يردد بضعة زبائن مقطعا من اغنية فرنسية شهيرة في مقهى "شي فنسان" في العاصمة البولندية وارسو، حيث يحيي الفرنسيان بنوا فيلات ومارفان بيودي دوريا سهرات فنية يؤديان خلالها مجموعة من أشهر اعمال كبار المغنين الفرنسيين.
ويروي مارفان وهو عازف آلات ايقاعية في السادسة والثلاثين من عمره متحدر من مدينة تولون جنوب فرنسا ومقيم في بولندا، أن الناس غالبا ما "يهمهمون حتى لو كانوا لا يعرفون كلمات الاغاني ولا يفهمونها. بعدها يطلب مني البعض احيانا ترجمة الاغنيات".
الترجمة باتت إذا امرا اساسيا: فبعد ان كانت لفترة طويلة لغة الثقافة والدبلوماسية والنخب البولندية، تراجع حضور الفرنسية في المدارس البولندية في مواجهة الانكليزية والالمانية والروسية.
وقالت آنا سوسيك الخبيرة لدى وزارة التربية الفرنسية لوكالة فرانس برس ان "عدد التلامذة الذين يتعلمون الفرنسية في المدرسة لا يتوقف عن التراجع منذ سنوات".
كما ان تراجع الفرنسية يزداد حدة في موازاة الجاذبية المتزايدة للغات اخرى، وفي العام 2000، كان عدد التلامذة البولنديين الذين يتعلمون الفرنسية بكل المراحل الدراسية يبلغ 300 الف، إلا ان هذا الرقم تراجع بقوة ليصبح 125 الفا فقط سنة 2013.
هذه الارقام قد تشكل مفاجأة في بلد تمثل فرنسا فيه ثالث اهم مستثمر اجنبي وحيث تنتشر المتاجر الفرنسية بشكل كبير في الشوارع. لكن اللغة الاجنبية الاكثر تداولا في الحياة اليومية هي الانكليزية في حين تملك الالمانية والروسية قوة جذب كبيرة في عالم الاعمال.
واشار دومينيك لوساج وهو فرنسي مقيم في بولندا منذ اكثر من ثلاثين عاما الى ان "الفرنسية لم تعد بتاتا لغة مرتبطة بقطاع الاعمال. تحولت الى ما يشبه اللغة المهملة التي لا يتم التداول بها سوى في بعض الصالونات لكنها غائبة عن الاحاديث اليومية".
وقال "نرى ان العاملين في الشركات الفرنسية يتحدثون جميعهم الانكليزية بطلاقة. ثمة بالتأكيد بولنديون يتكلمون الفرنسية لكنها في كثير من الاحيان تكون في المرتبة الثانية او الثالثة خلف الانكليزية".
اما بحسب ستانيسلاس بييريه المستشار في شؤون التعاون والحركة الثقافية في السفارة الفرنسية في وارسو، فإن "محاربة الانكليزية بشكل مباشر امر عبثي"، لكن في الامكان العمل على "توسيع قواعد الفرنكوفونية".
وأوضح بييريه "اننا نأمل في التمسك اكثر في تطوير الفرنسية في الصفوف الابتدائية وتطوير التعليم المبكر للفرنسية في المدارس العامة والخاصة ووضع اسس مسار ممتاز للغة الفرنسية من الصفوف الاعدادية الى الجامعة".
وتماشيا مع رسالته، ينظم المعهد الفرنسي تظاهرات ثقافية "لإحياء" المشهد الفرنكوفوني في البلاد و"محاولة جذب الجمهور" البولندي.
وقد شهدت البلاد اخيرا تقديم استعراض "بياف ذي شو" الذي يروي سيرة المغنية الفرنسية الشهيرة إديت بياف، وذلك في اطار شهر الفرنكوفونية. وقد لقيت هذه الحفلات اقبالا كبيرا من الجمهور البولندي.
ويؤشر ذلك الى ان تراجع اهتمام الشباب البولنديين بتعلم الفرنسية لا يعني رفضهم لهذه اللغة، بل هي ما زالت تجذب البولنديين وتحمل لفحات من الحنين ولاسيما لدى الاشخاص الأكبر سنا.
وأوضح ياسيك هاوريلوك الاذاعي في محطة ترويكا الحكومية التي يقدم فيها برنامجا اسبوعيا مخصصا للموسيقى الفرنكوفونية، "اننا نحتاج الى الموسيقى الفرنسية وسط اجتياحنا من جانب العالم الموسيقي للاعمال الناطقة بالانكليزية. من الاسهل التحدث بالانكليزية والالمانية والاسبانية لكن لاسباب عاطفية وتاريخية نحب هذه اللغة".
ولفت الى ان "الشباب يعتبرون الفرنسية لغة غريبة بعض الشيء. انها تمثل بالنسبة اليهم بحثا عن عالم مختلف".
ولا تزال اغنيات كبار المغنين الفرنكوفونيين امثال إديت بياف وجاك بريل وجورج براسنس تجذب جمهورا وفيا للموسيقى الفرنسية كما ان اعمالهم تترجم في اوقات كثيرة الى البولندية. كذلك يحقق مغنون اخرون مثل سيلين ديون وغارو وزاز جماهيرية لافتة في بولندا. كذلك فإن الألبوم الأخير للفنانة الفرنسية إنديلا كان اكثر الالبومات مبيعا في بولندا العام الماضي مع مئة الف نسخة مباعة.
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر