في خطوة تؤكد أن الذكاء الاصطناعي ليس حكراً على مجالات “تقنية أو هندسية” بعيْنها أو ذا استخدامات تعليمية–أكاديمية محضة، بدأ “الوافد التكنولوجي الجديد” يغزو عدداً من مناحي الحياة، لعل أبرزها ما أشار إليه وزير العدل عبد اللطيف وهبي، خلال اجتماع للجنة نيابية، بوضوح حول “استخدام الذكاء الاصطناعي في المحاكم”، في سياق إصلاح منظومة العدالة.
وقال وهبي، خلال حديثه أمام أعضاء لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، الثلاثاء: “اشترْينا برنامجاً للذكاء الاصطناعي، وتم تسليمُه لرئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية لتوزيعه على القضاة، إذ إن القاضي قد لا يكتُب حكمه، بل يقرؤه فقط، والبرنامج يتولى الرّقْن (يكتبه)”، منوها إلى أن “الاستعانة” بالذكاء الاصطناعي تهدف، في المجمل، إلى “تسهيل عمل المحامين والقضاة”.
وأضاف وزير العدل شارحا أن “البرنامج المعلوماتي (المرتقب) سيُمكّن المحامين والقضاة من البحث في أرشيف النصوص القانونية والاجتهادات القضائية”.
هذا الإعلان الوارد على لسان مسؤول حكومي لم يمرّ دون أن ينال “تنويه وترحاب” الجسم المهني للقضاء بالمغرب؛ وهو ما عبّر عنه عبد الرزاق الجباري، رئيس “نادي قضاة المغرب”، بالقول: “لا يسَعنا إلا أن ننوّه بهذه الخطوة التي ستدفع بمنظومة العدالة ببلادنا نحو الزيادة في التحديث، وحسن استغلال فوائد ومنافع التطور التكنولوجي الذي أرخى بظلاله على كل المجالات داخل المجتمع”.
الجباري تابع شارحاً، ضمن تعليق لجريدة هسبريس الإلكترونية حول الموضوع، بأن “نادي قضاة المغرب فتَح منذ مدة موضوع تحرير الأحكام القضائية، وسلط الضوء على ما يترتب على ذلك من ضغط في العمل وإهدار لجُهد القضاة ووقت العدالة، ذلك أنه طالب بإعادة النظر في طريقة التحرير تلك، والتفكير في سبل إعفاء القضاة من تحرير الوقائع التي لا تحتاج إلى أي اجتهاد؛ وإنما هي فقط تكرار وإعادة لوقائع تتضمنها وثائق القضية”.
وقال رئيس النادي إن الأخير “شدد، بالمقابل، على قَصْر مهام القضاة فقط في تعليل تلك الأحكام بما يضمن التطبيق العادل للقانون، فيما القضاة مطالبون بالاجتهاد في التعليل لا غيْر”، وزاد: “اعتماد التطبيق الجديد الذي اقتنته وزارة العدل من شأنه أن يخفف الضغط عن القضاة، وهو الضغط المترتب على تحرير الأحكام، خصوصا على مستوى الوقائع”.
كما عدّد المتحدث للجريدة مكاسب الأمر بالنسبة لمنظومة العدالة بالقول إنه “سيوفر الوقت للتفكير في التعليل بدل ضياعه في كتابة الوقائع، وهذا ما سيسهم لا محالة في الرفع من جودة العمل القضائي بما يخدم العدالة ببلادنا”.
وبالعودة إلى تفاصيل الموضوع، وبحسب وهبي الذي أعلن المستجد في ثنايا حديثه أمام النواب خلال اجتماع لجنة العدل والتشريع المخصص لمناقشة “مشروع المسطرة المدنية”، فإن المغرب شرَع فعليا في التفكير الجدّي في “استخدام الذكاء الاصطناعي في المحاكم”، قائلا أمام النواب إن “الذكاء الاصطناعي قدّم تسهيلات غيَّرَتِ الكثير في العالم”، حسب تعبيره.
وتزداد راهنية الموضوع وأهميته الحتميّة باستحضار ما كشفه وهبي في 14 ماي الماضي، إذ أورد أن وزارته “تُعد قانوناً لتأطير استخدام الذكاء الاصطناعي في المغرب”، مفيدا بأن “القانون يبتغي تفادي ما حدث مع وسائل التواصل الاجتماعي، حيث لا يتم احترام الحياة الشخصية للناس”؛ حسب تعبيره في أكثر من جلسة عمومية للبرلمان.
ومن المقرر أن يلتئم الباحثون والخبراء وفاعلون حكوميون وخواص ضمن أشغال “مؤتمر” مرتقب تنظيمه بالمغرب في شتنبر من السنة الجارية، للاطلاع على التجارب الدولية ذات العلاقة بالذكاء الاصطناعي، مع تحديد ونقاش “إطار قانوني لتأطير الذكاء الاصطناعي”، الذي ما فتئت استخداماته وتنوّع استعمالاته وتطوراته المتسارعة تثير “مخاوف” بقدر ما سنحت به من “فرص”.
وكانت الحكومة المغربية شرعت فعلياً في مسايرة التحوّل الذي يعرفه العالم على مستوى الذكاء الاصطناعي من خلال إنشاء مؤسسات تعليمية في سلك التعليم العالي تُعنى بالأبحاث الخاصة بالذكاء الاصطناعي (إحداث المدرسة الوطنية العليا للذكاء الاصطناعي وعلوم المعطيات بتارودانت، تابعة لجامعة ابن زهر بأكادير، مع تحويل المُلحقة الجامعية ببركان إلى “مدرسة وطنية للذكاء الاصطناعي والرقمنة” تابعة لجامعة محمد الأول بوجدة).
قد يهمك أيضــــــــــــــــًا :
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر