثلاثة رجال، وفجأة زحف باتجاههم ورماهم بأوراق فأغمي عليهم، وعندما استفاقوا وجدوا أنفسهم وقد شفوا من المرض. وينظم لضريح مول أزاد موسمان في السنة في شهري مارس/آذار وسبتمبر/ايلول.
أما المسلمون فيترددون على ضريح مول أزاد في نهاية كل شهر، رغم معرفتهم بأصوله اليهودية، ويزورونه أساسا مصحوبين بدوابهم ومواشيهم حتى يتضاعف نسلها. كما يتناقل المسلمون أن مول أزاد صاحب كرامات، منها أن أحدهم رأى ذات ليلة ضريحه مضاءً وكان مول أزاد يتناول عشاءه رفقة بعض زواره. كما يحكون أن مول أزاد ظهر في إحدى المرات لأحد الفلاحين وهو يمتطي صهوة حصان أبيض، ووبخه على سوقه مواشيه إلى قرب الضريح.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر